الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اِختلال المفاهيم.. رسالة مفتوحة الى التيار المدني

علي عبد الجبار شمري
كاتــبٌ حُـــر

(Ali Shammari)

2017 / 7 / 10
المجتمع المدني


إن اعتماد الحقائق، والموضوعية في التعامل معها؛ هي من اهم أُسس النجاح، وتحقيق الأهداف المنشودة. وان وَبال تزييف تلك الحقائق، او تزويقِها؛ لايحيق الا بصاحبه. ان اكبر خديعة قد يعيشها الإنسان، قد تكون من صنعه هو نفسه، وقد نشرت الأمريكية ميل روبينز- مُدربة،ومُحفزة ،ومُعلقة على قناة سي ان ان- كتابها الأول في عام 2011 والذي يحمل عنوان، "توقف عن قول انا جيد" ويتناول هذا الكتاب حسب الكاتبة، عملية خداعنا لأنفسنا من خلال قولنا " ان الامور جيدة". تضرب الكاتبة عدة امثلة لأُناس يعانون من ظروف سيئة جداً، ومع ذلك فعند سؤالهم عن الحال، يجيبون: " الحال جيد". وحسب رؤية الكاتبة ايضاً، ان استمرارنا بالقول ان "الأمور جيدة"، يُولد شعوراً لا ارادياً، بأن لاداعي لعمل شئ جديد؛ فالأمور جيدة بكل بساطة! وبهذا نقوم بعملية خداع أَنفسنا بأنفُسِنا.
يزخر تاريخنا المعاصر، بالكثير من الأمثلة على عمليات خداع النفس، وان من اشهر هذه الأمثلة ما يتعلق بتقديرات العرب لقوتهم في فترات الصراع العربي الأسرائيلي، ولعل حرب 67 هي "اكبر درس في الكذب" كما يصفها الكاتب الراحل انيس منصور. ولم تقتصر عملية خداع النفس عند العرب بالمبالغة بقدراتهم فقط؛ بل تعدتها الى مرحلة تشويه المفاهيم وتحريفها!
عرَّفّ البشرُ "الإنتصار" منذ الأزل، بأنه التغلب، وقهر الخصم،كذلك تكبيده الخسائر سواء المادية ام المعنوية، او مايترتب على هزيمته من عواقب. لكن ان تُحَطَم البنى التحتية لبلد، ويُدمر جيشهُ، واقتصاده، ويرجِع هذا البلد اكثر من نصف قرن للوراء؛ ثم يخرج علينا " قائد" هذا البلد المُنهزم، ليقول: ابشروا فإننا "انتصرنا" بصبرنا ووصمودنا و ايماننا!! فهذا لمن العجب العجاب. نعم، لا تستغرب عزيزي القارئ..هذا ماحدث في العراق عام 1991، وماهو الا استمرار لمسلسل الخداع والوهم، الذي نعيشه في ضل اجتناب الحقائق و تزييفها.
و ليس ببعيد عما نطرح هنا، احتفالات الفصائل الفلسطينية بصفقة " وفاء الاحرار" كما يحلو" للأحرار " تسميتها، فقد ضجت الدنيا بذلك النصر المؤزر، واشتعلت السماء احتفالاً، وصَدحت الحناجر بالخطب الرنانة، الكلُ يباركُ للشعب البطل " انتصاره " !! اكيد " انتصار" لكن انتصار من طائفة " انتصارات الصبر والصمود". إن مبادلة 1027 إنسان بإنسان واحد، لاشك هو انعكاس لقيمة الإنسان عند الطرفين!
تُعد مدنية الدولة ، واستقلالية الفرد، وحرية التعبير؛ من اهم ركائز التيار المدني، لكن وبما اننا نعيش في عصر اختلال المفاهيم، والتعاريف الجديدة، حتى للأمور المسلم بها، فلا تعجب ان رأيت ناشط مدني يقف تحت عباءة التيار الديني، او يتكلم بلسانهم. ان التعايش السلمي لأبناء المجتمع الواحد، على اختلاف مشاربهم؛ هدفٌ سامٍ لكن يجب ان لايكون هذا على حساب التنازل عن الثوابت، الذي يؤدي بدوره الى خلط الأوراق واختلال المفاهيم. على جميع المثقفين، و الناشطين، من ابناء التيار المدني، ان يدركوا بأن المهمة ليست سهلة، لكنها تبدأ بالصدق مع انفسهم، وقراءة الواقع قراءة جيدة، ان مايميز التيار المدني، هو مدنيتهُ بشقيها، من ابتعاد عن توظيف الدين، وعسكرة الدولة؛ فلا تلوثوا ثوب المدنية، بخلط المفاهيم والتلاعب بالالفاظ، وتسويق مبدأ "انتصرنا بصبرنا"! فللنصرِ معنى واحد كما أن للمدنيةِ معنىً واحد.
على شمري
السويد 10 تموز/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال