الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كارل ماركس والاغتراب
حيدر لازم الكناني
2017 / 8 / 5الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كارل ماركس والاغتراب
يشدد علماء النفس والاجتماع على تأثير النظام الاقتصادي في الشخصية ، واتخذ هذا النوع من المقاربة شكلا منهجيا بعمل الفيلسوف الاجتماعي الألماني كارل ماركس Karl Marx حيث أستنج ماركس أن الكثير من المؤسسات الاجتماعية(بما فيها الدين) عملت بصورة أساسية على أبقاء القدرة الاقتصادية في النخبة ، وأدت أفكاره إلى بروز اشتراكية شيوعية ، فالاشتراكيون يؤمنون بمجتمع يتم بناؤه بحيث يعمل الناس مباشرة لفائدة المجتمع أكثر منها لأنفسهم ، ويؤمن الشيوعيون باستخدام الثورات من قبل الطبقة الكادحة للتخلص من الملكية الخاصة لأنها تشجع على خلق مجتمع أناني وغير أنساني .
فما مدى صلة الفكر الماركيسي بالشخصية ؟ وبالتحديد بما يسمى الشخصية الثقافية ، فقد أكد ماركس انه يمكن تعقب اثر صفات نفسية كالاغتراب والأنانية بشكل مباشر في أبنية المجتمع الاقتصادي الرأسمالي ، وهكذا يتم فهم التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية في بناء الشخصية.
ولكن الثورات الاشتراكية والشيوعية لم تثبت تنبؤات ماركس فإلغاء الملكية الخاصة وفرض المساواة الاقتصادية بالقوة لم يؤدي إلى فردوس الانجاز النفسي للمجتمع . الطبقة الاجتماعية الاقتصادية وعوامل البناء الاجتماعي المرتبطة هي مفاهيم أساسية في فهم السلوك الإنساني في الكثير من التحاليل الحديثة في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والعلوم السياسية (Kohn,1999) فعلى سبيل المثال يمكن اقتفاء اثر الاغتراب النفسي في ما يعانيه المجتمع الأمريكي الرأسمالي من اغتراب حيث أن الأمريكيين يشاركون في منظمات اجتماعية اقل وهم اقل ميلا إلى معرفة جيرانهم وحتى اقل مشاركة اجتماعية مع أصدقائهم (Putnam) ، فالمسألة ليست أن يقرر كل شخص مستقلا ومنعزلا إلى أقامة علاقات اجتماعية عن طريق الحواسيب والعالم الافتراضي على العكس فهذا انهيار للبناء الاجتماعي .
فقد كان كارل ماركس يعتقد أن الصفات الفردية كالاغتراب يمكن تعقبه أثره مباشرتاً من خلال البناء الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي أكثر منه في البيولوجيا أو التاريخ الفريد للفرد .
في علم النفس الشخصية كان التأثير الأكبر لماركس في أراء أرك فروم كونه سلط الضوء في نظريته في الشخصية على الاغتراب الوجودي في المجتمع الحديث وفروم كـ ماركس كافح لتحديد ما الطبيعة الأساسية للكائن البشري وما نوع الثقافة الأفضل التي تعزز الانجاز الإنساني ، وكان يعتقد بان المجتمعات الرأسمالية تخلق بطبيعتها ثقافة الاستهلاك فهي تجعل الناس يشتهون ويستهلكون باستمرار منتجات حديثة أكثر وفاخرة أكثر ، عندئذ لا يستطيع المجتمع الرأسمالي الاستمرار أذا ما تم تشجيع ثقافة الاستهلاك والمنافسة (على سبيل المثال دعنا نفكر بالمؤسسات التي ستنهار أذا اكتف الناس بالملابس البسيطة ووسائل النقل البسيطة وامتنعوا عن ثقافة الاستهلاك والتنافس ).
ومن ناحية أخرى كان فروم يعتقد بأنه يمكن خلق المجتمعات التي تشجع تحقيق الذات عن طريق التشديد على المجتمع والحب والتبادلية ، ويرى فروم From بان الحب فن وهو ليس حالة يتعثر فيها الناس ولا هي ظاهرة ما سديمية ليس لها معنى حقيقي فهي ظاهرة تجعلنا نتجاوز عن أنانيتنا ونتغلب على طبيعتنا البيولوجية المدمرة فالحب وحده يساعدنا على التغلب على انعزالنا عن الآخرين .
وكان فروم قلقا من أن مجتمعنا الحديث يجعلنا مغتربين مع أنفسنا وعن الآخرين والتغلب على هذا الاغتراب الداخلي يجب أن نفهم العالم من خلال التدريب على التدرب على الصبر والتركيز والعيش بنشاط بالحاضر والتغلب على نرجسيتنا (وهذا ما يسمى بالزهد عند الفلسفات الدينية) ، أن فروم واتباعية يميلون إلى معالجة قضايا المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي بالفلسفة الدينية والرجوع إلى الأصول الموجودة في الفكر الديني الصوفي اليهودي والمسيحي والبوذي والإسلامي التي شددت على أهمية الصلاة الروحية العميقة وفائدتها التأملية للنفس والإحساس والتفكير المرح للتخلص من شوائب الحضارة الرأسمالية وتراكماتها على المجتمع والفرد ، فعلى سبيل المثال تؤكد البوذية Buddhism بأنه يمكن بنجاح الولوج في أعماق الذات المخبئة ومعالجة مكبوتاتها وإسرارها عن طريق الحدس والشعور الفعال للحياة ، وأكد فروم على أهمية الاستغراق الفلسفي والديني والتأملي لحل مشكلات الشخصية وما تعانيه من تراكمات الحداثة وعلى رأسها الرأسمالية .
لا شك في أن ماركس وفروم سيحزنان لمجتمع استبدل النشاطات المشتركة بالمشاهد المنعزلة (التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي) وتخلى المجتمع عن تقاليده الثقافية إلى أساليب من المنافسة المادية من السلع الكمالية الاستهلاكية والانغماس بإشباع الذات وإظهار نرجسيتها ، وبالتأكيد فان هكذا مجتمع سيكون مجتمع أفراده مغتربين نفسيا وغير محبوبين وغير منجزين وعلاوة على ذلك سيكون مجتمع مستهلك وغير منتج .
د حيدر لازم الكناني
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. استياء قوى سورية من انفراد الجولاني بتكليف البشير بتشكيل حكو
.. هل تدخّل البرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر؟
.. المغرب: خضوع الملك محمد السادس لعملية جراحية إثر إصابته بكسر
.. الجزائر: محامي صنصال يؤكد منعه من السفر إلى الجزائر
.. سرب من المقاتلات يرافق طائرة تبون الرئاسية نحو موريتانيا