الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأديان والسّخرية وحريّة التّعبير والحقيقة

مالك بارودي

2017 / 7 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عن الأديان والسّخرية وحريّة التّعبير والحقيقة
.
لا أعتقد أنّ هناك من القرّاء من لا يتذكّر المجزرة التي حدثت في بداية سنة 2015 على يد إرهابيّين مسلمين وراح ضحيّتها رسّامو الصّحيفة الفرنسيّة السّاخرة "شارلي إبدو". ما السّبب الذي كان وراءها؟ السّخرية من دين المسلمين ومن قرآنهم ورسولهم عبر رسوم كاريكاتورية. أو لنقل أنّ السّبب الحقيقي كان الإسلام، هذا الدّين الإرهابي والعنصري والبدائي الذي لا يعترف بحقّ الإنسان في الإختلاف وفي إبداء رأيه كما يريد ويشتهي.
.
سيقول البعض أنّ السّخرية من الأديان غير مقبولة. "غير مقبولة"؟ من قال هذا؟ كلّ أصحاب دين سيقولون لك أنّ السّخرية من الأديان غير مقبولة، لكنّهم بقولهم هذا لا يعنُون "كلّ الأديان" بل دينهم هم فقط. تمامًا مثلما يزعمُ المسلمون أنّهم يحترمون كلّ الأديان ولكنّهم يتّهمون كتبها بالتّحريف ويتّهمون تباعها بالكُفر، أي أنّهم في نهاية الأمر لا يحترمون إلّا الإسلام، أمّا التّعميم في قولهم، فليس سوى طريقة للتمويه والتّخفّي.
.
وسيقول البعض الآخر أنّ السّخرية من الأديان لا تجوز. مرّة أخرى، يجب أن نسأل: من قال هذا؟ ما الفرق بين الإسلام والشّيوعيّة واليهوديّة والرّأسماليّة والدّيمقراطيّة، إلخ؟ كلّ هذه أفكار قابلة للنّقد وللإنتقاد وقابلة أيضًا للسّخرية والفكاهة. فإذا قبلت أن تكون النّازيّة أو الدّيكتاتوريّة موضوع سخرية، فلماذا لا تكون الأديانُ كذلك؟ كونك تؤمن بدين مّا وتُصدّق ما جاء فيه، هذا لا يجعله إستثناءً ولا ينفي عنه أنّه مجرّد فكرة مثل بقيّة الأفكار.
.
وسيقول آخرون أنّ السّخرية ماهي إلّا وسيلة العاجز عن التّعبير، يلجأ إليها لتفريغ غضبه. أمّا القول بأنّها وسيلة العاجز عن التّعبير فهذا فيه نظرٌ. فالعجزُ ليس عيبًا، فكلّ الموجودات في الكون لديها نقاطُ عجز، والإنسانُ لا يشذّ عن هذه القاعدة. فالبشر ليسوا متساوين في قدرتهم على التّعبير، إذ هناك من قدرته على التّعبير والإفصاح والتّبليغ ضئيلة وهناك من لديه موهبة في نظم قصائد الهجاء ولا يستطيع قول بيت واحد في الغزل، إلخ. والتّعبيرُ ليس لديه قواعد، فإذا عبّرت عن فَرحِك أو حزنك، لا شيء يمنعك من التّعبير عن غضبك. والغضبُ شيء عادي في الإنسان ولا يمثّلُ عيبًا وليس جريمةً.
.
لكن هل يصمدُ المسلمون مثلًا (بما أنّهم يمثّلون أكبر وأخطر كُتلة بشريّة تعارضُ الّسّخرية من دينهم وتصلُ إلى حدّ إستعمال العنف والقتل والإرهاب، كما ذكرنا في بداية المقال) أمام حجّة أنّ السّخرية وسيلة العاجز؟ ألا يقول القرآن: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت، 41)؟ أليس هذا سخرية وإستهزاء بغير المسلمين وآلهتهم ورموزهم؟ أليس القرآن هو الذي يقول: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (الجمعة، 5)؟ أليس هذا سخرية من اليهود وتحقيرًا لهم؟ فهل ربّ الإسلام عاجزٌ عن التّعبير ليستعمل السّخرية والإستهزاء والتحقير؟ أين إحترامُ الإسلام لمعتقدات الآخرين؟ أين إحترامك لكلّ الأديان، يا عزيزي المسلم، وأنت تقرأ هذا الكلام المليء بالسّخرية؟ أم أنّ ربّك الخرافي له الحقّ في السّخرية من النّاس وغير المسلمين ليس لهم الحقّ في الرّدّ على سخريته بالطّريقة التي يرونها؟ أليس هذا نفاقًا؟
.
لكن الواضح أنّ الله الإسلامي نفسه مصاب بإنفصام في الشّخصيّة أو مجرّد منافق، فهو يقول في مكان آخر من القرآن: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام، 108). حسنًا، ألم يَكُنْ هو نفسه يسبُّ غير المسلمين منذ قليل؟ ألم يُشبعهم سبًّا وشتائم في الكثير من الآيات؟ أم أنّ قائل آيات السّخرية والشّتائم هو إله آخر؟ أم أنّ من ينهى عن سبّ غير المسلمين في الآية الأخيرة لا علاقة له بإله الإسلام الشّتّام السّاخر؟
.
في نهاية الأمر، كلّ الحجج التي يمكن أن يقدّمها المتديّن معتقدًا أنّها تُثبتُ عدم مشروعيّة السّخرية من الأديان هي حجج وهميّة وفي أحسن الأحوال فاشلة. لكن الثّابت أنّ السّخرية هي أسرع طريق للتّغيير، وهي أسرع طريق لكسر الهالة المقدّسة المحيطة بالمعتقدات وإنزالها إلى مستوى بقية الأفكار المتداولة التي لا قداسة لها والتي تخضعُ لكلّ أنواع الخطاب وأساليب التّعبير المعروفة من المدح إلى الهجاء والسّخرية. ففي كلّ مرّة تسخرُ فيها من معتقداتِ أحدهم، فأنت تفتحُ نقاشاً جديدًا، لأنّك تُجبره على أن يفكّر رغماً عنه. فأنت تكسر حاجز الخوف النّقدي لدى الآخرين. ونزعُ القداسة عن أيّة فكرة هي بداية الطّريق نحو معرفة حقيقتها.
.
---------------------
الهوامش:
1.. مقال "الإسلام دين الإرهاب - حين قال محمد بن آمنة: من لرسامي شارلي إبدو فإنهم قد آذوا الله ورسوله؟":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=450217
2.. مقال "الإسلام هو الإرهاب: حول ولد إمخيطير ورائف بدوي وشارلي إبدو ودين الإرهاب":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=449973
3.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
4.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths
https://www.academia.edu/33820630/Malek_Baroudi_-_Islamic_Myths
5.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السّخرية وحريّة التّعبير
شاكر شكور ( 2017 / 7 / 12 - 04:52 )
الإسلام لا يقبل السؤال او النقد (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فكم بالحري لو مارس شخص السخرية منه ؟ محمد بعد ان اخمد بالسيف معارضيه الذين كانوا يسخرون منه لأنه كان ينقل من أساطير الأولين ، بدأ هو بالسخرية من الأديان السابقة للتغطية والتمويه على ما يفعله ولم يأخذ بالحسبان بأن تطور التكنلوجيا في المستقبل والقيام بالبحوث وتبادل المعلومات سيؤدي ذلك الى اكتشاف السرقات التي كان يأخذها من كتب الأولين ويضعها في قرآنة ، وطبيعي ان تحدث السخرية عندما يجد الباحث كثير من القصص القرآنية مسروقة ليس فقط من الكتب المقدسة السابقة بل مسروقة حتى من اشخاص كقصة اهل الكهف التي الفها يعقوب السروجي قبل محمد بعدة قرون وهي قصة سريانية رمزية ، كذلك قصة الغراب الذي علُّم قابيل كيفية دفن أخيه هابيل وهي قصة مذكورة في كتب التراث الشعبي اليهودي ، فمحمد هو الذي جلب السخرية على قرآنه وليس ذنب النقاد ، ولهذا قامت بعض الدول كمصر بسن قانون لحماية الإسلام من النقد ومنع السخرية منه وهو قانون ازدراء الأديان ويقصد به منع ازدراء الإسلام فقط وذلك بتكميم الأفواه بالقوة ، تحياتي


2 - السخرية من الأفكار حق مشروع
بارباروسا آكيم ( 2017 / 7 / 12 - 17:19 )
ياسيدي لقد بُحَّ صوتنا ونحن نقول هذا الكلام

حينما تتكلم مع الصلاعمة ونقول كل الأَديان سواء أَمَام النقد والسخرية من الدين أَو من أَي فكر هو حق مشروع ، يقولون ولماذا لا يُمكن التشكيك بالهولوكوست ؟!

يا أَوْلاَد العار .. الهولوكوسوت كان حملة إِبادة عرقية ، وليس نقد أَديان

يعني هتلر إِعتبر اليهود كائنات منحطة عرقياً فقتلهم ، هكذا ببساطة ، ولذلك ولأَن هذه المأساة قُتِل فيها ملايين البشر ، فالعالم إِعتبر هذه الكارثة خط أَحمر
يعني معسكر أوشفيتز البولندي لوحده قُتِل فيه 3 مليون إِنْسَان من الأَعراق التي اعتبرها هتلر أَقل من الأَعراق الآرية

أَما بالنسبة للنقد الديني والسخرية فاليهودية والمسيحية يتم السخرية منهما فلماذا الإسلام وحده من يمارس الإرهاب لإسكات كل الأَصوات الناقدة

يارجل المسألة وصلت لعرض أفلام إِباحية تصور شخصيات دينية يهودية أَو مسيحية

تحياتي وتقديري


3 - ان كانت السخرية والاستفزاز مشروعين فحق الرد مشروع
عبد الله اغونان ( 2017 / 7 / 12 - 18:53 )

اسخر من شخص أمام الناس واستهزئ به وبالغ هي استفزازه واحتقاره

وجماعة يضحكون

ماذا تنتظر منه ؟ أن يشاركك الضحك ويشكرك؟

لو جرد سلاحا وأرداك قتيلا فلن يكون لك الوقت لمزيد من السخرية ولاأن تحاوره وتعلمه الأدب والاتكيت


4 - نعم وها هو المنطق والعقل
حسن أبو السعود ( 2017 / 7 / 21 - 17:37 )
نعم، لا قداسة للأفكار,
من يريد أن يحافظ على أفكاره ما عليه سوى الإحتفاظ بها لنفسه