الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاديان حين تفقد عذريتها

جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)

2017 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



جوتيار تمر/ كوردستان
24/8/2017
إن الأشياء التي يكتشفها الإنسان عبر حواسه، ومخيلته، تصبح هي من مكملات الإنسان نفسه، حيث تصبح أداته لفهم عنصري الزمان والمكان، (الزمكانية)، وتتخذ لديه شكلاً من أشكال وجوده ضمن دائرة الوجود العام، والإنسان يبقى في أي طور بحاجة إلى فهم مجريات الحدث التاريخي وصيرورته، وفهم مسيرة وتطور كل الفكر الإنساني، كي يؤنست الحواس ويثقفها، لتصبح حواساً إنسانية قادرة على معرفة العالم وتغيره، وهي باختصار في الاديان بحاجة إلى إعادة النظر في أنسنة الإله عبر الرسل والانبياء والكتب السماوية، ورجال الدين والكهنوت واللاهوت.
لااحد يمكن ان يعيب على الكهنة في الاديان القديمة على تورايهم المخيف خلف جدران معابدهم ومحاولة اخفاء معالم الاله الحقيقي عن الناس برسم ملامح الهة اخرى من ابداع مخيلتهم التشكيلية او من ابداع مخيلتهم الحياتية اليومية لاسيما تلك التي تتعلق بالموجبات التي تفرضها الطبيعة " الطوطمية" على البشر بصورة عامة وانذاك، وكذلك على الكنهة الذين كانوا يريدون ان يستغلوا تلك النقطة او المعبر القسري الفرضي للطبيعة كي يمنطقوه ويفرضوه باسلوبهم الخاص على الناس العامة، هذه السمة التي رافقت الوجود البشري في مجتمعاته البدائية تقمصت الوان واشكال وافكار ومعيات مختلفة كلها كانت تؤكد ان الغاية تبرر الوسيلة، وبالتالي فان ذلك التواري او الحجب القسري لملامح الاله الحقيقي او حتى اظهار هيكله الرخامي كان من نتاج تحقيق الاسمى والذي كان يكمن في اخضاع الناس لمنطق الوجود الالهي، على هذا الاساس كانت تلك الاديان في الاصل عارية لاتملك من يجعلها تفقد عذريتها لانها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقيمة الحاكم السياسي القبلي المتحالف مع الحاكم الديني الكاهن، لذا الزواج كان ازدواجياً قسرياً..والعذرية كانت غائبة تماماً عنها منذ البداية.
وفي مراحل تطور التصور الديني للبشرية تحولت المصاغات الدلالية للالهة على لسان الكهنة ورجال الدين واللاهوت الى ادوات مستعصية لايمكن للبشر العادي ان يدركها لا بحواسه ولا عقله، فقط كان سدنة المعابد وكهنتها هم القادرين على ادراك الماهيات والمعيات والمستوجبات، لذا حولوا الاله الى اداة تحكموا بكل ما يتعلق به الا الموت ظل عصياً عليهم، ومع ذلك اصبحوا يمتهنون في احيان كثيرة باسم الاله صناعة الموت ايضا وذلك عبر تقديم الاضاحي والقرابين البشرية على نصب الاله، بشقيه الديني والسياسي، وهذا التصور لربما في وقتنا قد يجابه بالانتقادات والنفور لكونه لا انساني كما سيقال عنه، والغريب ان الانسان الذي خلق في عصور متاخرة دينه بنفسه وخلق الهته بنفسه من اجل التسامح والحفاظ على نقاء الروح البشرية، عاد ليغير ملامح الهه ليكون اداة اقصاء وقتل وتدمير للانسان نفسه، كما نعيش الان وقع تلك الترانيم الدموية التي تطلخ بها ايدي البوذيين ، مخالفين بذلك ليس فقط تعاليم الههم ومعلمهم وملهمهم، بل مخالفين بذلك كل مقدس سابق ولاحق لديهم، ناهيك عن الاديان الاخرى والالهة الاخرى التي استطاع الانسان من تدجينها تاريخياً وتوظيفها رغبوياً وفق غاياته التي لابداية ولانهاية لها، فتحولت السيخية مثلا الى اداة قهر لكل من لاينتمي اليهم، والهندوكية الى اداة قتل لكل من يعترضها، وتوالت الحقبات وتنامت الغايات، وتبدلت الوسائل، فصارت الحروب تقام باسم الاله، وصار للاله جيوش جرارة يقودها البشر المختارين من عند الاله والناطقين باسم الاله والحاكمين باسم الاله، وبذلك انغمس الشرق والغرب والشمال والجنوب برغبات الاله الجديد، وسفكت الدماء تحت وطأة اقدام جيوش الاله الجديد، فاضمحلت ما يسميه البشر بالحضارات في الغرب، وماوراء المحيطات" الهنود الحمر"، وفي كل الجهات، وكل ذلك يحصل باسم الاله على الرغم من كون الاديان كانت قد اصبحت لديها معايير اخرى، معايير تستند على الرسالات السماوية، التي ارسلت من الاله الى البشر عن طريق المختارين، وليس بغريب ان تصبح مدنسة ما ان تطأ تلك الرسالات الخراب الارضي ويلسمها البشر بزواج غير شرعي حتى وان كان المختار قد تعمد بدموع الاله نفسه، فالاله اصبح كما تصوره الفلسفة القديمة محرك عاطل للكون جراء افعال البشر.
ليس هناك شك بان الكلام عن الرسالات والاديان امر سيغضب الكهنوت واللاهوت ورجال الدين بكل تصنيفاتهم، ولكن مع ذلك فالوقائع التي وجدت عبر تداولات كهنة الاديان للرسالات نفسها اوجبت ان نعترض على بعض ملاباساتها وموجوداتها الرغبوية كي نتيح لانفسنا فرصة الوقوف على حدود المنطق الرسالاتي، وبذلك ساستشهد ببعض المقولات من الاديان الرسالاتية الثلاث المسيطرة على اغلب اصقاع الخراب الارضي، ليس تناسيا وتجاهلاً للبوذية لكون الاخيرة قد تحولت بالفعل الى اداة قهر على يد اتباعها الحاليين وما يحدث الان في الشرق الاسيوي دليل على ذلك، لذا ساعتمد اليهودية والمسيحية ومن ثم الاسلام، وساحاول ان اضع بين ايديكم بعض النصوص التي وردت في كتب الاديان الثلاث او تناقلها الاتباع بعد سماعها من المختارين من الاله لحمل الرسالات.
لابد من غاية تبرر لي هذه الوسيلة، لانه لايمكن لعمل ان يخلوا من الغاية، واذا ما اتى احدهم بعمل وقال بانه بلا غاية فالعمل لن يكون في الاصل ذا قيمة، فقيمة الاشياء في غاية وجودها، وليس في كونها اشياء مجردة، لذا ساترك غايتي على مسرح التأويل لكل قارئ الحق في ان يقوم بتأويل غايتي ويحكم عليَّ بما يتناسب عقيدته ورسالته، ومع ذلك ادعوه بان يبحث عن كتابي" بشر يمتهنون صناعة الالهة" لادراك الرؤية التي اعتمدها في تفسير الظواهر الدينية الخاضعة ليكنونة الغاية البشرية.
في نصوص مفتوحة اتيح للبشر ان يقوموا بتأويلها حسب الحاجة والرغبة والغاية، ومن ثم فسرت جميع التبعيات التي نتجت عن تلك التأويلات على انها مجرد وسائل للوصول للغاية الاسمى، جعلتنا الاديان السماوية الثلاث نقف حائرين، فاذا كانت النصوص تبيح ذلك، فكيف بحاملي النصوص، المختصين بالابداع الفوضي، الابداع الشهواني، الابداع الدموي المقنن منذ بدء الخليقة، هذه النصوص كثيرة، لكن سنورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر، ففي الديانة الرسالاتية اليهودية "ارميا 48 : 10 : ملعون من يعمل عمل الرب برخاء، ملعون من يمنع سيفه عن الدم .." في المسيحية " لوقا " 19: 27" ينقل لنا بعض النصوص التي يرويها عن الاصل المصدر لديه" اما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان املك عليهم فاتوا بهم الى هنا واذبحوهم قدامي...." وفي موضع آخر " 22: 37"، " فقال لهم لكن الان من ليس له كيس فلياخذوه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً.."، وفي الاسلام " ففي سورة التوبة (5) "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم" ، وفي نفس السورة (36) " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين.." وفي اية اخرى من نفس السورة (29)" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ..".
تلك هي بعض النصوص الصادرة من الاله والمرسلة الى المختارين من البشر على الخراب الارضي، وضمن هيكلة دينية منظمة، لديها اسسها ومصادرها وكهنوتها ورجالاتها وليس اخيراً جيشها المنظم المدافع عن تلك النصوص باسم الاله وتحت راية الدين الالهي، اعلم يقيناً بان الخوض في المحكم والمشبه وفي الناسخ والمنسوخ وفي المتعلقات الرسولية التي وردت على لسان رجالات الدين والكهنوت واللاهوت، كلها ستعمل على تفسير المصوغات هذه وفق الدلالات الممغنطة التي تريد ان تصل الى الهدف الغاية عبر الوسيلة التأويلية المتاحة والمتناغمة مع صيرورة الحراكات والتوجهات الدينية لكل جانب، لكن هذا كله لن ينفع اذا ما عدنا الى الكتب التي تعد هي مصدر التشريع لدى هذه الاديان، باعتبارها مازالت كتب حية متداولة بشكل دائمي ومستمر وهذه النصوص لم تمسح ولم تتغيير فيها، وبالتالي فان الخوض في المعطيات التي وردت تلك النصوص من اجلها تكمن في الاصل في وجهة نظر القارئ وليس المفسر، لان المفسر لابد ان يكون منتمياً الى فرقة من الفرق الدينية التي لاتستسيغ الاخرى ولاتتقبلها ولاتعطيها الحق ، اي ان كل فرقة تقصي الاخرى وفق منطقها، وهذا ما يعني ان الدلائل والقرائن التي قد تفسر المقولات الرسالاتية السابقة لكل الاديان ستكون في النهاية اراء حتمية من جانب المفسر، ولكنها ستبقى تداولية من جانب المتلقي، لكون المتلقي الواعي سيعرف طوعاً بان النصوص تنسب الى الاله، واذا كان الاله يريد ذلك على الرغم من تعارض الامر مع القيم التي تعرف بالانسانية الحديثة، فان المفسر لن يكون هنا اداة اعتراض للنص، بل سيحاول بكل الاشكال ان يبرر ويمنطق ويجمل ما قد يكون بنظر المتلقي القارئ مشوهاً او مثيراً للجدل، لذا بعيدا عن التنميقات الكهنوتية اللاهوتية الفقهية فاننا امام صورة شمولية للرؤية الالهية للعمل البشري على الخراب الارضي، هذا العمل الممنهج هو التقدير الاساس للحالة التي من المفترض ان يكون عليها البشر لا العكس، وبالتالي فان المصوغات الحديثة الساعية لاثبات الوجه الاخر للاله وللبشر هي في كل محاولاتها تدوير عكسي للمنطق الحتمي السبقي، والا فليقل لي احدهم كيف استطاع قابيل ان يبتكر سنة القتل دون الرجوع الى مصدر سبقي خالق للفكرة الجوهرية في عقله، كي يبحث العقل عن الوسيلة لتحقيق الغاية القتل.. لهذا نجد التفسيرات حول كيفية القتل او وسيلة القتل تتنوع بتنوع النظر الى الامر كأنه بشري مستسيغ اي بعبارة اخرى على انه امر عادي طالما انه صادر عن البشر الانسان، وعلى الرغم من التأويلات اللاحقة فانها كلها اتت لتصور الرؤية الطوبائية للحدث.
وكأن الوعي الانساني الساعي لتحقيق وجوديته وغايته عبر اية وسيلة متاحة ليس بامر قديم مرتبط بالوجود الاول للانسان، لذا فحين يقرأ النصوص الرسالاتية بتنوعها، وقد استساغت ماهية القتل، فانها في الاصل امور تبدو له طبيعية لكونه في البدء يميل الى الخروج على ما هو قيدي حتى ان حلت به رحاله في دوامة الانحطاط وهذا بالضبط ما استخلصه احد الحكماء حين قال" بان طبع البشر يميل الى الانحطاط والرذيلة والى الامراض غير القابلة للعلاج... حسبما يقول على شريعتي.." ، و الادهى والامر من ذلك هو ان الانسان دائما يبحث عن التبريرات لكل افعاله كي يقننها " يجد لها منفذ تشريعي" من جهة ويجمل صورتها من جهة اخرى وهذا ما دفع بشخص مثل البير كامو ان يقول " انه من الواجب ان نشك في الانسان الذي يحتاج الى اسباب كي يبقى شريفاً.."، وليقل لي احد هل من انسان لايبحث عن طريقة ليبقى شريفاً بنظر الاخرين حتى وان كان غير ذلك، ان جملة المعطيات السابقة اثثت عوالم الانسان ضمن الرؤية الدينية، كما انها وقفت على معالم الاديان بعدما احتكرها الانسان، فتحول الاثنان الى اداة قتل ودمار مقننة وذلك للوصول بالاول " الانسان " الى عتبة الالوهية التي يبحث عنها منذ البدء وكي تصبح المعوقات مجردة من اسبابها فيحق له اتباع اية وسيلة مهما كانت وحشية ومنحطة ومبتذلة لتحقيق غايته، وهذا ما اسميه بالزواج العرفي بين الاديان والانسان، بحيث فقدت الاديان عذريتها على يد الانسان بدون ان تستطيع الاديان وضع تشريع يحد من استغلال الانسان لنصوصها وتحريفها وفق نهج ذاتي شخصاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال