الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصر المنابر

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2017 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما تضع قدمك أمام سربٍ من النمل معترضاً طريقه ستجد بأنه غريزياً سيبحث عن طريقٍ آخر لتجنب ذلك العائق الذي بات يحول بينه و بين وجهته..و عندما تعوِّد أي حيوان -أليف كان أم برِّي- على نظام استجابة شرطي معين ستجده ينصاع لا إرادياً له و لك و ستجده حينها -على سبيل المثال- يمتنع عن تكرار تصرفٍ معين تعلم من التجربة -الوحيدة أم المتكررة- مدى الضرر الذي عاد عليه بسبب ممارسته له..و عندما يقوم الطفل في سنوات عمره الأولى بمحاولة لمس النار بسبب مظهرها الجذاب فإنه سيتعلم من التجربة الأولى بأن ذلك الألم الذي شعر به عند أول تلامس بينه و بينها يعني بأن أي محاولة أخرى للمسها مرة أخرى ستتسبب له بالضرورة بذات الألم لهذا ستجده يسعى دوماً إلى تجنب تكرار تلك التجربة.

كل هذه الأمثلة السابقة كانت لتوضيح أمرٍ بديهي و هو أن التكيف السلوكي ما هو إلا عادةٌ غريزية لدى جميع الكائنات الحية مهما صغُر حجمها أو حجم عقلها..فما يحدث هنا هو أن غريزة الكائن الحي تقوم بتحريكه إما للحصول على احتياجاته الأساسية أو لتفادي أي خطر قد يتسبب تصرف معين في وقوعه له..و عادةً ما تكتفي "معظم" الكائنات الحية بخوض تجربةٍ معينة لمرةٍ واحدة أو لمراتٍ قليلة فقط لكي تكتسب هذا النوع من الانعكاس الشرطي و الذي يصبح مع مرور الوقت كطبيعةٍ ثانية لديها..قلت "معظم" لأن هناك فئة عريضة جداً من المسلمين تأبى أن تخضع لسلطة هذا القانون الفطري البسيط.

فهذه الفئة الكبيرة عدداً كانت و ما زالت تخوض معركة طويلة و عبثية تجاه كل آخر مختلفٍ عنها..هذه المعركة الملحمية مرت بعدة مراحل مختلفة تم فيها استخدام عدة وسائل لتحقيق "النصر" على ذلك الآخر..و لعل من أشد تلك الوسائل تكراراً و ثباتاً في الاستخدام لقرون طويلة هي الدعاء على جميع المُختلفين و المخالفين من على قمم منابر المساجد عُقب كل صلاة..و هنا سنلاحظ بأن العقلية المُسلمة التي تؤمن بفعالية هذه الوسيلة فشلت بشكلٍ كبير فيما لم تفشل فيه حتى الحشرات بتكرار إتباع طريقةٍ معينة لم تثبت فعاليتها ليس من المرة الأولى و حسب بل أثبتت فشلها بعد ملايين المرات ربما من استخدامها..هذا الإصرار على تكرار ذات الوسيلة لملايين المرات لتحقيق هدفٍ معين يكشف لنا بطريقةٍ مباشرةٍ جداً حجم المعاناة الفكرية التي مرت و تمر بها الشعوب المُسلمة منذ قديم تاريخها.

هذه المعضلة الفكرية التي يدور المسلمون في فلكها منذ قرون تتمثل في العجز عن التعايش مع الآخر غالباً أو حتى عجزهم عن الوصول إلى وسيلةٍ تكفل لهم التفوق على ذلك "العدو" كما تتجسد تجاهه مشاعرهم..و في حين تبدو تلك الخيارات في ظاهرها خيارات بسيطة للبعض منَّا إلا أنها كانت و ما زالت بالنسبة لمعظم المسلمين معضلة عجزوا عن التوصل لحلٍ لها منذ قرون عديدة..و في الوقت الذي وصل فيه الغرب إلى حلٍ بسيط لتلك المعضلة التي واجهته هو الآخر بأن ألقى سلاحه و أصبح التعايش مع الآخر في مجتمعاته هو الدستور المكتوب غالباً لدولته كان المسلمون يتسلقون منابر مساجدهم بحماسٍ شديد لممارسة التحريض ضده و ضد جميع الأقليات الدينية و المذهبية و الفكرية التي تسكن بين ظهرانيهم.

و هنا قد يخبرني أحدهم مُتذاكياً بأن الفرد المسلم يعاني أيضاً من التعامل العنصري في تلك المجتمعات الغربية التي تدعي قدرتها على التعايش معه بسلامٍ ظاهري غير حقيقي..و هنا سأرد عليه بأنه نعم توجد تيارات متطرفة في الغرب ترفض هذا النوع من التعايش و لكنها تيارات يمكن إحصاؤها ربما باستخدام أصابع اليد الواحدة في ظل وجود أغلبية ترفض أي نوعٍ من أنواع التمييز العرقي أو الديني أو الفكري..بينما في الجانب المظلم من القمر -و أقصد هنا الدول الإسلامية- سنجد بأن التوجه السياسي للدول الإسلامية و الخطاب الديني العام -و المليء جداً بالتحريض على كراهية الآخرين- لا تتم مقابلتهما بالرفض إلا من قبل فئةٍ معينة لا تشكل فعلياً شريحة يُعتد بها خاصة أن هذه الفئة و التي تتجه نحو نقد التوجه الفكري الذي تؤمن به الأغلبية يتم اعتقالها هي الأخرى و قمعها دون اعتراضٍ يُذكر على هذا الأمر.

و لكن من المثير للسخرية بأن جميع تلك اللعنات التي يتم صبها أسبوعياً و ربما يومياً على رؤوس المخالفين و الأقليات و الغرب لم تأتي بأي ثمارٍ حقيقية بل على العكس سنجد بأن الدول الإسلامية هي من تعاني جداً و على جميع الأصعدة..فالحروب و عدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي و الإرهاب الإسلامي و غيرها الكثير جميعها مشاكل تعاني منها مجتمعات "اليهود و النصارى" و لكن بشكلٍ طفيف جداً مقارنة بما يحدث في العالم الإسلامي..فهنا كانت إرادة الرب واضحة بأن منح المسلمين كل ما تمنوه لغيرهم طوال مئات السنين بل لعله أيضاً كان مباشرٌ جداً في إخبارهم و بطريقةٍ عملية بأنه لا يحبذ تمرير كل تلك الطاقة السلبية التي تصدر منهم تجاه غيرهم إلى غيرهم..إلا أن الأغلبية ما زالت مصرة على الاستمرار في محاولتها لتصدير كل هذا الحقد الأعمى الذي تعاني منه إلى الآخرين عن طريق دعاءٍ لا يُغني و لا يُسمن من جوع و من الواضح أيضاً بأنه لا يصل.

ستتساءل بعد حديثي السابق هل سيستمر المسلمون في إتباع هذا النهج العقيم جداً بتكرار ذلك الدعاء الأجوف على جميع المخالفين لهم ديناً و مذهباً و فكراً؟؟..نعم سيستمرون و ربما سيفعلونها بحماسٍ شديد يُشعرك بأنهم يفعلون هذا الأمر للمرة الأولى لأن من فوق هذه المنابر فقط دون غيرها سيحققون نصراً لا يمكنهم التخلي ببساطة عن لذة أوهامه..و ستتساءل لماذا لن يكفروا باستخدام هذا السلوك المتكرر و الذي أثبت فشله المستمر طوال مئات السنين؟؟..لأن الخيار الآخر حينها سيضعهم أمام مأزقٍ حقيقي..مأزق البحث عن الأسباب "الحقيقية" التي جعلت مجتمعاتهم تستقر في القاع بالرغم من أن الرب أخبرهم ذات مرة بأنهم "خير أمةٍ أُخرجت للناس".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسلم مظلوم وحتى ستحرموه من الدعاء
مروان سعيد ( 2017 / 8 / 14 - 18:15 )
تحية للاستاذة زين اليوسف وتحيتي للجميع
يعيش اكثر المسلمين بجو كئيب مشحون دكتاتوري عنيف يعمل منذ الصغر باعمال شاقة ويتعلم من والديه
والمسجد الكره للاخر فيترعرع ببيئة شاذة فاقدة للحب والسلام
مسكين من عاش بهذه البيئة وهي التي تنتج الدواعش بامتياز انها اي هذه البيئة تدفع الانسان الى اتخاذ الطريق الذي يفكر بانه الحرية او التحرر التي فيها الخلاص من حياته وحياة الاخرين وبعتقاده انه سيكسب عصفورين بحجر واحد
اولا التخلص من هذه البئة الشاذة والكبت الفظيع
ثانيا يكسب الحرية وجنة الدعارة بجسد ميت منذ ولادته لاقيمة له في نظرنفسه ولا في نظر والديه ولا مجتمعه
وبالنسبة للدعاء نفضل ان يدعوا علينا ليلا نهار لاانهم كل ما دعوا ازددنا تالقا وسموا وغنى بالاخلاق وبالعلم
واله يرحم والدتي وجميع الامهات علمتني هذا المثل يقول اذا اراد الانسان الخير لجاره يراه في داره
نحن نطلب لهم الرحمة والمودة والشفاء العاجل من هذا البؤس
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه