الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الهوية و سلطتها على الذات الإنسانية

ماهر رزوق

2017 / 8 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مقالة سابقة لي عنوانها (عن الهوية و قيمتها الانسانية) ، تحدثت عن أهمية وهم الهوية في حياة الانسان ، و أحياناً ضرورته ليحميه من توقه إلى الانتحار بدافع الفضول أو اليأس و الملل ...

لكنني اليوم سأتحدث عن سلبية السلطة التي تمارسها هذه الهوية على المنضوين تحتها ، بحيث تتحكم بمشاعرهم و ردود أفعالهم و مواقفهم من الآخرين و الأشياء!!

في كتابه اللطيف (دع القلق و ابدأ بالحياة) يروي لنا (ديل كارنيجي) قصة طريفة عن رجل تطلب منه زوجته أن يحضر لها قطعة فخذ لتطبخها على العشاء لضيوفها ... و تصر عليه أن يقطعها إلى نصفين ... لكن الرجل ينسى موضوع القطع إلى نصفين و يحضرها قطعة كاملة ... تغضب المرأة من زوجها و تسأله : كيف سنطبخها الآن ؟ ...
و بسبب المأزق الذي وقع فيه الرجل ... يسأل سؤاله الهام : ما سبب قطع الفخذ قبل طهوه ؟؟
تحتار المرأة بالإجابة ، ثم تجيبه بعفوية و صدق : أنها لا تعرف و لكن أمها كانت تفعل ذلك !!
يطلب منها الزوج أن تتصل بأمها لتسألها ... و عندما تسألها ... تقول الأم : لا أعرف أيضاً لكن أمي كانت تفعل ذلك !!
تتصل الأم بالجدة ... فتجد الجواب الحقيقي لسؤال الزوج عند الجدة ... حيث تقول: كان لدي فرن صغير لا يتسع لكامل الفخذ ، فكنت مضطرة لقطعه نصفين ، و لا علاقة لذلك بطهوه أبداً !!

الهدف من ذكر هذه القصة ، أن أغلبنا يعيش بمبدأ الزوجة ... و لا يسأل أبداً عن أسباب منع و تحريم و السماح بالكثير من الأشياء !!
لربما كان السبب هو إيجاد حل لمأزق وقع فيه أحدهم منذ ألف سنة ... و أنت قد لا تقع في ذلك المأزق أبداً .. لكنك ما زلت تتعامل مع الأمور بنفس طريقة تعامل ذلك الشخص !!

هذا ما تفعله الهوية ... تتحكم بنظرتك للأمور و مواقفك من الآخرين ، و تمنعك عن أشياء و تحرم أخرى ... و أنت تنصاع لها بدافع الحاجة لها كوهم يساعدك على ايجاد القيمة لذاتك و وجودك ... و لا تستطيع أن تخالف تلك القوانين الصارمة لأنك قد تحرم من امتياز الانتماء المريح نفسياً !!

لنذكر مثالاً على ذلك : الأمثال و الأقوال الشعبية ... التي كانت كلها عبارة عن حلول لمآزق و ردود أفعال على أحداث معينة تعرض لها القدماء ... و ربما لن نتعرض لها نحن ، و ربما تعرضنا لها و كانت تلك الحلول و ردود الأفعال غير صحيحة تماماً في موقفنا الحالي !!
لكننا مع ذلك مازلنا نكن لها الاحترام و نخلص لها و نعمل بها حتى وقتنا الحاضر...

كذلك الأديان و موقفها من المختلفين (كالملحد أو متدين بدين آخر) و أيضاً محرماتها و ممنوعاتها ... نحن لا نسأل لماذا و هل هذه المواقف صحيحة بحسب المعايير الانسانية الحديثة !!
و لو سألنا فهناك دائماً قوالب جاهزة للأجوبة التي صاغها الشيوخ و التي يتبناها و يتداولها المتدين بثقة عمياء و بدون تحليل منطقي لها !!

الهوية كانت و مازالت ، حاجة و عبء في نفس الوقت ... الخضوع لها يحدد خياراتك و يقلص وعيك ... كما أن التخلص منها يفقدك المعنى و الهدف (للأسف)



MAHER RAZOUK








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس