الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في رواية ذئب الله لجهاد أبو حشيش.
حمزة رستناوي
2017 / 8 / 5مواضيع وابحاث سياسية
(1)
يبدو عنوان الرواية ( ذئب الله ) مُلفتا ، يقتحم عتبات المقدس ، و للذين يعترضون على هذه الصيغ الكتابية ، لابأس هنا من التذكير بروايات منسوبة للنبي محمد يذكرها البيهقي منها على سبيل المثال " كَانَ لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ ... "، بينما يذكر الطبري رواية أخرى تتضمن إشارة صريحة إلى كلب الله ، " قال عتبة بن أبي لهب : كفرتُ برب النجم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أما تخاف أن يأكلك كلب الله " ومشهور كذلك قصة ناقة صالح ، التي جاءت تسميتها في القرآن الكريم بناقة الله " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا.. " سورة الشمس، الآية 13. أما في الكتاب المقدس ، فقد شبه الكتاب رؤساء بني إسرائيل بالذئاب الخاطفة إشارة إلى ظلمهم (حز 22: 27)، وكذلك شبّه المُعلمين الكذبة بالذئاب (مت 7: 15 واع 20: 29) وكذلك أعداء شعب الله (مت 10: 16).
(2)
رواية ( ذئب الله ) تبحث في أصل الشر ..عندما يتجسد الانسان ذئبا يفترس مخلوقات الله ..في أرض الله ! البحث عن الاصل هنا لا يأخذ منحى التضمينات الفلسفية او تأملات فكرية.. ولكن البحث هنا يأخذ شكل سيرة دراميّة تتقصّى أصل الشرّ في مثال متعيّن هو شخصيّة ( عواد الباز ) حيث تتجسّد في عالم منحاز لصالح الاله الشرير ضد ما تبقى من آلهة الخير في العالم، عالم نجده حاضرا في مصالح شركات الأسلحة الكبرى حول العالم و إشعال الصراعات و الحروب و توظيف التطرف الديني و الارهاب ، بالإضافة إلى مصالح اجتماعية قاصرة تظهر في الفاقة و الفقر و ضحايا الثأر القبلي واستخدام النساء لتسوية النزاعات القبلية (عصرية ص29- الذَّلول ص 35) بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي للأطفال ( الطفلة منال ص 93) .. ونحوها
(3)
سيرة روائية تستخدم تقنية تسلم عُهدة الشخصية الروائية الى بطولة أخرى، كل ذلك عبر تداعي و استدعاء سلس...شخصيات تسرد قصتها و معاناتها بلسان حالها.. دونما تحكم من الراوي الكاتب.. الرواية تعجّ بالدراما و بالأبطال و الشخصيات النسائية الغير اعتيادية ، منها ما يجسّد شخصية إيجابية شهمة ( سارا العمار ص 91) و منها ما يجسّد شخصية شهوانية عانت الحرمان و الإذلال ، فأصبح المال تعويضها و مُسكّن عذاباتها ( منال العاسر – ص117)
(4)
في الرواية يحضر مفهوم الحياة بمعنى الثأرية ..أن يولد انسان لعلّة الثأر من قاتلي أبيه ( الله أخذ، الله جاب، عواد بدل عواد- هذا سداد ابني، دم بدم، و لا تعتقد أن دم أهلها كله يغني عن دم ابني – ص34) كذلك في أن تتزوج امرأة او تعاشرها فقط لإذلالها فتصبح ( الذلول ) بأل التعريف في عرف المجتمع.
(5)
تكشف الرواية وتعري علاقات السلطة والتسلط ، ليس التسلط بمفهومه السياسي ، فهذا لم تقاربه الرواية لذاته ولكن التسلط الاجتماعي ، الهيمنة و الاذلال والامتهان واستغلال الحاجة للقمة العيش.. و يبدو ذلك مركزا اوضح ما يكون في حياة السجن ( شاب في نهاية العشرينات قمحي البشرة في وجهه جرح غائر ، قيل أنه قتل ثلاث فتيات صغيرات بعد أن اغتصبهن ، و هو الآن ينام في فراش الساهي و يحكي السجناء عنها كزوج و زوجه- ص54) .. في السجن تفقد كل شيء إلا الذل، إنه الشيء الوحيد الذي يذكرك بأنفاسك فلست أكثر من " عهدة" مجرد " عهدة" تتحرك بأمر و تصحو بأمر ، حتى أنهم لا يسمحون لك بالموت ، هنا المال وحدة يتكلم و يفسح لك الطريق – ص 125) بالإضافة إلى تفاصيل حياة شخصية عواد الباز ( ذئب الله) ، كما يظهر الجنس جليا في الرواية ..ليس بصفته مظهرا للحب ..و لكن كغريزة وحشية .. يفترس فيها الرجل الشرقي الأنثى ، بحيث يؤدي دورا مهما في هرمية السلطة و علاقات الاذلال و التسلط ، و بما يتضمن أشكالا مازوخية و سادية ..فالعلاقة الجنسية في المجتمعات الشرقية هي انعكاس لامتلاك القوة و القدرة على استباحة الضحية أو الاستمتاع بالمحظيّة، فعواد الباز الذي اعتاد على ممارسة الجنس من موقع المُفترس مع النساء العربيات ، يظهر عقب وساطته في صفقة السلاح ، مع الفتاة اليهودية سالبا ( ثم أنشبت أظافرها في كتفيه، أحس بالخدر يسري و بالنشوة تجري في عرقه، و قبل أن يرتعش أحس بأصبعها يخترق مؤخرته، فجفل ثم استكان و هو يشهق بصوت عال- ص 159)
(6)
ترصد الرواية خديعة ما يسمى بالقضايا الكبرى السياسية أمام القضايا الاجتماعية و الازمات الوجودية التي تعيشها شخصيات الرواية ضمن افرازات القضايا الكبرى! حيث يتم تلقين الفتى عواد المُلتحق بمعسكر الفدائيين الاجابات (- لماذا تريد أن تنضم إلى صفوف الفدائيين؟ - لأقاتل اليهود. قالها بسرعة وهو يبتلع ريقه ، تخوف أن ينسى ، فقد ظل سيف يرددها له طوال الطريق – ص25) في الرواية تظهر غريزة امتلاك السلطة في اقصى درجاتها و في اشكال صراعية مختلفة اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا.. وكأنها - أي السلطة - هي الهيولي تتشكل في اشكال فدائية ، برجوازية ، اسلاموية ، مافيوية ، عقائدية أيديولوجية ، حيث يرد على لسان تاليا ( إن البشر الذين اخترعوا الخرافات كانوا يتوقون إلى السلطة و لا شيء سواها ، الكلمات المنمقة و الأفكار العظيمة التي تتحدث عن البطولة و التضحية ليست إلا اكسسوارات خادعة لتجميل فكرة التسلط – ص11 )
(7)
تعري و ترصد الرواية الصلات المشبوهة و الدور الأداتي الذي تلعبه السلفية الجهادية ...والانتكاس المجتمعي باتجاه الأسلمة في العقدين الأخيرين ( هل أصبح أبو بكر من هؤلاء؟ كيف؟ ألم يكن ماركسيا، لا، لا، لم أعد أفهم شيئا – ص132. كذلك عواد الباز المتهتك سابقا المتأسلم حديثا أصبح يخاطب زوجته: على الأقل حين تخرجين البسي ملابس محتشمة و فاضلة، و هذا يرضي الله، و إن رضي الله عنك، فسأرضى و هذا يعنى الكثير من الخير و الهدايا- ص150)
(8)
تظهر الشخصية اليهودية الوحيدة في الرواية (تاليا ) بشكل نمطي متوافق مع صورة اليهودية في الرواية و الخطاب العربي بشكل عام ، كجميلة، ماكرة ، شبقة ، برغماتية ، تحوك أو جزء من نسيج مؤامرة ما.. تُحاك من وراء الكواليس.
(9)
بالوقوف عند رمزية خصاء ابن عواد الباز ( ذئب الله ) في التفجير الارهابي، قد نجده بصيص أمل في أن ذئب الله... الأب الداشر الشرير في برية عباده... لن يُخلِّف ولدا يدشر مرة أخرى ، أو نجده في الاحالة الى فرضية الانتقام الالهي أو مقولة " كما تُدين تُدان ".
_
ذئب الله – رواية- جهاد أبو حشيش- دار فضاءات – عمان 2017
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رابطة الأندية الأوروبية والاتحاد الأوروبي يمددان شراكتهما حت
.. ما تداعيات فشل إسرائيل في اغتيال المسؤول البازر بحزب الله وف
.. تشييع جنازة إسرائيليين قتلا إثر سقوط صاروخ في كريات شمونة
.. إسرائيل تعلن اعتراض طائرة مسيرة في محيط عسقلان بعد أن اخترقت
.. بوتين يصل تركمانستان للقاء بزشكيان لأول مرة وجهاً لوجه