الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل والقوة من نشأة المخزن الى خطاب 30 يوليو 2017

أمين نصر الله

2017 / 8 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العقل والقوة من نشأة المخزن الى خطاب 30 يوليو 2017
.......................................
" قسما بهذا السيف الذي قتل شاه إيران وذبح أميرا فارسيا وانتصر على السلطان سليمان في ثلاث معارك، إني لمستعد لأظفر بك يا سيدتي، أن أحملق في عيني أشد الناس صرامة حتى يرد طرفه، وأن أتحدى أجرأ الناس على ظهر البسيطة وأن أنتزع من الدبة صغارها الرضع، وأن أهز بالأسد وهو يزأر في طلب فريسته "، هكذا أنطق وليام شكسبير السلطان أحمد المنصور الذهبي، أحد السلاطين البارزين الذين كان لهم دور هاما في ظهور منظومة حكم معقدة على الفهم، منظومة حكم تجذرت عبر التاريخ مستغلة في ذلك كل ما يتاح لها من أجل البقاء ومن أجل أن تترسخ في ثقافة وذهن الإنسان المغربي، منظومة يطلق عليها اسم غريب وكأنه يدل على طبيعتها التي دائما ما تميل الى طمس و(خزن) حقيقتها بأي طريقة كانت، منظومة سميت بالمخزن.
ولعل ما يثير الإنتباه في هذا التعبير الذي نطق به أحمد المنصور الذهبي على يد ويليام شكسبير، هو ذلك الشغف والإصرار الرهيب على فعل المستحيل من أجل أن يظفر السلطان بما يرغب فيه، في مشهد يعري على طبيعة هذا النظام، ومدى قدرته على فعل ما لا يخطر على بال أحد من أجل ضمان استمراريته.
تلت القرون والسنين والأيام، وتعاقب على الحكم سلطان تلوى الآخر، الى أن جلس على العرش ملك بزي عصري، بربطة عنق وبمظهر حديث، سلطان يهوى ركوب التجيتسكي، ويحب رياضة كرة القدم، يظهر بين الفينة والأخري في صور بألبسة عصرية شبابية، لكنه بقي محتفظا على إرث أجداده في طريقة الحكم، طريقة تبدو من الوهلة الأولى حداثية بوجود مؤسسات وقوانين ونظم، لكن سرعان ما تهب نسمات ريح طفيفة أو بضع قطرات مطر حتى تدوب كل هاته المظاهر، وكأنها صباغة مائية تزول على الحائط لتكشف لونه الحقيقي، وتكشف طبيعته المتمثلة في حكم تقليدي حتى النخاع.
ولعل المتتبع لخطاب المؤسسة الملكية الأخير بتاريخ 30/07/2017، وبغض النظر عن سياقه الدولي والإقليمي، لأنه ليس بجوهر موضوعنا في هاته المقالة، إلا أنه سيلامس مجموعة من الأمور، وسيلتقط مجموعة من الإشارات تحتاج أكثر من محاولة فهم لمدلولاتها وربطها بطبيعة هذا النظام.
البداية بفخامة المكان والنشيد وجودة الإضاءة الباهرة وحجم الصوت ورسمية اللباس، وصولا الى مدلول الخطاب ومابعده، خطاب يؤكد فيه رئيس الدولة مرة أخرى على أنه حامي حمى الملة والدين، باستدلاله في خطابه السياسي بآيات قرآنية، كيف لا وهو يقول " اتقوا الله"، ويقول "أدوا الأمانات الى اهلها"، خطاب يصر فيه على أنه فوق كل شيء، وأنه الحكم الذي يفصل بين الصالح والطالح، وأنه مستثنى من كل هذا، خطاب يؤكد فيه على أن كل ما هو صالح فمن صنعه والحمد لله، وكل ما هو فاسد فمن صنع غيره وللأسف، يصر فيه على أنه لا يخطئ, كيف لا وهو يقول " إن اختياراتنا التنموية تبقى عموما صالحة إلا أن المشكل في العقليات التي لم تتغير"، خطاب يشرعن فيه لقمع الحركات الإحتجاجية بدعوى الأمن والأمان، بل ويظهر فيه على أن العنف أسلوب من أساليبه يلجأ إليه كلما دعت الضرورة كما سنرى في الأسطر القادمة، و يشرعن للخوصصة مما يظهر طبيعته الطبقية.
وككل مرة، ما أن يعزف النشيد معلنا نهاية بث الخطاب بوقوف رئيس الدولة ممشوقا بقامته مهابا في قميصه، حتى يعلن على انطلاق موجة صاخبة من الإشادة والتحليل والتنويه، وكأنها نهاية لكل أزمات الوطن ونهاية لكل مشاكله وتوثراته، خلالها يتبادر لذهني ما قاله السسيولوجي الأمريكي جون واتربوري، على أن المغرب دائما في جمود رغم التوثر التاريخي الذي يعرفه، يصل أحيانا الى حافة الإنفجار دون أن ينفجر، وما يفتأ أن يعود الى حالة الجمود.
ماذا يجري ؟ ماذا هناك ؟ كيف لهاته السلطة بأن تمتص غضب الفقراء وتحوله لرضاء وقبول ؟ ما وصفتها السحرية ؟ هل هي حقيقة ربانية ؟ هل هي قانون كوني ؟
قبل الخوض في غمار البحث عن أجوبة لهاته الأسئلة المحيرة، لابد من التأكيد على أن السياسة عبر التاريخ دوما ما تخلق وكلاءها وفاعليها ومثقفيها ومسرحها بل وفرجتها الخاصة، ولا خلاص للمرأ من استخلاص الحقيقة إزاء كل أشكال الفرجة الا أن يذهب الى ماهو أبعد مما تقدمه أو يتمثل أمام المشهد الإدراكي, الشيء الذي يتأتى عن طريق رصد ممارسة هاته المنظومة بصورة دقيقه حتى نتمكن من إدراك جيد لبعض تبعاتها، أو بعبارة أخرى إن سبيل الفهم الدقيق لأسس هاته السلطة لن يتأتى الا عن طريق فهم عميق لخصائصها، وبطبيعة الحال ماهاته المقالة الا لمحة بسيطة وكدافع للبحث في الموضوع بما يشبع رغباتنا المعرفية في تغيير الواقع عن طريق الإنفتاح على كم هائل من البحوث التي أنجزت في هذا الصدد.
بداية ما يجب أن نعرفه كخطوة أولى، هو أن لكل عصر عقله الخاص، أو بالأحرى أن لكل عصر عقلانية مرتبطة بظروف نشأتها وتطورها، فمثلا نجد أن لأفلاطون عقلانيته ولديكارت عقلانيته ولماركس عقلانيته هو الآخر، غير أن لكل واحدة ما يميزها عن الأخرى، كذلك لكل نظام مرتبط بمرحلة تاريخية وبظروف نشأة معينة عقلانيته وعقله الخاص، يحاول جاهدا بفعل القوة ترسيخها حتى تصير أمرا مسلما أو معقولا، فعلى سبيل المثال من الأنظمة التي رسخت بفعل القوة لمفاهيم أصبحت تتداول كأنها معقولة، كمفهوم الفقر مثلا، أصبح الفقر شيء معقولا يقبله العقل ولا يرفضه، مع العلم أن الفقر هو نتيجة توزيع غير عادل للثروة، والتوزيع الغير العادل للثروة أمر غير معقول.
وربطا بسياق موضوعنا فمنظومة المخزن ارتكزت على هذا الأساس بالدرجة الأولى، حيث رسخت بفعل القوة عقلانيتها الخاصة، حتى أصبح العقل عاجزا عن إدراك الحقيقة ولم تعد غايته الكشف عن جوانب المعقول واللامعقول في الواقع، بل أصبح العقل تحت رحمة هاته المنظومة يقبل الواقع الناجم عن قوة المخزن بصفته معقولا وما عليه الا أن يبرره.
ولابد لأي قوة كانت حتى تكون مؤثرة بالضرورة أن تكون شاملة، وأن تنتقل من قوة في مجال خاص الى مجال مهيمن بالمفهوم الغرامشي حتى تصير سلطة، وبعد أن تصير سلطة تسيطر على المعرفة وتنتج معرفة تحت رغباتها وتتحول هاته المعرفة الى سلطة هي الأخرى في علاقة جدلية كما أثبت الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو. ومن المعارف التي أنتجت بفعل سلطة المخرن، مسألة أراضي السيبة، وما هي في الحقيقة الا أراض غير خاضعة لحكم المخزن وتمردت عليه.
وهنا مربط الفرس بالنسبة لنا في هاته المقالة وهو الوقوف عند أصول هاته السلطة وظروف نشأتها التي قام عليها نظام المخزن.
ولفهم طبيعة هاته السلطة ومرتكزاتها، ينبغي الوقوف عند طبيعة هذا المجتمع الذي قامت فيه، وفي هذا المنوال يجمع معظم الباحثين السسيولوجين والأنتربولوجين الذين شرعوا في دراسة طبيعة المجتمع المغربي سواء في دراسات كولونيالية/استعمارية أو في مرحلة الأبحاث الأنجلوسكسونية أو مع جيل من الباحثين المغاربة المعاصرين، على أن المجتمع المغربي ذو طبيعة قبلية، من بين هاته الأبحاث من وظف النظرية الإنقسامية لإميل دوركهايم حتى يتضح أنها طبيعة قبلية انقسامية، تقوم دائما على عدم تمركز السلطة في أي هيئة أو جهاز خاص بها، ولعل هاته البنية التقليدية كان لها أثر بالغ في طبيعة الممارسة السياسية.
فإلى جانب القوة والبعد العسكري، استغل المخزن أهم مؤسسة اجتماعية في المغرب، وهي الزاوية، حتى أن بعض الدراسات تعتبر أن المخزن ماهو الا زاوية مكبرة، صارعت بدورها تاريخيا مجموعة من الزوايا على الحكم، بما فيها صراع العلوين مع الزاوية الدلائية والكتانية....، وحتى أن هذا النوذج تحرك بشكل واضح مع الباشا الكلاوي ومع بنعرفة في مرحلة نفي محمد بنيوسف،
من خلال الزاوية استمد النظام المخزني مرجعية خاصة تؤسس لسلطته، كسلطة روحية سلطة فوق أي اعتبار، لدرجة أن خطب المؤسسة الملكية تحاط دائما بقدسية خاصة فهي نصوص تعلو على النقاش ويحرم أن تكون محط جدل نواب الأمة، فهي دستور ونص أبوي يتماهى في تفاصيله مع المقدس، وما هاته المرجعيات الا دينية وميتولوجية يلعب فيها الرمز والطقس والمعتقد دورا حاسما لا زالت مستمرة ليومنا هذا، وتبدو واضحة في خطاب وممارسة الملك.
استمد النظام المخزني من المرجعية الدينية ركيزة أساسية وهي الهيبة، وما لها من دلالات من ناحية الكاريزما كما سيشرح ذلك ماكس ڤيبر، عن طريق ربطه البيولوجي بآل البيت أي النسب الشريف، وحولها من سلطة دينية الى سلطة سياسية، بشكل واضح في البيعة وطقوسها مثلا.
واستمد أيضا عن طريق الزوايا مرجعية ميتولوجية تتمثل أساسا في البركة بحيث أن السلطان بسبب نسبه الشريف له تلك القدرة الخارقة لأنه ولي الله في الأرض وشريف، وهو منبع الخير والعطاء وكذلك منبع الشر واللعنات.
ولنا أن نتصور إذن قيمة هاته المرجعيات وما تشكله من سلطة داخل بنية قبلية تلعب فيها رابطة الدم والقرابة والشرف دورا هاما ومرتكزا يحدد طبيعة علاقاتها، ويمكن تحديد معالمها في بعض النقاط كما تطرق لها الباحث الإنجليزي كلينر، كون أن الوالي والسلطان أو الملك يجب أن يكون مسالما حتى لو تعرض لهجوم، سخيا معطاء كريم مضيافا، شريفا منتميا الى سلالة الأشراف، متمتعا بهالة وببركة قادرة على فعل كل شيء، محافظا على المعتقدات الدينية، مما يتيح له فرصة تركيز جميع السلط في يده انطلاقا من هاته المرجعيات، حتى أن عاصمة الدولة في فترة من الفترات كانت رهينة بإقامة السلطان فيها.
ولازال النظام الحالي قائم على نفس الأساس، فقد شكل ضم إمارة المؤمنين الى الوثيقة الدستورية سنة 1962 دعامة للمؤسسة الملكية، يجعل موقع الملك دائما مريحا وقويا تجاه جميع الفاعلين السياسيين، إذ أنه يظهر بثوب الملك الدستوري وأحيانا بثوب أمير المؤمنين وفق مرجعية دينية وعلى أنه فوق أي حساب أو عتاب وعلى أنه ضمان للإستقرار الروحي والمادي, أما القوة العسكرية فهي آخر أسلحته، يضطر لإظهارها مع عدم استعمالها الا بعد نفاذ كل طرقه الأخرى.
على ضوء هاته المرجعيات اذن تتضح جدلية العقل والقوة اللتان لازمتا دار المخزن وساعدتاه من أجل ضمان استمراريته وتجاوزه لكل العقبات، بين قوته المتمثلة في احتكاره لكل السلط، وما ينتج من معارف تحت رحمة هاته السلط حتى أصبحت كالقرآن المنزل عند الإنسان المغربي، وعنصرا هاما مؤطرا لحقل الممارسة السياسية، وفي هذا السياق نستطيع قراءة مضامين الخطاب الأخير ومدى تأثيره على كل مكونات المجتمع.
بطبيعة الحال ما هاته المقالة الا محاولة بسيطة لفهم مضامين اللعبة السياسية في البلاد، ولفهم آلية تجاوز مشاكلنا، هاته المشاكل التي تكبر يوما بعد يوم ككرة ثلج في منحدر جبل، وما السبيل لمعالجتها الا بفصل حقيقي للسلط حتى يتسنى لنا انتاج معارفنا بطريقة مستقلة، معارف من شأنها أن تكون لبنة أساسية لبناء عقل جديد، عقل مفعم بالديمقراطية والحداثة, ومن أجل بناء وطن المبدأ والعدالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي