الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمييز (العنصري) في المجتمع الليبي

محمد بن زكري

2017 / 7 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كما في كل بلاد المسلمين ذات الأغلبية السُّنية ، و فضلا عن الإسلاميين ، يظل مُدّعو الليبرالية الليبيون بشرا عاديين ، إلى أن يأتي حديث السنة و الشيعة ، فإذا بكل أقنعتهم الليبرالية تتساقط (لا شعوريا) و تطفو على السطح حقيقتهم (الكامنة) كطائفيين إسلاميين سُنة ، و إذا بهم دواعش متحفزون لتكفير الشيعة - الرافضة ، الصفوية ، النصيرية - و إرسالهم إلى نار جهنم التي وقودها الناس و الحجارة ! و إذا بدعاواهم الليبرلية صكوك مغشوشة لا رصيد لها في بنك الليبرالية . لا لشيء إلا لأن أيديولوجيا بني أمية ، تشكل كل خلفيتهم الثقافية و ذاكرتهم الجمعية ، بما ترسب فيها منذ أربعة عشر قرنا .

فما هو الشر الذي لحق بالشعب الليبي من الشيعة ، كيْ يضمر لهم كل هذه الكراهية و العداء ، و يتمنى إبادتهم عن بكرة أبيهم ؟! حتى إنه ما أن يؤتى على ذكر الشيعة ، إلا و يكون التعقيب بأبشع وأحط الأوصاف ، و بأشد صور العنف اللفظي عنصرية ، فأقل ما يوصفون به في التداول العام و على صفحات الفسيبوك : " شيعي قذر " ! رغم أن كل ما يجري في ليبيا من مصائب و ويلات ، هو من فعل المسلمين السُّنة ، سواء كانوا من داخل ليبيا أم من خارجها ، و بدعم من دول سُنيّة (كتركيا و قطر و السعودية) ، بدءً من تفجيرات بنغازي ، التي لم تستتنِ حتى المركز الطبي في المدينة ، و ليس انتهاءً إلى تفجير الجوامع الأثرية و حروب ميليشيات (الله أكبر) في العاصمة طرابلس .

فلماذا أنتم مصرّون على التمسك بأضاليل القرن السابع و حماقات أهله ؟! ما الذي يجديكم في القرن الواحد و العشرين (اليوم) ، أن يكون (الإمام) علي - خليفتكم الراشد الرابع - على حق ، أو أن تكون (الحميراء) عائشة و الصحابيان طلحة و الزبير على حق .. في معركة الجمل (مع ما يشوب روايتها من فبركات) ؟! مالكم أنتم و للوغد معاوية و الزنيم عمرو بن العاص و المولى البربري الغبي المدعو طارق بن زياد ؟! حتى تناصبوا الشيعة كل هذا العداء السنيّ الأحمق ؟! و الخطاب موجه للعامة (الرعايا) ، و بالأخص الأغلبية المُفقرَة .

لماذا تكرهون الشيعة .. أكثر مما تكرهون الشيطان نفسه ؟! و ما الذي تعرفونه أصلا عن الفقه الشيعي .. حتى تتعصبوا للفقه السني ، الذي لا تعرفون شيئا يُذكر من أصوله و فروعه أساساً ؟! لماذا أنتم حاقدون منغلقون عدوانيون إلى هذه الدرجة من (الغباء المقدس) ؟! لا لشيء إلا لأن كهنتكم – فقهاء السلاطين – قد غسلوا أدمغتكم و أوغروا صدوركم ، بتخاريف تعود إلى أزمنة الامبراطوريات الأموية و العباسية و الفاطمية ! حتى يبعدوكم عن التفكير بمشاكل حياتكم التعيسة و أوضاعكم المعيشية المزرية ، و اكتشاف أعدائكم الحقيقيين ، الذين هم حكام بلادكم الفاسدون ، و الكومبرادور (الوكلاء التجاريون و بارونات الاستيراد) ، و الطبقة المهيمنة اقتصاديا و المسيطرة سياسيا .. من أثرياء السطو على المال العام ، المتحالفين - ضدكم - مع المؤسسة الكهنوتية الإسلامية ، على قاعدة تقاطع المصالح الخاصة .

الشيعة لا يفخخون السيارات ، و الشيعة لا يفجرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة في الأسواق العامة ، و الشيعة لا يذبحون البشر ويقطعون رؤوسهم ، و الشيعة لا ينشرون الإرهاب في العالم ؛ ابتغاء الفوز بجائزة الحور العين ...
لكن كل ذلك يفعله دواعشكم من أهل السنة والجماعة ..
فالذين أحرقوا مطار طرابلس العالمي .. هم من أهل السنة و الجماعة ، و الذين يفسقون بكم في السلطة – منذ 23 أكتوبر 2011 – هم من أهل السنة و الجماعة ، و الذين أرعبوكم بالمشاهد المتلفزة لقطع الرؤوس و صلب الجثامين في درنة و سرت .. هم من أهل السنة و الجماعة ، و الذين يزنون و يلوطون ببلادكم على قارعة الطريق .. هم من أهل السنة و الجماعة .
أليس ذلك كذلك أيها الشعب (العديم) من أهل السنة و الجماعة ؟‍

و لا أكون مبالغا إذا قلت إن الأغلبية الساحقة ، بما لا يقل - تقديريا - عن نسبة 90% من المجتمع الليبي ، بمن فيهم أولائك الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين و يتشدقون بالديمقراطية ، يكرهون الشيعة كراهية مطلقة .. على أساس التمييز الطائفي ، و يحقدون على المذهب الشيعي و (يُفتون) بخروجه عن المِلة المحمدية ، و لا يذكرون اسم حزب الله اللبناني - مع تحفظي الشخصي على مصطلح حزب الله - إلا على أنه حزب (اللات) . و هُم يفعلون ذلك دون أن يعرفوا شيئا عن تاريخ التشيع أو الفقه الشيعي - من مصادره - فكل معلوماتهم عن الشيعة و التشيع مستمدة (سماعيا) ، من ميراث فقه التطرف الحنبلي ، و قراطيس الايديولوجيا السُّنية ، و إعلام عشيرة آل سعود الوهابية .. في مملكة النفط و بول البعير .
إن التمييز ضد الآخر على أساس العرق أو المعتقد الديني ، هو في القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية ، وفقا لنصوص كل من : الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، و إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، و إعلان الأمم المتحدة بشان القضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز على أساس الدين أو المعتقد .
و فيما يلي نص المادتين 3 و 4 من الإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز على أساس الدين أو المعتقد :
المادة 3
يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، و يُدان بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و الواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان ، و بوصفه عقبة في وجه قيام علاقات وُدية و سليمة بين الأمم .
المادة 4
1 : تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع و إنهاء التمييز ، على أساس الدين أو المعتقد ، في الاعتراف بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية في جميع مجالات الحياة المدنية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية ، و في ممارستها و التمتع بها
2 : تبذل جميع الدول كل جهد لسَنّ ، أو إلغاء ما تقتضيه الضرورة من تشريعات ، لمنع أي تمييز من هذا النوع ، و لاتخاذ جميع التدابير الملائمة لمكافحة التعصب على أساس الدين أو المعتقد في هذا الشأن .
هذا في القانون الدولي الإنساني ، أما في الأخلاق .. فإن التمييز ضد الآخر على أساس الدين أو المعقد - فضلا عن العِرق - هو انسلاخ عن الإنسانية ، و هو تعبير عن الهمجية و ضيق الأفق ، و هو انعكاس لأزمة أخلاق تستوطن الضمير الجمعي و تصوغ أحكامه التمييزية ؛ و هو بالتالي سبة مشينة - إنسانيا و أخلاقيا - تلحق بأهله ؛ من الفقهاء و الدعاة ، و جمهور الأتباع الإمّعات .
و التمييز يقوم على أساس تبني صورة نمطية سلبية عن الآخر ، والتعامل معه بنظرة فوقية قوامها الكراهية ، مع الإفراط في تبجيل الذات . فالمتعصب عِرقيّا - إثنيّا أو دينيا ، يقول لنفسه : أنا الأفضل .. أنا الكامل ، و ما أعتقد به هو الصواب و الحق المطلق ؛ أما الآخر فهو شرير وسيء وناقص ، وما يعتقد به هو الضلال والباطل المطلق . ولذلك فانا أكرهه واحقد عليه وأتمنى هلاكه .
و أعود مرة أخرى ، لأجزم بأن تلك هي الطريقة التي يفكر بها أغلب الليبيين ، ليبراليين و علمانيين و مالكيين و أباضين - رغم أن هؤلاء ليسوا أفضل حالا من الشيعة في نظر فقهاء السنة - في شأن المسلمين الشيعة . فهم شعب من المتعصبين ؛ و التعصب العرقي أو الديني ، هو خروج عن القانون الدولي الإنساني ، فضلا عن كونه نقيصة أخلاقية ، و رذيلة سلوكية . فليواجه كلٌّ نفسه .. و ليتطلع إلى صورته في مرآة الإنسانية .
على أن كل ذلك لا يمنع من القول بأن المسلمين الشيعة ، ليسوا مبرئين من التعصب المذهبي و العنصرية الدينية الطائفية ، بل إن الغلاة منهم لا يختلفون في شيء عن غلاة الوهابية ؛ إسفافا في الخطاب الديني ، و تكفيرا للآخر المختلف ، و تحريضا على الكراهية . فهؤلاء كما أولائك ، سادرون في غيبوبة الوهم الكبير ، سواء بسواء ؛ يتنازعون منذ أربعة عشر قرنا ، حول (الإمامة) ، و يتقاذفون بطوب زواج المتعة و رضاع الكبير . اجترارا لسخافات فقه غرف النوم ، في واقعِ عالَمٍ متغير ، صار الزمن فيه يُقاس بالفمتو ثانية ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ