الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيزيس : كيف ولماذا خدعتْ (رع)؟

طلعت رضوان

2017 / 7 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بعد أنْ جمعتْ إيزيس أشلاء زوجها أوزير. وبعد أنْ أنجبتْ منه حورس بقوة سحرها ، بدأتْ (المعركة القانونية) فى محكمة الآلهة ، والتى استمرّتْ لعدة سنوات. كان طرفا الخصومة إيزيس لتـــُـثبت حق ابنها فى العرش، فى مواجهة الإله (ست) وفوجئتْ إيزيس بانحياز الإله (رع) لجانب (ست) فاستخدمتْ قوة سحرها كى تـُجبر (رع) للكشف عن اسمه، فهذه نقطة ضعفه، ليقول الحق وينصف ابنها.
وتحكى القصة أنّ (رع) وصل لمرحة الشيخوخة التى ((جعلتْ لعاب فمه يسيل)) فكان يبصق على الأرض. فجمعتْ إيزيس التراب الذى بصق عليه، ثم تلتْ تعاويذها السحرية فحوّلتْ التراب الذى به لعاب (رع) إلى ثعبان ضخم . ثم أمرتْ الثعبان بأنْ يلدغ (رع) الذى بدأ يشعر بالنار التى نفثها الثعبان فيه. بدأ (رع) يتألم. وجاء فى البردية التى ترجمها عالم المصريات سليم حسن أنّ (رع) ارتجفتْ شفتاه ((وزلزلتْ كل أعضائه لأنّ السم كان قد أمسك بجسمه)) وعندئذ نادى (رع) على الآلهة وقال لهم ((لقد لدغنى شىء ردىء، شىء لا أعرفه من بين كل الذين خلقتهم. وقد أعطانى والدى ووالدتى اسمى، وبقى مخفيًا حتى لا يكون لساحر أو ساحرة سلطان علىّ. أرسلوا إلىّ الأولاد المقدسين الذين لهم كلام فعـّال، حكماء اللسان)) فجاء إليه الأولاد المقدسون وكذلك أتتْ إيزيس، وفى أقوالها تطرد المرض وفى كلماتها تعطى الحياة (وتمنع) أخطاء النفس وقالت ((ما الذى حدث؟ أيها الوالد المقدس.. ماذا حدث؟ إذا كان قد ألحق بك الثعبان ضررًا. وأى مخلوق من مخلوقاتك قد رفع رأسه ضدك فإنى سألقى به أرضًا بالسحر الفعـّال وأمنع عنه مشاهدة أشعتك)) فقال لها الإله رع ((لقد كنتُ ذاهبًا على الطريق، سائرًا فى الأرضيْن وفى الصحراء. لأنّ نفسى كانت تتوق إلى رؤية ما خلقته. ولكن تأملى لقد لدغنى ثعبان لم أره. وقد تصبّب كل جسمى عرقــًا وإنى أرتعد وعيناى ليستا قويتيْن، ولذلك لا يمكننى أنْ أرى لأنّ الماء يتصبّب على وجهى كما يحدث فى قيظ الصيف.
وهنا رأتْ إيزيس أنّ الوقت قد حان لتضرب ضربتها فقالت له ((أخبرنى عن اسمك أيها الوالد المقدس، لأنّ الرجل الذى ستــُـتلى تعويذة باسمه سيبقى حيًا. فردّ رع عليها ((إنى أنا الذى خلقتُ السماء والأرض وأرسيتُ الجبال وسويتُ ما عليها. أنا الذى خلق الماء وخلقتُ الثور للبقرة. وأنا الذى فتح عينيه فجاء النور للوجود. والذى أغمض عينيه فجاء الظلام للوجود. وبأمرى يجرى النيل. والآلهة لا يعرفون اسمى. أنا الذى خلقتُ الساعات ثم جاءتْ الأيام للوجود. وأنا الذى أفتتح الأعياد السنوية. وخلقتُ نار الحياة من أجل أنْ يوجد العمل. وأنا (خبرى) فى الصباح و(رع) فى الظهيرة و(آتوم) فى المساء)) فقالت له إيزيس ((إنّ اسمك لا يوجد بين الأسماء التى تلوتها عـــلىّ، فأخبرنى به حتى يخرج السم، لأنّ (الرجل) الذى ينطق باسمه سيعيش)) وكان السم يحرقه بفظاعة وأقوى من اللهب. فقال لها ((أعيرينى أذنك أيتها البنت إيزيس وسينتقل اسمى من جسمى إلى جسمك)) وخبّـأ نفسه من الآلهة لأنّ المسافة كانت شاسعة فى قلوب ملايين السنين (إشارة إلى مركب الشمس الذى يركبه رع فى السماء كل يوم من الشرق ثم إلى الغرب. ثم يذهب إلى العالم السفلى. ثم يعود ويظهر من جديد فى الشرق ثانية فى اليوم التالى وهكذا دواليك، وهذا هو المقصود بتعبير ملايين السنين)
بعد أنْ سمعت إيزيس كلام رع، طلبتْ من ابنها (حور) مساعدتها فقالت له ((اجعله عاجزًا أمامى، أريده أنْ يحلف أمام الآلهة (.. كلام غير واضح فى البردية) وبعدها كشف الإله عن اسمه لإيزيس. وبعد أنْ عرفتْ إيزيس اسمه قالت ((أيها السائل السام أخرج من (رع) وأنتِ يا عين (حور) أخرجى من الإله. تعال إلى الأرض أيها السم القوى. أنظر.. إنّ الإله العظيم قد باح باسمه. إنّ رع يعيش والسم قد مات))
هذه القصة معروفة فى الأدب المصرى القديم بقصة (إيزيس وإله الشمس رع) وجاء فى بدايتها ((كانت إيزيس امرأة حكيمة)) مع إنّ القصة بعد ذلك تتكلم عن إيزيس الإلهة زوجة أوزير وأم حورس ((عظيمة السحر)) التى جمعتْ أشلاء زوجها وأصرّتْ على تطبيق القانون العادل بأنْ يكون العرش لابنها. والتزمتْ بقواعد المحاكمة، لذلك فإنّ كاتب البردية تعمّد أنْ يذكرها على أنها (امرأة) كما أنه فى أكثر من موضع من القصة تعمّد أنْ يذكر الإله رع بأنه (رجل) أى أننا إزاء (أنسنة) الآلهة وبالتلى تكون (المحاكمة) التى تدور الخصومة فيها بين إلهيْن (إيزيس) و(ست) والقضاة من الآلهة، لترسيخ مبدأ (سيادة القانون) وتطبيق آلياته على واقع البشر، ومن هنا كان رمز (أنسنة الآلهة) وقد تأكد ذلك عندما ذكر كاتب البردية أنّ رع يسيل منه اللعاب (= بيريل بالمصرى الحديث) وصرخ عندما نفث الثعبان سمه فيه مثله مثل أى إنسان. بل إنّ كاتب البردية يسخر من الإله رع بصورة فنية لاذعة، فكيف يكون هو الذى خلق السماء والأرض وخلق المخلوقات، وفى نفس الوقت يقول ((لقد لدغنى ثعبان لم أره)) و(بيريل) مثل أى إنسان معتوه. ومع ذلك جمعتْ القصة بين ما هو اسقاط على الواقع من أجل ترسيخ العدالة عن طريق القانون، وبين الأسطورة عندما جعل كاتب البردية رع يتكلم بصفته الإلهية فقال ((أنا الذى خلقتُ السماء والأرض. وأنا (خبرى) فى الصباح و(رع) فى الظهيرة و(آتوم) فى المساء) ومع ذلك هو يرتعد وجسمه يتصبب بالعرق ويفقد القدرة على النظر بسبب هذا العرق مثله مثل أى إنسان. وفى نفس الوقت يتكلم كاتب البردية عنه بصفته الإلهية عندما أشار إلى الرحلة التى يقطعها رع كل يوم فى مركب الشمس فى السماء وتبدأ من الشرق إلى الغرب (رمزالموت أو الأفول فى الميثولوجيا المصرية) ويذهب إلى العالم السفلى ثم يظهر فى الشرق مرة أخرى كدليل على تجدد الحياة وبزوغ الشمس ثم أفولها، وظهور النهار ثم يتبعه الليل، فى متوالية لا نهاية لها، وهو ما عبّر عنه (رع) فى قوله ((المسافات كانت شاسعة فى قلوب ملايين السنين)) وهو ما يدل على أنّ جدودنا المصريين القدماء عرفوا الوحدة الحسابية (ملايين) كما عرفوا تقسيم اليوم إلى ساعات (12ساعة نهارًا و12ساعة ليلا) كما أنّ القصة رسّختْ للمبدأ الأخلاقى وهو الوفاء بالوعد، وذلك عندما أجبرتْ السم على الخروج من جسد رع، فشفته وخلــّـصته من آلامه. كما رسّختْ لقيمة العمل فى قول رع ((خلقتُ نار الحياة من أجل العمل)) وجاء كل ذلك فى بردية عبارة عن قصة من قصص كثيرة تعرّضتْ لموضوع الصراع بين أوزير و(ست) من ناحية وإيزيس و(ست) من ناحية ثانية ثم بين (حورس) و(ست) من ناحية ثالثة. وهى الأسطورة التى تناولتها الأجيال فى مصر القديمة فى أكثر من بردية وفى أكثر من شكل أدبى من حيث اختلاف التفاصيل، بينما ظلّ الجوهر كما هو: المُعالجة الأدبية للصراع الأبدى بين الخير والشر، وهو الصراع الذى عالجه كثيرون من المبدعين فى أعمالهم، سواء فى الشرق أو فى الغرب، فى تأكيد (كما قال كثيرون من علماء علم المصريات) أنّ أول معالجة لهذا الصراع كانت فى الميثولوجيا المصرية.
هامش: لفظ (خبرى) الوارد فى البردية معناه ((هذا الذى يأتى إلى الوجود)) وهو اسم الإله الشمسى الذى تتجدد ولادته على الدوام، ويحيا حياة جديدة. إنه إله أولى فى هليوبوليس، ويُصوّر على هيئة جعران، لأنّ الأصوات الساكنة (فى اللغة المصرية القديمة) لكلمة جعران هى نفس أصوات الفعل ((يأتى إلى الوجود)) (فرانسوا دوما- حضارة مصر الفرعونية- ترجمة ماهر جويجاتى– المجلس الأعلى للثقافة- المشروع القومى للترجمة- رقم 48- عام 98- ص 745)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -اليهود مش هينسوهم-..تفاصيل لأول مرة عن قادة حرب أكتوبر


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |