الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤمن بدل المواطن !

اثير حداد

2017 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المؤمن بدل المواطن !
د. اثير حداد
عادت هذه الاشكاليه، بعد الخريف العربي، لتظهر بقوه للنقاش العلني في اوساط المثقفين من جهة وبين الدين او التدين السياسي، ليس من اجل بذخ فكري بل لانها اشكاليه مصيريه لبلدان هذه المنطقة، بلدان الشرق الاوسط وبالاخص المشرق العربي ومصر. فالى حد ما استثني تونس هنا لانها قطعت شوطا لا باس به لحل هذه الاشكاليه لكنها تحتاج ايضا الى الكثير من العمل الفكري لبناء وطن المواطنه.
وكي اكون واضحا لابد من توضيح فهمي للدين، ايا كان هذا الدين الابراهيمي. يقول يانا ياريه الاكاديمي السويدي ان " الايمان بالرب، ليس هو الايمان بالدين. فالدين هو صندوق العدة اليدوية، هذا الصندوق كبير جدا بحيث يستطيع المتدين استخدامه كله، فياخذ حاجته مما يوجد في الصندوق وان لم يجده فسيلجأ الى الاستعارة من صندوق اخر".
اذن من هذا التقديم س نتناول صندوق العده هذه و مدى كفأته في بناء دوله حديثه اساسها المواطنه و دستورها علماني لا يدعي ان صندوق عدته الايمان بالله بل يترك ذلك خيارا للمواطن في تشكيل صندوقه هو دون تدخل او اجبارمن احد .
منا امير ومنكم امير
العنوان الفرعي اعلاه طالب به الانصار في اجتماع سقيفة بني ساعده، الا ان جواب ابو بكر الصديق للانصار كان " منا الامراء ومنكم الوزراء" . ثم يضيف " ان العرب لن تعرف هذا الامر الا لهذا الحي من قريش،هم اوسط العرب نسبا وداراً".
بهذه المقوله حسم النقاش لصالح الاصل والنسب والعرق واصبح حق الحكم ليس دينيا بل عرقيا وهو نفس المبدا الذي ادعى ابو بكر البغدادي نسبه اليه اي قريش.
من ذلك الوقت وحتى ثورة الخميني كان الدين، الاسلام هنا، في خدمة السياسه. فالدولة الامويه ثم العباسيه كانت قريشيه النسب تضع في عبائتها الدين لانها تعلم انها تحتاج لايديولوجيا من اجل التحشيد وراءها ومن اجل طاعة اولياء الامر . لاول مرة في تاريخ الدول الاسلاميه جاء الحكام من خارج قريش عندما فرض العثمانيون سيطرتهم على كل الدول في المنطقه لانه، اي العثمانييون، استطاعوا ان يخضعوا رجل الدين لسيطرتهم بان لا يفتي بالخروج عن طاعة الخليفة، فتضخم مبدا الانسان المؤمن بدل المواطن عبر تشريع قوانين تعطي الافضلية للمسلم على غير المسلم على اساس انه مؤمن وليس الاجدر او الاخلص او الانفع.
بعد الحرب العالمية الثانيه و استقلال، بالمفهوم السياسي فقط وليس الاجتماعي او الاقتصادي، الدول العربيه صعدت الى قمة السلطه حركات قوميه كما في العراق و سوريا وليبيا واليمن و استمدت ايديولوجيتها من افضل الامم . اما في الخليج فقد نصب على قمة السلطة شيوخ العشائر الاكثر نفوذا وتاريخا والتي جميعها تتفاخر بكونها ذات اصول من قريش . كليها الحركات القوميه وشيوخ العشائر لم يستندا على احقية المواطنه بل احقية عرقيه محمية بحق الاهي عبر فتاوي رجال الدين بان الحاكم خليفة الله على الارض ، واي خروج عن طاعة الخليفة يعني تكفيرالمواطن.
كما مر ذكره سابقا فان الدين الاسلامي كان دائما في خدمة السلطة ولا يقودها هو . فاصبحت ادوات صندوق العده، كما في تقديم يانا ياريه، ادوات لخدمة متطلبات الحاكم "بامر الله" كما تدعي.
في اوربا تحديدا وليس عموم الغرب لان امريكا مرت بمرحلة مختلفة، كانت المسيحية هي التي تقود عبر الفاتيكان وكان الامير او الملك تخضع لراي الكنيسه وليس العكس لغايه الاصلاح البروتستانتي ، الذي انهى سيطرت الكنيسه على السلطة السياسيه والتي اعقبها حركات التنوير ثم الحداثه وما بعد الحداثه والتي ركزت جل قواها الفكريه لاصلاح الدين، وثم ظهور افكار العقد الاجتماعي ثم الديموقراطيه التي اصطدمت في البداية بالموقف من الدين. ولما كان احد ابرز مبادئ الديموقراطيه هو احترام راي والراي الاخر و حرية الراي والمعتقد، فقد اكتشف الانسان انه لصيانة كل هذا يتوجب ان يكون الوطن علماني ، اي يحتفظ بمسافة متساويه بين جميع المواطنين. والجامع الوحيد للواطنين هو القانون الذي يشرع من قبل ممثلي الشعب. و الشعب يختار ممثلية بارادته الحره. مبدا دولة المواطن العلمانية لم يلائم الخليفة في بلدان الشرق الاوسط اطلاقا فهو اما يحكم بفعل عامل تاريخي او الامة الخالدة فكان على رجل الدين ان يخلق له التبرير بان الحاكم هو خليفة الله على الارض فاصبحت المؤسسة الدينيه جهاز الدعم لقمة السلطه . الى ان حدثت اللحظة التاريخيه في صعود الخميني .
لحظة التغير التاريخي
كما جرت الاشارة سابقا بان الاسلام، كدين و فقه، كان تابعا للسلطة السياسيه يفتي بما تشتهي . وكان المذهب الجعفري الاثنا عشري يبعد نفسه عن الخوض في السلطة وتحديد طابعا مؤجلا اياها وحسب المذهب الى ظهور المهدي المنتظر .
اما السنه فان عدد من فقهائهم يضعون الايمان قبل العدل، ويدعون الى عزل الحاكم الكافر بحجة انه الكافر لا يمكن ان يقوم بالحل والعقد. رغم الاختلاف بيّن في تفسيرات الحل والعقد.
لنعد الان الى موضوع موقع الاسلام من السلطة السياسيه وهو موضوع اهتمام هذه المقاله، اما ما يورد احيانا من امثله فهو مجرد لتوضيح الراي وليس هذف المقاله.
لاول مرة في التاريخ يصبح الاسلام قائدا للدولة بعد 1978، اي بعد صعود اية الله الخميني على قمة السلطة بعد ثورة بيضاء لا عنفيه . وبعد ان ابعد الخميني كل معارضيه اما بالتصفية او الاقامة الاجباريه اعلن تاسيس دولة اسلاميه بقيادة ولاية الفقيه. اي تجميد ركن اساسي من اركان الفقه الشيعي فيما يتعلق بالامام المنتظر، واعلن انه وكيل الامام المهدي لحين ظهوره .
دعونا نقرا بتمعن دستور ايران قبل الاستنتاج النهائي.
في مادة اسلوب الحكم من الدستور الايراني " لا تبنى الحكومة ...من وجهة نظر الاسلام على الطبقيه.... بل من خلال التغير الفكري والعقائدي نحو هدفه النهائي هو الحركة نحو الله". وهنا حدد الدستور ان هدف الحكم هو الاخره.
اما فصل ولاية الفقيه التي يطلق عليها الدستور مقدما " العادله " فان الدستور يشير " مجاري الامور بيد العلماء بالله، الامناء على حلاله و حرامه" . الصيغه اللغوية القطعية هنا وضعت كامل الدوله تحت سطوة علماء الدين .
ما هي شروط رئيس الجمهوريه الاسلاميه ؟. المادة 15 بعد المائه التي تختص بهذا الجانب تقول بوضوح كامل ان يكون " مؤمنا ومنفذا بمبادئ جمهورية ايران الاسلامية، و المذهب الرسمي للبلاد". وهنا لا تكتفي الفقره بتمتع رئيس الجمهورية بالايمان بمبادئ الاسلام بل ايضا بالمذهب لايران.
ويحدد الدستور القسم لرئيس الجمهوريه بـ "....ان اكون حاميا للمذهب الرسمي...".
اما مقدمة الدستور الايراني، والذي يعتبر فلسفه اي دستور، فانه يقول " يعبر دستور ايران الاسلامية عن الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الايراني، وذلك على اساس القواعد و المعايير الاسلامية التي تجسد اهداف الامة الاسلامية و امالها الغالية ".
بعد كل ما تقدم لن اضيف شيئا ان قلت ان الدستور الايراني يخلو من تعريف المواطن وتحديد حقوقه و واجباته ، فكل المطلوب هو الايمان بالاسلام و المذهب الجعفري و ولاية الفقيه . اي بناء "دولة " الانسان المؤمن وليس دولة المواطنه.
ان قفز الدين الى قمة السلطة في ايران، لاول مرة في التاريخ، ادخل هذه المنطقة بحالات من الهزات الفكريه والبنيويه و السياسيه و العلاقات بين ابناء الوطن الواحد والاهم من كل هذا وذلك اضعف الانتماء الوطني لصالح الدين والمذهب. واعاد بلدان هذه المنطقة الى ما قبل معاهدة فيستفاليا 1648 التي اسست الدولة القومية في اوربا.
صحيح ان الاخوان المسلمين كانوا قبل ذلك في برامجهم يطرحون بناء الدوله الدينيه لكنهم لم يفلحوا في ذلك. اما بعد الثورة الايرانيه و صعود الخميني فانه قدم الدعم المعنوي والفكري لحكم السودان و لاخوان مصر و حماس ، و منبع لبعض قوى الاسلام السياسي في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دولة المؤمنين ... !
محمدباقر التوبي ( 2017 / 7 / 24 - 09:01 )
ملايين الناس داخل أيران تترك الاسلام ومئات الالاف يتحولون الى المسيحيه .. أكثر من عشرة ملايين أيراني مغترب هجروا الاسلام . عن أي أسلام يقود الدوله تتحدث ياشيخ ... لو تحدثت عن دولة الحرس الثوري الذي يقود الدوله لكان الامر صحيحا قليلا من المصداقيه في الطرح ... !!

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah