الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب -الصليبية الجديدة!

عزيز الحاج

2006 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوَّل الإسلاميون بمدارسهم المتطرفة وتلك الموصوفة بالمعتدلة قضية فلسطين من قضية احتلال واستيطان إلى مسألة صراع ديني بين اليهودية والإسلام. وقد صارت ثقافة كراهية اليهودية متأصلة من مرحلة الكتاتيب والمدارس الابتدائية وإلى الجامعات، مع أن القوى السياسية الفلسطينية والعربية العلمانية كانت قد طرحت القضية طرحا سياسيا بالعمل لانتهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.
اليوم ينتهز الإسلاميون الفرصة لتحويل قضية كاريكاتورات مسيئة لمقام الرسول إلى صراع مع المسيحية والمسيحيين، وذلك بغض نظر مفضوح للحكومات إن لم يكن بتشجيع منها وذلك لصرف النظر عن المآسي الداخلية. وقد أكدت الصحافة الفرنسية أمس واليوم على حقيقة وجود تواطؤ وتوقيت متفق عليهما لإشعال موجة الكراهية العمياء هذه، ولحسابات مختلفة تلتقي مرحليا؛ وبعض الصحف أكدت في مانشيتات أمس واليوم، [ 6 و7 شباط]، على الدورين الإيراني والسوري بوجه خاص، وهذا نفس ما أكد عليه مقالنا أول أمس.
إن العدوان على الكنائس في العراق وقتل المسيحيين هناك، والانتقال للعدوان على كنائس بيروت ومنطقة المسيحيين، وأمس اغتيال راهب كاثوليكي في تركيا بيد متطرف أثيم؛ كل هذه الاعتداءات الشريرة، [والبقية قادمة!]، دليل على خطط الإسلاميين ونواياهم. أما مشاركة شيوخ دين ومثقفين إسلاميين ورابطة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي في ندوات عن "حوار الحضارات"، فلم تكن غير أساليب ملتوية لستر مدى حقد الإسلاميين على المسيحية واليهودية وعلى الحضارة الغربية التي وجدت مركزها في دول الغرب.
وماذا عن دول عربية يجري فيها اضطهاد المسيحيين كنهج مستمر كالسودان ومصر واليوم في العراق؟؟ أين التدابير الحكومية لوقف الحملات وممارسات الاغتصاب الجماعية للمسيحيات القبطيات والجنوبيات السودانيات؟ هذه الحكومات تشترك في تأجيج غوغائية الشارع العربي ومسايرة المتطرفين لأسباب سياسية كما مر في مقالنا المنشور أول أمس [ 5 شباط 2006]. ومن الصدف أنه في اليوم الثاني لنشر مقالي هذا خرج عدد من الصحف الغربية ومنها لوموند وليبراسيون الفرنسيتان اليساريتان بتعليقات موسعة تحت عناوين "مزايدات الحكومات العربية وحكومة إيران"، أي استغلال الحدث العابر استغلالا سياسيا كما كتبنا في مقالنا الأخير. وقد فاتني ذكر أن الحقد المركز على الدانيمارك ناجم أيضا عن مشاركة قواتها في أفغانستان ودعم حرب تحرير العراق التي لولاها لما كان أقطاب التنظيمات الدينية الحاكمة في العراق، والمسيّرة للمظاهرات وثم إلغاء حكومتهم لعقود مع الدانيمارك، قد وصلت بغداد ناهيكم عن تسلم السلطة فيها بعد سقوط صدام!
إن "المعتدل" شيخ الأزهر والمتطرف القرضاوي فقيه العنف، وفقهاء الشيعة مندفعون جميعا في هذه الموجة من السعار الجماعي؛ البعض لمزيد من التسلط على الشارع، والآخرون لخدمة الأغراض الحكومية كما في مصر وإيران. ترى هل من الصدف أن ينزل للشارع شيخ الأزهر والوزراء منددين صاخبين بعد أيام من كارثة العبارة الغارقة والمأساة الكبرى بسببها وحيث لا تزال الجثث طافية على الأمواج؟ كارثة تدل، كما كتب أحمد الربعي عن الاستهتار التام بالأرواح وممتلكات الدولة وعن لامبالاة تامة بمصالح البلد والناس. يريدون تصريف الغضب الشعبي بسبب الكارثة عن طريق مظاهرات التأجيج بدل التهدئة وطرح قضية الإساءة في سياقها المطلوب. والمضحك أن تطلب الحكومة المصرية من الدانيمارك "ضبط " وسائل إعلامها، أي فرض الرقابة عليها. مصر تزايد على الدول الغربية في القيم الحضارية وهي التي حولت الرئاسة لشبه ملكية بانتظار تحولها لملكية شاملة!
إن المسايرات الحكومية للموجة الغوغائية وما يرافقها من عدوان على المسيحيين قد تخدم هذه الحكومات على مدى قريب جدا ولكنها ستكون عامل تسريع لسقوطها ولصعود القوى والأحزاب الدينية للسلطة كما في العراق وإيران والسودان.
لن يخسر في نهاية المطاف غير المسلمين وسمعتهم المتردية أصلا، ولا يمكن أن يحل الشتم والزعيق والحرق والقتل محل حضارة العصر. كما لن ينجح الإسلاميون في الغرب للقضاء على مبدأ العلمانية في دول الغرب وما يفرزه من قيم التسامح وحرية الدين وحرية التعبير والضمير والمساواة أمام القانون.
لقد قال غامبيتا لأحد دعاة العلمانية الفرنسية في 1872 ما يلي:
" لا تقولوا إذن أننا ضد الدين.. كلا بل نريده مضمونا وحرا ومصانا." وخير دليل على ذلك الحرية الواسعة في الغرب لجميع الأديان وحرية الممارسات الدينية؛ بل نقول إن مسلمي الغرب صاروا في العقدين الأخيرين خاصة يتمتعون بنوع من "الدلال" إن صح التعبير. فقد تبين أن عددا كبيرا من النواب الفرنسيين تجاوزا بطرق مختلفة قانون العلمانية الذي يمنع دفع مساعدات لأية مؤسسة دينية. إن هؤلاء النواب تحايلوا على القانون لكسب رضى الجاليات المسلمة فيدفعون من المال العام لبناء عدد أكثر وأكثر من الجوامع وأماكن العبادة الإسلامية.
لقد مر في مقالي الأخير ذكر الداعية الإسلامي السيد طارق رمضان حفيد حسن البنا. ومن الصدف أيضا أنه في اليوم التالي لمقالي ظهر له في صحف أمريكية وفي صحيفة الشرق الأوسط حوار عن موضوع الكاريكاتورات.
لقد قلنا إن السيد رمضان بارع جدا في عرض طروحاته الإسلامية بصيغ عصرية تستر حقيقة ما يريد. إن حواره هذا يتضمن أفكار ودعوات جيدة وينتقد "رد الفعل العاطفي لغالبية الدول المسلمة" ويدعو للتهدئة. هذا جيد جدا، ولكن! في المقال نفسه يؤكد أنه "لابد من التمسك بالتعاليم الإسلامية" في الغرب مع تجنب الاستفزاز. معنى ذلك أن على الغربي المسلم التمسك بقيم وأحكام حكم الشريعة التي تناقض العلمانية ومبادئ حقوق الإنسان، وهذه دعوة قديمة للكاتب الذي يصف نفسه ويصفونه بالمفكر الإسلامي. والنقطة الأخرى في مجمل حواره قوله:
" لا يوجد حد قانوني لحرية التعبير، ولكن توجد حدود مدنية. في أي مجتمع يوجد تفاهم مدني بضرورة استخدام حرية التعبير بطريقة حكيمة لا تثير الحساسيات، ولاسيما في المجتمعات متعددة الثقافات.."
هذا المقطع يوحي وكأنما حرية التعبير في الغرب مطلقة وليست لها حدود قانونية، والحال أنها حرية مقيدة بقوانين، ومنها تحريم القذف الشخصي والإساءة للمعتقدات والأعراق والألوان؛ ففي المجتمعات الغربية حدود قانونية ومدنية معا. إن ربط هذه الفقرة بالفقرة السابقة لا يمكن إلا أن يعني أن السيد الداعية يقول لنا بمواربة ما لا يريد قوله صراحة، وهو وجوب تعديل قوانين العلمانية لتتكيف مع "التعاليم الإسلامية." ونذكّر القارئ بالمناسبة بمقالين تحليليين مهمين للأستاذ عادل جندي عن طارق رمضان نشرا قبل أشهر قلائل.
إن حقد الإسلاميين والساسة المستبدين الفاسدين على العلمانية الغربية مرده كونها تدعو للفكر النقدي والحرية التامة، لخدمة الفرد والمجموع والتقدم البشري. يكتب مؤلف فرنسي ما يلي:
"تستهدف العلمانية أن تنمي في إطار التكوين الدائم للإنسان، فكريا وأخلاقيا ومدنيا، روح النقد، والشعور بالتضامن والإخاء، والشعور بالمواطنة على قدم المساواة أمام القانون والدستور، وبصرف النظر عن العرق والجنس والدين."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل