الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الذي أساء إلى الإسلام غير المسلمين ؟

حسني أبو المعالي

2006 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتناسل تداعيات الحملة على الغرب على ضوء الرسوم التي أساءت فيها إحدى الصحف الدانماركية للرسول الكريم –ص- فمن تنديد هنا ومظاهرات هناك إلى حرق بعض السفارات الأوروبية في دمشق وبيروت، أخذت الأحداث تسير باتجاه حرب الشرق والغرب، وكما يقال بصدام الحضارات أو صراع الأديان بين الإسلام والمسيحية، وفي واقع الأمر أعتقد بأن الشتيمة أو الإساءة من هذا النوع لم تكن تضر في هذه الحالة إلا بالصحيفة ولا تدين إلا أصحابها لو تم تجاهلها وإهمالها عملا بما ورد في المثل العربي :- منطوق الإنسان يشبهه – أوكما قال الشاعر العربي :- وكل إناء بالذي فيه ينضح
علما بأن الصحيفة المعنية هي من الصحف الهامشية في البلد لا تختلف عما نسميها بصحف الرصيف الصفراء، ولا تمثل لسان حال الدولة الدانماركية. وكأني بها راهنت على هذا الأسلوب الرخيص من أجل أن تنتزع الشهرة على حساب المسلمين والعرب المعروف عنهم باعتبارهم شعوب ردود الأفعال فربحت الرهان. والشتيمة نوعان:- مباشرة وغير مباشرة وما وردته الصحيفة الدانماركية التي حاولت من خلال تلك الرسوم الإساءة إلى شخص الرسول-ص- هو من الشتائم المباشرة التي تكشف دائما عن ضعف أصحابها وجهلهم، ولو لم تكن شخصية الرسول لها مقامها التاريخي والإنساني عالميا لما استهدفها ضعاف النفوس، فالشجرة المثمرة معرضة دائما للرمي بالحجر، أما الإساءة أو الشتيمة غير المباشرة فقد مارسها المسلمون أنفسهم على الاسلام، وكان من المفترض أن يبتعد المسلمون والعرب عن ذلك التصعيد الذي شهدناه عبر ممارسات الشغب نتيجة الغضب من جراء التصرف المشين للجريدة الدانماركية، الشئ الذي قد ينعكس سلبا على الإسلام والمسلمين، وكان حريا بالأقلام العربية والمسلمة الرد على الصحيفة نفسها بأسلوب حضاري واع بجموعة من المقالات النقدية تفند مزاعم الصحيفة وتلقي الضوء على مزايا شخصية الرسول ورسالته الكريمة التي جاء بها من أجل خير البشرية -" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"- ، ويكفي أن تأخذ الجالية المسلمة في الدانمارك مسؤولية مقاضاة الجريدة رسميا بالطرق القانونية بعيدا عن تلك الضجة، وعوض أن نمارس رد الفعل العشوائي عن خبر كهذا كان لابد أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت صحيفة أوروبية لأن تسيئ إلى رمزنا الاسلامي العظيم بالطريقة اللااخلاقية، فالعالم الغربي يرى صورة الرسول من خلال ما نرسمه نحن عبر سياساتنا التعسفية على شعوبنا، وتعاملنا غير الصادق تجاه إخواننا، ومن خلال سلوكنا الغريب مع بعضنا البعض في الحسد والنميمة، لقد تفشت بيننا نزعة المصالح الشخصية على حساب القيم والمبادئ بعيدا عن مصلحة الأمة، إنها أفعالنا وممارساتنا السلبية تجاه من يختلف معنا في الرأي حتى من أهلنا، نمارس الغش والخداع بدل الود والمحبة، فنحن أول من أساء الى الرسول – ولكن بشكل غير مباشر وذلك من خلال خلافاتنا مع بعضنا، أسأنا الى الإسلام عندما توزعنا شيعا وفرقا وجماعات على أساس طائفي، وتقاتلنا ضد بعضنا على أساس تلك الهوية الطائفية، وشتمنا الإسلام عندما حكمنا بغير العدل وازداد الفقراء لدينا فقرا والأغنياء ازدادوا تجبرا وفاحشة، أسأنا إلى الإسلام عندما هجرنا احترام الرأي الآخر ومارسنا الاستبداد والقهر بعيدا عن ثوابت الأخلاق والتعامل بمبدأ التسامح والتكافل والتضامن، اعتدينا على الرسول –ص- عندما اتخذنا من مالك بن أنس وأبي حنيفة وجعفر الصادق وزيد ابن علي وغيرهم قدوة لنا بشكل مبالغ فيه وتطرفنا لهم على حساب مقام الرسول بل وتناسيناه في كثير من الأحيان. فلنحاسب أنفسنا أولا قبل أن نحاسب الدانمارك والغرب، لاننا أول المسيئين الى الرسول والاسلام معا، فقد اصبحنا اعداء انفسنا عندما نشرنا غسيل خلافاتنا علنا على الملأ، يقول أحد الامثال الشعبية:" أخوك في الحرفة عدوك"، وهذه هي حقيقتنا فلم نجد شاعرا عربيا لم يتكلم بالسوء تجاه شاعر آخر، ولم نجد فنانا تشكيليا ، أو مسرحيا أوموسيقيا لم ينعت زميله بأتفه النعوت ولم نجد سياسيا عربيا لم يقف بالمرصاد ضد معارضيه ولم يمارس معهم القمع والتنكيل حتى القتل، فهل هذا ما جاء به الإسلام ؟ أستحضر هنا مقولة على لسان- كات استيفنس- المسيحي الذي أسلم على هدي القرآن حين قال : "الحمد لله الذي عرفني على الإسلام قبل المسلمين"، وقبله الشيخ العلامة والمفكر الإسلامي محمد عبده حيث قال: "وجدت مبادئ الإسلام مع غير المسلمين ولم أجدها مع المسلمين". ولهذا لا يصح أن نحاسب دولا بجريرة أفراد عنصريين من الغرب لم يتعرفوا على جوهر الاسلام، فليس كل من هو غربي هو بالضرورة عنصري، وليس كل من هو مسلم يكون إنسانا صالحا، أتساءل هنا من احتضن ملايين المسلمين المضطهدين من قبل حكوماتهم المستبدة غير الغرب، ومن الذي أسكنهم وآواهم مع أطفالهم ونسائهم ودفع لهم ولذويهم المعونات الإجتماعية في أيام الشدة غير الغرب، ومن جهة أخرى أقول: من الذي أساء إلى الرسول وإلى الإسلام غير أهله وملته وحتى الذين اختيروا كخلفاء على المسلمين باسم الإسلام لم يسلم الدين من شتيمتهم، وليس خافيا على أحد ما ينسب إلى الوليد بن عبد الملك عندما مزق المصحف الشريف حيث قال مخاطبا إياه:
تهددني بجبار عنيد
فها أناذا بجبار عنيد ..
وإذ لاقاك ربك يوم حشر
فقل يارب مزقني الوليد
فكيف سيرسم الغرب صورة جميلة عنا في ظل تأريخنا الدامي وحاضرنا الاستبدادي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran