الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماء على كرسي الخلافة -26-

علي مقلد

2017 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لم يترك أمراء الحرب في العصور الإسلامية الأولى نقيصة ،إلا ارتكبوها في صراعهم الدامي على السلطة ، فقتلوا وصلبوا ومثلوا بالجثث ، وسبوا النساء واغتصبوا الأبكار ، ونهبوا القرى والمدن بل وهدموا المساجد حتى الكعبة نفسها "قدس الأقداس" ، عند المسلمين لم تسلم من الأذى ، وقد رأينا في مقالات سابقة ، كيف سنّ بني أمية رماحهم وسيوفهم ، على كل من خرج عن طوعهم ، ونافسهم على الخلافة ، فعاثوا قتلا وتشريدا لآل البيت النبوي "وهم ذرية علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي " كذلك فعلوا مع الخوارج ، ومع كل الثورات التي اندلعت ترفض حكمهم وجبروتهم .
لكن في مقال اليوم ، نصل إلى مستوى جديد من الفجر في الخصومة والصراع على كرسي الخلافة ، وهو الصراع الذي اندلع داخل البيت الأموي نفسه ، عندما راح كل أمير يرى نفسه أحق بالخلافة ، من ابن عمه ، فيقوم بقتله أو خلعه ، والاستيلاء على السلطة لنفسه ، ولعل ذلك – مع قوة شوكة بني العباس وانتشار دعوتهم- ما عجل بسقوط دولة بني أمية ، غير أن قتل ذوي القربى ، لم يكن جديدا على "آل أمية" فقد فعلوها من قبل في بداية ملكهم ، لكنها بالطبع تفاقمت في آخر أمرهم ، وعجلت بنهاية مأساوية لدولتهم، فالخليفة الوليد بن عبد الملك ، سبق أن قتل ابن عمومته "عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق" ولذلك قصة نرويها باختصار ، أنه لما مات معاوية بن يزيد والذي يقال أيضا ، أنه قتل من قبل أهله لزهده في السلطة ، نودي بعبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين – كما رأينا في مقالات سابقة في هذه السلسلة - ، ودانت له كل الأمصار عدا بعض المناطق بالشام ، التي بقيت على ولائها للأمويين، إلا أنهم لم يرضوا بخلافة خالد بن يزيد بن معاوية لصغر سنه، وسعى من بني أمية مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق للخلافة ، فاتفقت القبائل الموالية للأمويين بعد مشاورات ، على أن تكون الخلافة لابن الحكم ، ومن بعده لخالد بن يزيد ، ومن بعده لعمرو الأشدق ، لكن قبل أن يتوفي مروان تجاوز خالد والأشدق، وأخذ البيعة لولده عبد الملك ، ومن بعده عبد العزيز بن عبد الحكم ، وهو ما رفضه عمرو بن سعيد، وأعلن الخروج على عبد الملك ، ثم تراجع ، إلا أن الأخير غدر به بعد أن أعطاه الأمان ، وقُتله سنة 70هـ ، كما يشك بعض المؤرخين في أن عمر بن عبد العزيز أيضا ، مات مسموما من قبل "آل أمية " لأنه حرمهم من نفوذهم وأموالهم.
نعود لقصة مقال اليوم ، وهي الصراعات الدموية الداخلية ، التي مُني بها البيت الأموي ، بعد موت هشام بن عبد الملك عاشر خلفاء بني أمية ، وأحد أقوى رجالهم والذي حكم نحو عشرين عاما ، والذي بلغت الإمبراطورية الإسلامية في عهده أقصى اتساعها، فقد بلغت جيوشه أبواب "بواتيه " في فرنسا ، ويعد موته نهاية العصر الذهبي لبني أمية، ثم جاء من بعد هشام ، الوليد الثاني بن يزيد الثاني ، الحاكم الحادي عشر في سلسة خلفاء بني أمية ، وهو لم يقم في السلطة سوى سنة واحدة وشهرين ، فقد ثار عليه أبناء عمومته ، طمعا في الملك، حتى قتلوه في قصره بقرية تسمى البخراء ، قرب "تدمر " بالشام سنة 126 ه‍ ، وكان على رأس القتلة ، محمد بن خالد القسري ، ويرجع السبب في ذلك ، أن الوليد كان قد أمر بالقبض على خالد بن عبد الله القسري وتعذيبه حتى مات ، فكان أن توجه ابنه محمد على رأس الجماعة التي قتلت الوليد ، انتقاما لوالده (خالد القسري) وأخذا بثأره ، ولم يكتفي بقتل الخليفة ، بل قطع رأسه وحملها إلى دمشق ، وعلقها بأحد أعمدة الجامع ، وبذلك انتهى عهد الخليفة الحادي عشر وانزلقت الدولة الأموية نحو الهاوية.
ثم جاء يزيد الثالث بن الوليد ، ليصبح الخليفة الأموي الثاني عشر، بعدما ثار على ابن عمه ، لكنه توفي بعد توليه الخلافة بقليل فلم يدم حكمه أكثر من ستة أشهر ، ولم ينعم بالسلطة التي خطط لها وقتل ابن لعمه لأجلها ، ثم تولى أخيه إبراهيم بن الوليد السلطة ، وصار الخليفة الأموي الثالث عشر ، وهو أيضا لم يدم حكمه طويلا إذ لم يبايعه إلا أهل دمشق، و خالفه ولم يعترف به مروان بن محمد بن مروان بن الحكم " والي إقليم أرمينية وأذربيجان " ، وأقوى وأشجع أمراء بني أمية حينئذ ، وهو أيضا كان طامعا في الخلافة ، ولذلك لم يعترف لإبراهيم بالسلطة ، فقد عده مسئولا هو وأخوه يزيد الثالث عن مقتل الخليفة الحادي عشر ، الوليد الثاني ، وكانت هذه مناورة من مروان ، للقفز على كرسي الخلافة ، وأخذها لنفسه بالطبع ، فقد كان يرى أنه الأصلح لتولى الخلافة ، وتضميد جراح بني أمية النازفة ، ووأد الثورات المنتشرة في ربوع الإمبراطورية الإسلامية ضد الخلافة .
بالفعل جاء إبراهيم بن الوليد للسلطة ، في فترة اضطراب الدولة الأموية ، ولأنه يعرف أنه ومن قبله أخيه ، وصلا إلى السلطة على جسد ابن عمهما ، فقد أمر بقتل اثنين من أبناء الخليفة الوليد الثاني "المقتول" خوفا على حكمه ، ومع ذلك لم يقم في الخلافة سوى سبعين يومًا، وانتهى حكمه بخلعه من ملكه ، عندما حاصر مروان بن محمد دمشق وسيطر على الدولة ، مما دفع الخليفة إبراهيم للتنازل عن الخلافة ، ثم اختفى عن المشهد العام ، ثم ظهر بعد أن أمنه مروان على نفسه وماله ، حتى قُتل مع من قتل من بني أمية ، حين سقطت دولتهم على يد العباسيين، سنة 132 هـ ،وقيل غرق في معركة نهر الزاب.
عندما تسلم مروان محمد الخلافة ،كان يظن أنه قادر على "لم شمل" الأمويين من ناحية ، وإحباط المؤامرات ، على دولتهم من ناحية أخرى ، لكن كان قد "سبق السيف العذل"، فلم يستطع الوقوف في طريق الثورات المشتعلة التي يقودها العباسيين وآل البيت النبوي والخوارج في كل مكان خاصة تلك التي اندلعت من خراسان ، وظل مروان في الخلافة نحو ست سنوات قضاها في الحروب والكر والفر مع جيوش العباسيين ، بداية من معركة "الزاب" والتي وقعت أحداثها على نهر الزاب الكبير ، أحد روافد نهر دجلة شمال العراق، وحتى مقتله بصعيد مصر .
بمقتل مروان بن محمد ، تغرب شمس الخلافة الأموية ، وتسدل الستار على جزء مهم من التاريخ الإسلامي ، والذي شهد معارك وصراعات كثيرة على السلطة ، في المقال القادم نوضح كيف اشتعلت ثورة العباسيين ، وكيف تضخمت في غفلة من بني أمية المتصارعين على السلطة ، حتى استطاعوا القفز على الحكم ، ليبدءوا تاريخا جديدا ، من القتل وسفك الدماء أيضا، من أجل الحفاظ على "كرسي الخلافة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah