الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي و معضلة المفاهيم

محمد المشماش

2017 / 7 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الخطاب الذي أنتجه الإسلام السياسي بمختلف تلويناته خلال العقود السابقة لم يحقق شيء على أرض الواقع غير التخلف حتى الصراع الوهمي الذي خاضه مع الأنظمة التي ينتمي إليها لا جدوى منه (صراع سلبي قائم على خرافة بناء دولة الخلافة و ليس من أجل الدفاع عن الإنسان )، لهذا فهو بعيد كل البعد عن خطاب اليسار الراديكالي الذي قام ببناء مجتمعات متطورة اقتصاديا و صناعيا، رغم أنهما أنتجا مفاهيم متناقضة مع الخطاب الليبرالي، فاليسار دعا إلى التقسيم العادل للثروات في مقابل اقتصاد السوق، التأميم في مقابل التحرير، التناقض و الصراع في مقابل الاستقرار و مصالح البرجوازية، المجتمع في مقابل الحريات الفردية، الاشتراكية في مقابل الرأسمالية، و هذا ما خلق صراعا بين نمطين من الانتاج الاقتصادي لا يمكن بسط أحدهما إلا بالقضاء على الآخر، و جوهر هذا التناقض بين النظامين الرأسمالي و الاشتراكي هو تناقض اقتصادي و اجتماعي في الأساس لا دخل للدين فيه، أما المفاهيم التي أنتجها الإسلام السياسي الراديكالي فهي أقرب إلى الميتافيزيقا منها إلى الواقع الاجتماعي و الاقتصادي كالإيمان في مقابل الكفر، الخير في مقابل الشر، الإسلام في مقابل الجاهلية، حاكمية الله في مقابل حاكمية البشر، الله في مقابل الطاغوت ... و هذا التناقض بين هذه المفاهيم هو تناقض مطلق لا سبيل فيه إلى الوسطية أو المصالحة، و لا بقاء لأي منهما إلا بالقضاء على الآخر، وأما الصراعات الموجودة في العالم لا يعتبرها دعاة الإسلام السياسي صراعات اقتصادية أو اجتماعية و إنما هي صراعات عقدية بامتياز، حتى التوصيفات و المعجم الذي يستخدمونه يرجع إلى عصر الخلافة و ما قبل الخلافة (الصليبيين، الكفار، الغزوات، الجهاد، الجاهلية، الحاكمية، الجماعة، الطاعة...) من هنا جاءت أبرز المفاهيم الذي أسسها فكر الإسلام السياسي من محمد بن عبد الوهاب و المودودي سيد قطب و غيرهم.

فالخطاب اليساري حتى و إن لم يستطع الصمود أمام المد الرأسمالي إلا أنه أسس نظاما سياسيا قويا، أما خطاب الإسلاميين الراديكالي القائم على تجييش العاطفة كان هو الوسيلة التي أخمدت بها الرأسمالية حماسة اليساريين، و لم يبق منهما إلا أحزاب متهالكة تقتات على مخلفات أسيادها و تبرر انتهازيتها باسم الوسطية و الاعتدال و الإصلاح، إلا أن الحنين إلى عودة المنظومة الاشتراكية كنظام عالمي حنين مشروع و ممكن في ظل تنامي تغول شجع المد الرأسمالي، لكن الحنين إلى دولة الخلافة ما هو إلا حنين إلى ماضِ انقضى و وولى، ماض تجاوزته حتمية التاريخ كما تجاوزت الإمبراطوريات الممتدة، و حتى المفاهيم التي تأسس عليها الإسلام السياسي الراديكالي هي مفاهيم مستحيلة التحقق واقعيا.

ومن بين أبرز المفاهيم التي اجترحها مفكرو الإسلام السياسي و اعتبرت لبنات أساسية في كل خطاب يتبنى إقامة نظام إسلامي:

الجاهلية: قد يربط العديد الجاهلية بسياقها الزماني قبل ظهور الإسلام، لكن في الخطاب السياسي للحركات الإسلامية فهي كل انحراف عن الدين الإسلامي سواء كان في الماضي أو موجود في الحاضر أو سيكون في المستقبل، فجميع أنظمة الحكم التي لا يكون فيها الأمر لله وحده فهي أنظمة جاهلة، و ليس فقط المقصود هنا أنظمة الغرب رأسمالية أو اشتراكية و إنما حتى المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي تزعم أنها مسلمة وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، لا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا، و لكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها، فهي و إن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي اخص خصائص الألوهية لغير الله (الحكم)، فتدين بحاكمية غير الله، تتلقى من هذه الحاكمية نظامها، و شرائعها و قيمها، و عاداتها و تقاليدها ...( بمعني كل مسلم يدين بنظام حكم وضعي حتى و إن نطق الشهادة و صلى و صام و زكى و حج فهو كافر و يعيش في جاهلية) من هنا جاء مفهوم الحاكمية الذي استقاه قطب من كتابات أبو الأعلى المودودي، أما أصله فيرجع إلى معركة صفين التي دارت بين جيش على بن أبي طالب و جيش معاوية بن أبي سفيان، عندما دعا عمرو بن العاص، جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، تفاديا للهزيمة، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعوا جيش علي إلى التوقف عن القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن.

الحاكمية: تعني ببساطة لا حاكمية إلا لله، و لا شريعة إلا من الله و لا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله لله، " و يستند مفهوم الحاكمية كما ورد في الخطاب القطبي، إلى العبودية لله وحده، و التحرر من حاكمية البشر، أو سلطة الطواغيت، و التي تشمل كافة الأنظمة الديمقراطية أو الاشتراكية أو العلمانية، و إلى الاجتهاد حيث لا نص في الشريعة، و إن رهن مشروعية هذا الاجتهاد بسيادة الحاكمية الإلهية، و الوفاء بشروطه فيما لا يكسب صاحبه قداسة تدخل في مثل إطار الثيوقراطية الكنسية التي سادت أوربا يوما". محمد حافظ دياب: " سيد قطب، الخطاب و الإيديولوجيا". ص117.

إذن الحاكمية تستلزم تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا حرفيا اعتمادا على النص الإلهي، في أصول الحكم، و الأخلاق، لهذا يعتبر الأصولي أو الإخواني بمفهومه القطبي أن الأخلاق ثابتة لا تتطور ليس كما تعتقد الأنظمة الوضعية أنها نسبية، و مطلق الأخلاق هي أخلاق السلف الصالح التي بنيت عليها النبوة و الخلافة، من هنا جاء مفهوم الجماعة كمفهوم أساسي في خطاب الإسلام السياسي.

الجماعة: لا يمكن تأسيس مجتمع يتبنى الشريعة في حكمه دون تنظيم مبني على الطاعة، تنظيم عبارة عن قاعدة تظم أفرادا حركيين، يتجردون من كل أشكال الجاهلية، لكن لابأس أن يزاولوا أنشطتهم بالموازاة مع المجتمع الجاهلي لكسب تعاطف أكبر فئة من هذا المجتمع، لكي يتسنى لهم تبليغ الدعوة لجميع طبقاته الاجتماعية، و الجماعة هي الضامن الأساسي للاستمرار في نشر الدعوة من جهة، و الجهاد ضد الطواغيت من جهة ثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا