الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجر التصوير المصرى الحديث

طلعت رضوان

2017 / 7 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أحسنتْ هيئة الكتاب المصرية عندما أعادتْ طبع كتاب (فجرالتصويرالمصرى الحديث) عام2017، تأليف الفنان والناقد التشكيلى الكبيرعزالدين نجيب، خاصة أنّ هذا الكتاب صدرتْ طبعته الأولى عام1985عن دارالمستقبل العربى، ونفدتْ كل النسخ، نظرًا لاعتماد أغلب نقاد الفن التشكيلى (من جيل الشباب) على هذا الكتاب، الذى اعتبره كثيرون أحد أهم الكتب التى أرّختْ لحركة الفن التشكيلى، مع بداية النهضة المصرية، وكان من بين الذين رأوا أهمية هذا الكتاب الناقد الكبير بدرالدين أبوغازى، حيث كتب فى تقديمه ((إذا كان الكتاب قد مرّ بالمرحلة الوسطى (من الفجر) مرورًا سريعـًـا واكتفى بالإشارة العاجلة إلى بعض أعلام تلك المرحلة، فذلك لأنه أراد التركيزعلى ملامح أساسية فى تلك الحقبة، وأدار بحثه حول استقصاء (ظاهرة الشخصية المصرية) عند جيل الرواد، ثم التيارات الجديدة التى يمثلها جيل التمرد)) وأضاف أنّ الباحث ركزعلى الفترة التى حددها المجلس الأعلى للثقافة فى المسابقة التى أعلن عنها عام1982، بخمسة وأربعين سنة (فقط) ومع هذا فقد عالج الباحث موضوعه ((برؤية ربطتْ بين التحولات الاجتماعية والسياسية وبين التيارات الفنية التى تولــّـدتْ وتشكــّـلتْ فى ظل الحركة الوطنية واليقظة القومية)) (ص6- ط. ق، ص7- ط. ح)
كان المؤلف موفقـًـا عندما بدأ كتابه بمدخل ركــّـز فيه على (صورة مصرالحضارية) فى تلك الفترة الزمنية التى بدأتْ فيها مصر تــُـزيل عن عقلها غبار الإحتلال الاستيطانى من قِـبل شعوب مختلفة الجنسيات، وتوقف بشكل خاص عند الغزو العثمانى على مصر، فكتب ((رحتُ أبحث عن الوعى المفقود لأمة نسيها الزمن أربعة قرون حالكة، فقدتْ فيها هويتها أو كادت، وانقطع فيها إتصالها بحضارتها العريـقة. وليس مصادفة أنْ يظهر أول جيل من الفنانين فى مصر الحديثة مع بزوغ جيــل التنوير، وتصاعد المد الوطنى والإبداعى، فقد كان كل ذلك متوقفــًـا على اكتشاف أمة لذاتها وإمكاناتها))
فى الفصل الأول (ومضات فى الظلام) وتحت عنوان جانبى (أهل الكهف) كتب ((لم تشهد روح مصرالخلاقة فى تاريخها الوسيط تعقيمًا داميًا كالذى شهدته عام1517على يد الغازى العثمانى، حين اقتلع صفوة فنانيها وعلمائها وصناعها المهرة من جذورهم الضاربة فى الإبداع، وشحنهم إلى إسطنبول كغنائم حرب، ليصنعوا لها وجهًا جميلا مستعارًا. ويروى لنا ابن إياس أنّ عددهم بلغ ألفــًـا وثمانمائة. وأنّ مصر بسبب ذ لك بطـُـل منها خمسون صنعة)) وقد ترتّب على الإحتلال العثمانى، وفق شهادة بدرالدين أبوغازى ((تدهور فنون النسيج والتطريز ونقوش النحاس. كما اختفى فن التصويرالجدارى الذى عُرف فى العصر المملوكى))
وعن تأثيرالحملة الفرنسية على مصر كتب نجيب أنّ نابليون جاء معـــــه ((بعض أفذاذ الثقافة الفرنسية، أمثال (مونج) مساعد العالم (لافوازيه) فضلا عن الشعراء والموسيقيين والأثريين وفنانين أمثال (دنيوى) مديرمتحف اللوفر. وركّز المؤلف بعد ذلك على دور محمد على والخديوى إسماعيل فى تحديث الدولة المصرية. وهو الدور الذى أحدث أثره فى ((استقطاب الفنانين الأجانب ومنهم مشاهير الفن الفرنسى، حيث أصبح لهم حى خاص انتشرتْ فيه مراسمهم هو حى (الخرنفش) بالجمالية)) أما اللوحات التى رسمها الفرنسيون فهى ((وثائق تاريخية ومرجع للكــُـتاب الذين إهتموا بوصف الحياة فى مصر فى تلك الحقبة))
وعن هذه الفترة التى شهدتْ انعتاق مصر من عصور الظلمات، نقل المؤلف كلمات محمدعبده ((إنّ الراسم قد رسم. والفائدة محققة لا نزاع فيها. ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة قد مُحى من الأذهان)) ويتوقف المؤلف عند عام1891بصفة خاصة ((فقد شهد هذا العام حدثـيْن بارزيْن : أولهما ميلاد رائديْن من رواد الفن فى مصرالحديثة هما : محمود مختار، ويوسف كامل. والحدث الثانى هو إقامة أول معرض فى مصر أو أول صالون للفن، افتتحه فى دار الأوبرا الخديوى بنفسه))
أما عام1908 فهو عام البداية الحقيقية لولادة الجيل الأول من رواد الفن التشكيلى المصرى، حيث تم افتتاح مدرسة الفنون التى أنشأها الأمير يوسف كمال، بعد أْنْ استجاب لنصيحة صديقه المثّال الفرنسى (جيوم لابلان) وعن قصة إنشاء هذه المدرسة ذكر المؤلف أنّ عددًا كبيرًا من المثقفين المصريين رفضوا فكرة إنشاء مدرسة للفنون، بينما تحمّس لها الأمير يوسف كمال ((ومن المؤكد أنها كانت مفاجأة مذهلة للذين رفضوا الفكرة – بزعم عدم وجود مواهب فنية موروثة فى الشعب المصرى – عندما تقدّم للامتحان بالمدرسة بعد افتتاحها فـى 12/ 5/ 1908 بدرب الجماميز، مائة وسبعون طالبًا فى شهر واحد. وكان الطالب رقم واحد هو محمود مختار. وكان بينهم معظم الكبارالذين شكــّـلوا فيما بعد أعمدة الحركة الفنية))
ويصل إيمان الأمير يوسف كمال برسالة الفن لدرجة تحمل نفقات المدرسـة ((حتى تحوّلتْ إلى مدرسة عليا. ولننظر إلى المبالغ والعقارات التى أوقفها عليها : ففى1909 وقف عشرة آلاف جنيه ذهبًا لبناء المدرسة. وفى عام1911 أوقف عمارة كبيرة بشارع توفيق بالإسكندرية، وأراضى زراعية بسمالوط قيمتها ستين ألف جنيه (وقت أنْ كان الجنيه المصرى أغلى من الإسترلينى) للصرف منها على المدرسة، على ألاّ يزيد عدد الطلبة عن150طالبـًـا وهذا يعنى أنّ الإقبال عليها كان شديدًا) وفى عام1927تغيّرتْ الوقفية واُستبدلتْ للصرف على إيفاد الأول والثانى من خريجى كل قسم إلى فرنسا أو إيطاليا لمدة ثلاث سنوات أو حسب ماتراه الوزارة فى مصلحة الطالب، على أنْ يكون مصريًا. وفى الوقت نفسه أُستبدل الوقف الخاص ببناء المدرسة بعد وفاته إلى24ألف جنيه ذهبًا فى أرضه الخاصة بدرب الجماميز))
فى عام1911يتم تخريج الدفعة الأولى من رواد الفن التشكيلى. وفى العام التالى سافر محمود مختار إلى باريس فى بعثة على نفقة الأمير يوسف كمال. وبعد سنوات قليلة من إقامته فى باريس، فإنّ مختار شدّ انتباه الفنانين فى أوروبا. وعن هذا الفنان الكبير الذى أعاد أمجاد أجدادنا المصريين القدماء، كتب المؤلف ((أصبح البريق الخاطف لنجاح مختار فى أوروبا نداءً مستمرًا لا يقاوم لبقية زملائه بما حملته إليهم الأنباء من حصوله على الميدالية الذهبية فى صالونها الكبيرعن مشروع تمثاله نهضة مصر)) وفى عام1925وافق البرلمان المصرى على اعتماد ميزانية سنوية قيمتها12ألف جنيه لإرسال بعثات إلى الخارج، مما أتاح لوزارة المعارف إيفاد بعثة للفنون الجميلة إلى روما، أُختير لها يوسف كامل وراغب عيّاد ومحمد حسن وأُرسل أحمد صبرى إلى فرنسا))
من بين الروّاد الذين لم يدخلوا مدرسة الفنون، يبرز الفنان محمد ناجى الذى أرسلته أسرته الموسرة إلى فرنسا لدراسة القانون. وبعد أنْ حصل على الليسانس عام1910رفرفتْ فى وجدانه أجنحة الفن. وكانت قضيته أنْ يجعل من استيعابه للفن الأوروبى فى نهاية القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، مدخلا لفهم فن بلاده القومى وقوانينه الجمالية، وصولا إلى تحقيق أسلوب متميز يجمع بين الأصالة والعصرية. ويخترق به العزلة المضروبة على الفنان عن مجتمعه، ليعيد إليه مكانته كما كان فى مصرالقديمة. ((وظلّ يحلم بأنْ يُحقق فنــًـا عصريًا صرحيًا خالدًا ذا شخصية مصرية صميمة. وقد ترجم ناجى تأثره بالفن المصرى القديم فى عدد من الأعمال الفنية، مثل لوحته الشهيرة (النهضة المصرية) ومجموعة لوحاته عن (إيزيس وأوزيريس) التى عرضها فى معرض باريس الدولى عام1937))
وعن تأثر هذا الجيل بالفن المصرى القديم فإنّ الفنان حامد ندا اختارالبحث ((فى لغة الرموزالجنسية المجردة. وفى جماليات لغة تشكيلية جديدة مستلهمًا أشكال الفن المصرى القديم تارة والفنون الزنجية والبدائية تارة أخرى)) وعن الفنان محمود سعيد كتب المؤلف ((... إنّ هذا الهيكل المعبدى المكين الذى صنعه محمود سعيد، كان مدخلا إلى عالم يزخربالسحر ويموج بالرؤى الأسطورية. ويحمل نكهة غريبة متميزة لاتشبه غيرها من رؤى الأقدمين أوالمحدثين. وقد ساعد فى هذه الخصوصية تلك الروح المصرية الصميمة التى استقى منها عناصره التى تُذكّرنا بها فنون النحت والتصوير والعمارة المصرية القديمة))
والفنان عزالدين نجيب لم يكتف فى كتابه عن فجرالتصويرالمصرى الحديث، بتحليل أعمال الفنانين الذين تناولهم، أمثال أحمد صبرى، يوسف كامل، راغب عيّاد، سيف وأدهم وانلى، حامد عبدالله، صلاح طاهر، حسين بيكار، حامد عويس، عبدالهادى الجزار، إنجى أفلاطون إلخ، وإنما تعرّض للظروف الاجتماعية والسياسية التى أبدعوا أعمالهم فى مناخها. وأيضًا لظروفهم الشخصية. وألحق بكتابه عدد78صورة (معظمها بالألوان الطبيعية) للوحات عدد من الفنانين. وكذلك ألحق فى نهاية الكتاب بابـًـا تحت عنوان (التواريخ) وبه تواريخ ميلاد الفنانين وتواريخ بعض الأحداث المهمة المرتبطة بالفن التشكيلى المصرى.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -اليهود مش هينسوهم-..تفاصيل لأول مرة عن قادة حرب أكتوبر


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |