الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس 000 سلطة سياسية أم ورطة لا هوتية؟!!0

عبد الخالق السر

2006 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أميز مميزات الخطاب "اللاهوتي" هو قدرته الفذة على قلب حقائق الواقع الساطعة والاستعاضة عنها بالتجريد والتعميم خصوصا عندما يطرح نفسه كبطل خارق في أزمنة الانكسارات والهزائم الحضارية0 لهذا فهو خطاب رائج في أزمنة التيه والتخلف بما له من قدرة على تجييش العواطف والتنفيس عن الطاقات المكبوتة0 كما أنه باعث على التهويم والاستغراق في الغيبيات وانتظار المعجزات0
إذن لا غرابة أن يتنامى صعودا هذا الخطاب ممثلا في تيار جماعات الإسلام- السياسي وطرحها لنفسها كبديل للأنظمة والكيانات السياسية ذات التوجه اللا ديني والتي فشلت بامتياز في قيادة شعوبها نحو الاستقرار والرفاهية0

يمثل صعود حماس على سدة الحكم الفلسطيني ، بعد ا انتصارها المدوي على منظمة فتح، استمرارا لظاهرة الخطاب اللاهوتي الذي يعد بكل شيء "خطابا" ولا يقدم أي شيء على مستوى الواقع!!، ولنا في تاريخ تيارات الإسلام – السياسي التي تسلمت مقاليد السلطة عبر العالم الإسلامي أدمغ دليل على ما نقول0 وهو يفعل ذلك لأنه غير واقعي ويستمد تقييمه للأمور وفق رؤى افتراضية أكثر مما هي حقائق حياتيه مما يوقعه باستمرار في التناقض والتنازلات المهينة0 حقائق الواقع تعزز من ذلك، فحماس التي انبثقت وجودا كرد عنيف ومعارض على قيام الدولة الفلسطينية بناءاً على اتفاقية أوسلو ، رضخت لقواعد اللعبة السياسية مرغمة ، وذلك عندما قامت إسرائيل بعملية انتياش واسعة لقادتها عبر الصواريخ الموجهة، راح ضحيتها الأب الروحي والمؤسس الشيخ "أحمد ياسين" ومن بعده "الرنتيسي"0 وقتها فقط علمت أن هناك واقعاً وفارق قوة لا يمكن معه مواصلة هذا النوع من النهج0 وشأن كل مواقف الإسلام السياسي البراغماتية، جنحت حماس فورا إلى اللعبة السياسية، مستفيدة من مشروع الهدنة الذي طرحته مصر ، بعد أن وجدت فيه مخرج صدق لأزمتها وحفظ ماء وجهها0 انخرطت ، رغم كل شيء، كتنظيم سياسي دون أن يرمش لها جفن أو حتى تبرر لماذا هي الآن في قلب اللعبة السياسية للدولة الفلسطينية التي رفضتها دوما ولم تعترف بها0

رغم استفادة حماس تماما من الجو الديمقراطي الذي يحكم اللعبة السياسية في فلسطين واستثمارها التام لمناخ الإحباط العام الذي يعيش فيه المواطن الفلسطيني نتاج إخفاق فتح على كافة الأصعدة وتوظيفها للنبرة الهتافية والشعاراتية للخطاب اللاهوتي الأقدر على الأثمار في مثل هذه الظروف، إلا أنها استمرأت العيش بعقلية حركة المقاومة ونهجها، دون أن يصاحب ذلك تغير حقيقي على مستوى المفاهيم السياسية، كان من الممكن أن يكون عوناً لها في مأزقها الحالي0

هذا الواقع قذف الآن بحماس إلى سدة السلطة وبشكل دراماتيكي مثير أدهش حماس قبل الآخرين، وجعل الارتباك سيد الموقف كما هو ظاهر في تصريحات كل الأطراف على كافة الأصعدة داخليا وخارجياً0
السؤال: هل وجود حماس في السلطة مأزق أم انتصار لحركة الإسلام- السياسي، وبالتالي لقضية فلسطين ؟ الجواب هو بلا شك – وعلى الأقل من وجهة نظر كاتب هذه السطور- أن وجودها هو المأزق بعينه لجملة أسباب، منها ما له صلة بإشكالية الخطاب الاسلاموي الذي تتبناه حماس ومنها ما يمت بصلة لتعقيدات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي0

على صعيد إشكالية الخطاب، فحماس امتداد لذات الخطاب الاسلاموي الذي يطرح الدولة الدينية من باب "الإسلام هو الحل"، وبذات الكيفية التعميمية ، التجريدية التي لا تصمد متى ما تم امتحان هذا الشعار على أرض الواقع0 بل أنه كثيرا ما ينقلب تحت ضغط الواقع وتعقيداته إلى برنامج هلامي تلفيقي يتنكر له أصحابه قبل غيرهم كما هو حاصل في سودان اليوم وأفغانستان الأمس0 وذلك من واقع أنه خطاب "00 يعتمد على تحريك عواطف الناس واستثارتهم وحشدهم ضد الفساد والرشوة والتفسخ الذي يميز الطبقات الحاكمة والقوى التي تدعمها 000 والى الشعارات لا إلى العقل والبرامج السياسية، في هذه التعبئة"0
والمفارقة تكمن في أن ذات أهل الخطاب هم الذين ينقلبون عليه ويتبنون الفساد والرشوة والمحسوبية، " كما يلجأون إلى محاولة إسكات أي صوت أو رأي مخالف لهم بالعنف والإلغاء، لأن عناصر هيمنته هي سيادة الصوت الواحد ، وعدم تسرب الشك إلى مؤيديه باحتمال وجود الحقيقة لدى طرف آخر"0 (بين الثقافة والسياسة، عبد الرحمن منيف ص 146)0
،هذا فضلا عن أن قيام حماس كحركة مقاومة يمثل في الأساس رفضاً لأي نوع من أنواع التسوية السياسية المتضمنة اعترافا بإسرائيل كدولة، حسبما أقره اتفاق أوسلو0 وحين تأتي اليوم حماس كتنظيم سياسي وحكومة للدولة التي رفضتها من قبل واعتبرت قيامها إجهاض للنضال الفلسطيني لا بد أن يتم ذلك على حساب ما تسميه بالـ"ثوابت" ، وهي كلمة لها مدلول مراوغ في أدبيات الإسلام- السياسي، فكيف العمل أذن لحل مثل هذا التناقض؟!!0

على الصعيد الخارجي وتحديدا فيما يخص تداعيات القضية الفسلطينية – الإسرائيلية، يبقى مثل هذا الخطاب "الورطة" حجر عثرة في سبيل تفهم حماس لموقفها الراهن كسلطة سياسية- لا كحركة مقاومة- وللآخرين الذين ينتظرون منها أن تنخرط في اللعبة السياسية وفق الأصول المتبعة، وبالشكل الذي يزيل الشكوك والمخاوف المسيطرة على الموقف الآن0

الشاهد إن حماس – وعلى ما يبدو- واقعة تحت تأثيرين متناقضين، نشوة الانتصار ورهبة التجربة التي لا يعززها تاريخ سياسي0 وهذا ما يفسر ارتباك التصريحات: " عدم الاعتراف بإسرائيل، دعوة الأطراف السياسية للمشاركة في حكومة ائتلافية، ثوابت 00الخ"0 فهي تارة تفكر بعقلية المقاومة الواقعة تحت سحر وجاذبية الخطاب اللاهوتي، وتارة أخرى تنتبه لدورها الجديد كلاعب سياسي عليه أن يضع اعتبار لمتطلبات الواقع التي لا يمكن القفز عليها بالرغائب0 ولكن المعضلة في كل ذلك تكمن في طبيعة الخطاب نفسه الذي يعد – على مستوى الأماني- بكل شيء- وعلى مستوى الواقع لا يقدم أي شيء لأنه مكبل لكل من يتبناه!!0 فمثلا، ما الذي يمكن أن يفهمه المرء من تصريحات مسئوليها التي تنادي بالشيء ونقيضه في ذات اللحظة من شاكلة: "كمبدأ لن نعترف بإسرائيل ، ولكننا على استعداد للتفاوض والمساومة!!0" خالد مشعل للبي بي سي"0

إن أول محك ربما سيعصف بمصداقية حماس ويجعلها تحس بفداحة اندفاعها نحو التجربة السياسية، قد بدا للتو من قبل المجتمع الدولي الذي يطالبها الآن بتفكيك جناحها العسكري والذي لا يتفق منطقيا مع وجودها كسلطة سياسية 0ولكن هل حماس قادرة على اتخاذ هذه الخطوة وبسلاسة يستدعيها وضعها الجديد كقوة سياسية؟ بالطبع لا، فحماس شأن كل جماعات الإسلام السياسي لا يترك لها الخطاب اللاهوتي مخرج سوى المناورة أو الالتفاف في حالة الرضوخ للأمر الواقع كما ظل يمثل نظام السودان بامتياز، أو المكابرة والعناد وعدم الاعتراف بالواقع حتى وان أدى الأمر إلى الهلاك كما هو شأن طالبان0
أما " أم الورطات" فهي بلا شك الاعتراف بدولة إسرائيل كغريم سياسي يجب التعامل معه كأمر واقع تستدعيه إشكاليات الواقع السياسي المعقد بين النظامين، ولا ينفع معه استخدام أدبيات حركة المقاومة التي لا ترى فيها سوى عدو يجب إزالته بالكامل0

هذا غيض من فيض المشاكل التي تنتظر السلطة الفلسطينية الجديدة، ليس أقلها بالطبع اعتمادها الكامل على المعونات الدولية، والتي يهم أصحابها بالطبع التعامل مع سلطة سياسية وليس حركة "جهادية"، لا رؤى سياسية لديها ، بقدر ما هو استثمار موفق للضوائق الاقتصادية والقدرة على التنظيم ، إضافة إلى خطاب حماسي ، معنوي يستند بشكل كامل وأساسي على لغة لاهوتية لها قدرة النفاذ والسيطرة على ذهنية المسلم العادي المؤسسة بنيويا على رؤيا دينية ، ولكن لا قيمة لها كعملة في سوق التداول السياسي0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-