الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلَ صادق الصَدوق - صادق البلادي

يحيى علوان

2017 / 7 / 18
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بَعثرَني الخبَرُ – الفاجعُ .. فما زالَ يتداعى فِيَّ كالعجزِ .. بطعمِ الدهشةِ ، التي تَرفِضُ التصديق ..
أقِفُ أمامَ مرآةِ الحَيْرَةِ، أَضعَفَ من كُرسيٍّ همزةٍ مُتأرجحةٍ ، لاتدري أَتجلِسُ أمْ تبقى واقفةً ..!
برحيلك المفاجيء ، أفجعتنا يا صادق !

... أفتحوا الأبوابَ والشبابيكَ ليمرَّ طيفُ "حمدانَ" الحالِمَ باسماً...

... أذكر جيداً ، كأنه الأمس ، يوم إلتقيتُكَ ذات يومٍ بَعيـــدٍ ، بعيد.. في مهرجان روستوك عام 1970،
كنتَ تُتَرجم كلمة هارتمان ـ تحية للمهرجان بأسم وزارة التعليم العالي في ألمانيا الديمقراطية ـ كنتَ ذاك الفتى ،
الذي لم تُفارق البسمة محيّاه ، حتى عندما يتطلّب الظرفُ ، أحياناً ، أنْ تَحتجِبَ الإبتسامة !

مَكلومٌ أنا ، يا صادق ، تخونني المفردة.. لا أقوى على الوفاء بوصيَّتك لي قبلَ عام ، يومَ سَمِعتَ رثائي لرفيقنا وصديقنا صبري هاشم ،
فقُلتَ لي ضاحِكاً :
" حياوي وصيتي إلَك أنْ تكتُبَ عني فد شي مثل هذا ، إذا مِتِتْ "!

ليس بمقدوري، الآنَ وأنتَ ترحلُ إلى حُضن أمِّنا الطبيعة ، لتبدأَ مسيرةً وكينونةً نجهلها،
أقولُ ليسَ بمقدوري إلاّ أنْ أطُشَّ/أنثرَ عليكَ حروفَ الوفاء لعِشرةٍ ورفقةٍ مديدة إمتدّت لِما يقربُ من نصف قرنٍ ..
فَنمْ خفيفاً مثلَ ريشةٍ ،
هادئا كما كنتَ تحيا دونَ ضجيجٍ ،
ستحمِلُكَ الفَراشاتُ إلى مَدارِجِ النورِ .. خفيفاً مثلَها ، حينَ يَنبَلِجُ الصُبحُ من
بينِ الستائرِ،
وإنْ شئتَ ، قُمْ ! .. قُمْ الآنَ نتمشّى وأتركْ بقيةَ منامِك نائماً ليلحقَ بكَ حينَ يصحو عند الفجر..
فالحُلُم هوالذي يَزورُ الحالمينَ ، وما عليكَ إلاّ أنْ تَتَذكّرْ ..!!
سيتبعكَ ظِلُّكَ صامتاً ... يَحرُسكَ كي لاتقولَ ما يتعارضُ مع إسمِكَ !
لا ريحَ تهِبُّ اليوم ، وأنتَ من فَرطِ ما أنتَ وحيد - وإنْ كُنّا نحنُ صّحبُكَ من حولِك - لا تُفكِّرُ بالوحدة ..
ولأنّكَ لمْ تودّعْ أحداً ، مذْ نزلتَ إلى السرداب / الكَلَرْ، قبلَ إسبوعين ، لَمْ تكترِثَ لظلِّكَ إنْ كانَ يمشي أمامكَ أمْ خَلفَكَ .

قُلْ لي باللهِ عليكَ، أيةُ رائحةٍ شَمَمتَ لحظتَها ؟
هلْ شَمَمتَ البصرةَ ، وَخمَتَها ، روائحَ سوق الهنود ورائحةَ المصموط والصْبُورْ المجفَّف ؟!

أتدري ، يا صادق ، أنَّ للمدائنِ روائحُها ؟
لبغدادَ رائحةُ المسگوف وروائح سوق الشورجة .. لبعقوبة وبُهرُزْ: رائحة البرتقال وزهر الليمون ..
لسامراء : رائحة البطّيخ .. وللحِلَّة : رائحةُ التمر والدبسِ الساخن .. وللجبايش زَفرةُ الهُور ورائحةُ الخِرّيط ...
وهكذا يا صاحبي، المُدنُ التي لاتُعرَفُ من رائحتها ، لايُعوَّلُ على ذكراها ، فلكلِّ رائحةٍ ذاكرةٌ وذِكرى...
حتى المنافي لها رائحةٌ مشتركة ، هي رائحة الحنينِ إلى ما عداها .. رائحةُ المكانِ الأول .. مكانِ الصرخة الأولى !!
ذلكَ أنَّ الحنينَ يتولّى تنقيَة "المكان الأول" من كل سوء ، لأنَّ كل ما هو مفقودٌ ، عزيزٌ ، مطلوب !
لذلكَ ترانا نُجرجِرُ المكانَ برِسَنِ العبارة ، نحمله معنا في الذاكرةِ والخيالِ ، لا في الحقيبة...
فالكلمات وحدُها مؤهّلةٌ لترميمِ ما إنكسَرَ من زمانٍ ومكان .. فتغدو وطناً !!
يُقالُ أنَّ الحياةَ تبدأ بصرخةٍ وتنتهي بصرخة .. لكنكَ لمْ تصرخ في السرداب / الكَلَرْ قبلَ إسبوعين ،
أتُراكَ كنتَ تريد إثباتَ خَطَلِ المقولة ؟! لأنَّ الموتَ لايوجعُ الميِّتَ ، بل يوجعُ الأحياء !!
................

كنتَ مُغرَماً بأحلامٍ تَحوكها بتوأدةِ ناسِكٍ ، حتى في عِزِّ تَضبُّبِ الرؤيا ..
لم تكنْ أحلاماً مُكتملةً مما يجعلها "عسيرة الهضم !"أحياناً ، كحلمك ــ قبل أكثر من عشرينَ عاماً بعراقٍ حرٍ،
بعدَ نهايةِ الديكتاتورية .. بدون طغيانٍ وبدونِ عَسكر ، مثل كوستا - ريكا ، وما أثاره يومذاك من جدلٍ وسجال ..

لاتَقلَقْ ! إضحكْ كما تفعلُ دوماً ! لنْ أخوِّضَ في الماضي كي أجترَّ الحنين ، بل لأتعلَّمَ من هدوئك وصبركَ الملائكي !
حينها كنتُ أقولُ لكَ هي مُجرد أحلام ! كنتَ تَهُزُّ يُمناكَ فتُجيب باسماً:
"ما قيمةُ الحياةِ ، من دونِ أحلامٍ ، نشتغلُ على نقشها في أديم الوعي البشري، كيما تتحوّل إلى واقع ؟!
أليس هذا هو واجبُنا ؟!"

ــ "حَمدانُ" ، يا "حَمدان" ، ما هكذا إتفقنا !!
قُمْ ! فالدربُ ما زالَ طويــلاً ، طويــــلاً ، طويــــلا ..! ونحن بحاجة لك ..
أستميحُ الفراهيدي والأصمعي عذراً ، فأني لا أُحبُّ فِعلَ الماضي الناقصِ ، لأنه مُخيفٌ ..
فقد سَلبَ مني الكثير، وما فَتيء يُضيِّقُ الدائرةَ من حولي ..
لذلك تَروْني مُجبَراً على إستخدامه... بلا حيلة !

ــ كان صادق صدوقاً غير مُخاتلٍ ، إسماً على مُسمّى ، وكما تعلمونَ فأنَّ الصدقَ ــ وإنْ كانَ صِفةً حميدة،
إلاّ أنه قد يكونُ جَلاّباً للنَكَدِ والمشاكل !!ــ
يُخجِلُكَ في تواضعه وهدوئه وعِفَّته ، يَرفِدُ مَنْ حوله بالعزيمة إنْ إرتخَتْ الإنشوطة..
شجاعاً غيرَ هيّابٍ بالمخاطر والشدائدِ ..
كانَ واحداً ممّنْ عادوا إلى الوطن في ظرفٍ عصيبٍ ، ما دفعَ بعضهم إلى رفض الإلتحاق بالعمل الحزبي ...
لكن صادقاً واصلَ ما آمنَ به ، واصلَ العملَ والعطاء بصمتٍ ، دونَ تَنَطُّعٍ ، بعيداً عن الأضواء !!
آهٍ من الفعل الماضي الناقص ، مرةً أُخرى!!
كانَ صادق مُحاوراً هادئاً ،عفيفَ اللسانِ والقلبِ واليد ، ناصعَ الجبينِ ... زاهداً..
أتذكّرُ يوم تَقرَّرَ تفريغه للعمل في صحافة الحزب ، أواسطَ السبعينات ، تخلّى عن عمله مديراً لمذخر
الأدوية التابع لألمانيا الديمقراطية في بغداد ، ليتقاضى من جريدة الحزبِ ثلثَ مرتّبِ المذخر وساعاتِ عملٍ أكثر...
لمْ يتأفَّفْ من القرار .. بل وجدَ فيه ضالّته ، ليبدأَ رحلةَ الكتابة والبحث !

ــ قِلَّةٌ من الصحبِ كانت تَرعَى الصُحبَةَ ، تُديمُ أديمَها ...
"حَمدان" كانَ سَبّاقاً إلى ذلك دوماً..

ــ ماذا فعلتَ بنا يا أبا ياسر!
مَنْ لنا بعدَ رحيلك يُطفيءُ سَوْراتِ غضبٍ تنفَلِتُ مِنّا عندما نَجزَعْ ؟!

ــ "حمدانُ" ، يا "حمدانُ" ، يا"حمدان" !
لِمَ أَخلَفتَ الوعدَ ؟!
لِمَ غادرتَ "سفينتَنا" وسطَ خَبَلِ الإعصار، ولمّا نقترب من "الجوديِّ" بعدُ ؟!
تعالَ لترَ ما خَلَّفْتَه فينا من وَجَعٍ ، يُجالسِنا شامتاً ،
يَعوي كأناثِ الضِباع ، فيما نُحاولُ مُداواةَ جُرحِنا بحليب التينِ اللَزِجِ ..!
ونحفظُ الألمَ عن ظهرِ قلب..!

وداعاً ، أبا ياسر..!
سنبقى على العهد!
نحفَظُ الوفاءَ لكَ وللقِيَمِ التي حمَلتَها ..
نعِدُكَ أنّا سنُديمُ ذكراكَ بما يليقُ بكَ !





يحيى علوان
16.07.2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش