الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرّاء السوشيال ميديا

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2017 / 8 / 4
المجتمع المدني


قراء السوشيال ميديا
لم يكن أمام القارئ في السابق مساحات مفتوحة للقراءة، فتجده يقبل على تصفح الجريدة أو الكتاب بلهفة وشوق وأحساس بالمتعة كونه قد حصل تحت يديه على مبتغاه يقلببه كما ومتى وأينما يشاء.
من متع قراءة القصة على الورق تحكي لي أحد قارئات كتب السبعينات أنها قد أدمنت القراءة لأجاثا كريستي، لكنها ما أن تخوض المغامرة وتدخل في غياهب اللغز حتى تذهب للصفحات الأخيرة تبحث عن أجابة له، وتقول بأنها في أحيان كثيرة لا تجده في تلك الصفحات فتستمر تخوض المحاولات ثم تسأل من قرأ القصة من المعارف قبلها علها تعرف النهاية، فيكلفها ذلك جهداً ووقتاً أكبر مما لو أنها قد أسترسلت بقراءة القصة بتعاقب صفحاتها، وبكل الأحوال ـ تقول ـ بأنها تتمتع بذلك البحث الذي تخطط له حتى قبل أن تبدأ قراءة القصة.
كثيراً منا يكتب أشعاراً وقصصاً ومقالات على صفحات الشبكة الأجتماعية ويذيلها بأسمه ويكتفي، أي لا يفكر بتدوين أو طباعة ما يكتب حيث يجد بأن ما يكتبه يصل أسرع وأسهل للقارئ، لكنه على خطأ لأن للمطبوع على الورق طعماً خاصاً حين نتصفحه، وهو صديق مطيع في السفر وبالطريق وعند الخلود للنوم وفي حديقة عامة أو على البحر دون الحاجة لمصدر طاقة ولا لشبكة أنترنيت ولا لأجهزة يغلب عليها الدلال وهي تتحسس كل شاردة وواردة وتمتنع عن محاكاة الجميع بنفس العطاء، لأنها كريمة وسخية لمن يقدر على تقليبها وأخضاعها له وبخيلة شحيحة العطاء لمن يجهل التعامل معها بمرونة وتمكن. هكذا اذاً يبقى لصديقنا الكتاب رأياً آخراً بأن يكون وفياً على مر الأزمان كريماً صفحاته معطاء.
من مساوئ (السوشيال ميديا) أي الشبكة الأجتماعية أننا وفي كل يوم نكون أمام كم هائل من المعلومات والتعليقات ومن الواجب ومن الذوق والأصول الأستجابة والرد على من يكتب لنا، فهذا يهنأنا بمناسبات ربما لا تخطر على بالنا وذاك يأخذ بخاطرنا على محن الحياة بما يكتبه القدر لنا، بأختصار علينا التواصل بأفراحنا وأتراحنا، وهذا بحد ذاته يتطلب من وقتنا الكثير، فتجدنا نتبادل الكتابات، الجاد منها والمزاح، بجمل سريعة مقتضبة مكتوبة بأسلوب ركيك وأخطاء أملائية ونحوية وكلمات تغلب عليها لغة الشارع التي ما كنا نألفها مطبوعة يوماً على الورق.
اليوم... القليل فقط من القراء على المواقع الألكترونية يدخل بصلب الموضوع المكتوب ويتناقش بجدية حوله، بينما الأغلبية يطالبون بأختصار الكتابات وحذف كل ما يجدوه ويعتبروه حشواً، آخرون يريدون تبادل العبارات في سبيل المجاملة وتجدهم أحياناً يريدون رد فعل سريع وإلا يغضبون ويعاقبوننا بالمقاطعة المؤقتة أو حتى الدائمية. من يوجه أنتقاداً أو تنبيه من طول الموضوع حين لا يسمح وقته بقراءته كله، ربما هو على حق أمام الزخم الهائل من المعلومات أمامه والتي تتجدد كل يوم وكل ساعة ودقيقة، لكن هذا الأسهاب الذي ينتقده أحدهم يجده من يسمح وقته أكثر، مفيد ومسلي ويقول أن بضعة أسطر لا يمكنها أن تحمل معلومات يحتاج إليها قارئ شغوف ذو ثقافة عالية متطلع للمعرفة. الشيء الملاحظ أنه لا يتفق أثنان على نفس الأنتقاد الذي يدور حول طول وعرض الموضوع وليس عن مستواى المادة التي يحتويها.
المسألة أننا اليوم لا نمتلك الوقت كي نعطي كل موضوع حقه، غالبية من يدخل على الأنترنيت لا هم لديه سوى أن ينتهي من جرد الأيميلات الواردة إليه وتصفح الفيس بوك بأسرع وقت كي يشعر بتحرره بقية وقت جلوسه أمام الحاسوب. دخل هذا (الواجب) ضمن مشاريرنا اليومية فصارت ليست نفسها قبل عشر سنين، تجدنا اليوم نسرع الخطا كي ننجز أجابات رسائل الأقرباء والأصدقاء وهي مهمة أصبحت واجبة علينا في (التخلص) من ثقل كاهلها كي (نتحرر) ونبحث عما نود، بينما كنا في السابق ننتظر الرسالة الخطية ونتلقى المكالمة على الهاتف الأرضي بسعادة ولهفة وشوق ونجيبها بطيب خاطر. كان حين يتبادل المحب رسالة غرامية يشم رائحة حبيبته فيها فيقوم بالأحتفاظ بها، لم يعد ذلك بوجود الهاتف النقال الذي يصاحبنا في مأكلنا وعند منامنا، فيفتح الحبيب رسالة حبيبته اليوم ويجيبها برموز وجمل جاهزة وصور على عجل وهو ربما في دورة المياه.
في السابق كان المناضلون يخفون كتاباً ثميناً غالباً ما يكون عزيز عليهم وقد حصلوا عليه بشق الأنفس، والدافع أنهم يخشون على أنفسهم خوفاً من أن تلاحقهم السلطات، حتى أنهم حين يقرأوه يختارون الزمان والمكان المناسبين اللذين ربما لا يتوفران بسهولة، حتى عملية التخلص منه أيام الملاحقات التعسفية للأنظمة السابقة بتكميم الأفواه والعيون كانت تنتهي به بمحرقة يُبذل الجهد من أجلها وتغرورق العيون عليها، بينما يمكننا اليوم أن نفتح ما نريده بلمح البصر ونقلبه ونمسحه خلال ثوانٍ، تكنولوجيا سرعة وسهولة تصفح الأنترنيت جعلت حاجتنا للكتاب تقل وأحياناً تنتفي.
بأختصار... في السابق لم يكن قراءة رسالة أو قصة وقصيدة لصديق كما هو اليوم واجباً وهماً علينا الأنتهاء منه من على الشاشة، ولم تكن يوماً اللغة الدارجة التي تمتعض منها النفس تكتب على الورق.
هنيئاً للورق سجله النظيف ولغته البليغة وقيمته العالية لدى قراء شغوفين به، وبأساً لكتابات وجمل نصف كلمات بلغة عامية يتم تبادلها على المواقع الألكترونية يمكن محوها بضغطة زر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة