الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سوري الى لبناني اسمه ميشيل عون

سلطان الرفاعي

2006 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشعر بالاطمئنان عندما نستخدم كلمة (سوي) لوصف أحدهم. ونميل إلى الإحساس بأن هذه الكلمة تدل ضمنا على أفضل حالة ممكنة. وفي الحقيقة، أنها تعبر فقط عن أن مفهوم السلوك الانساني و الوطني عند ذلك الفرد ينسجم مع المواصفات العامة للقائد. وبما أننا نسمح لأنفسنا أن نتأثر بالاكثرية، فإنها تبدو لنا كأنها تمثل الكمال السياسي.

عندما عاد الجنرال إلى أرض لبنان، وجرى له استقبال ، أنساه السنين العجاف التي (عاشها) في الخارج. وفي بدايات خطاباته، استعمل لأول مرة العازل لحماية نفسه. استغربنا وقتها. واليوم فقط عرفنا السر وراء كل ذلك، الجنرال (كما يحب أن يناديه محازبيه) كان يُخطط لأبعد من تلك اللحظة، بل كان يُخطط لعشرات السنين المقبلة.

وبدأت العواطف الحقيقية والمزيفة تنهال عليه، فميزها، ولم ينجر إلى الخطأ الذي وقع فيه أغلب الزعماء في لبنان. فهم الجنرال اللعبة سريعا، ولم يخذل مريديه أبدا، عرفوه نظيف اليد والقلب، فانطلق متسلحا بماض مشرف، وبإرادة أقوى من الفولاذ، انطلق ليرسم خريطة لبنان الحقيقي، الخريطة التي كاد يغيب عنها الصليب والأرز.

وقفتَ ضد الوجود السوري في لبنان، يوم انبطح الجميع على أعتاب مملكة عنجر سيئة السمعة والذكر. قلت : لا، يوم قال الجميع نعم. ودفعت ثمن ذلك كثيرا، وألقت بك الأيام ومصالح الأمم خارج بلادك، وانتظرت سنة وسنتين وثلاث وأربع وطال الوقت وأنت هناك، تنظر إلى خريطة لبنان، وتتأمل صور الأرز، وتستقبل الوفود وتودع الوفود، والى السماء تنظر كل ليلة، تُخاطب الطائرات: خذوني معكم إلى وطني. وشاءت الظروف ومصالح الأمم مرة أخرى، وساعدتك على العودة إلى بلادك، عُدتَ والعودُ أحمد.

عندما جرت الانتخابات، وقفت مع شعبك، كنت واثقا من النتيجة، وتُخطط إلى ما أبعد من ذلك. وانتصرت ، وانتصروا .

فرحة السبعين لم تستمر طويلا، وخوفنا أيضا، فقد بتنا نخاف على ذلك الشيء المختفي في عمق وجداننا، والذي كنا نخشى من أن نبوح به، خوفا من أن نفقده، نعم كان الجميع في قرار نفسه، وبينه وبين نفسه، يقول: لعله القائد المسيحي الوطني الجديد، الذي يعيد للمسيحية الوطنية مكانتها الحقيقية، وينأى بها عن مرافئ التجار والسماسرة.

خفنا عليك. ولكنك أبدا لم تساوم. طلبت وزارة العدل، وأردت أن تكشف الماضي، وطلبوا وزارة الستر وأرادوا أن يُغطوا على الماضي. وقلت: لا ، أعود إلى الشعب، ولن تنفعني مناصبكم، إذا خسرت شعبي.

وبدأت تنتقل من نصر إلى نصر، وبدأوا يتهاوون الواحد وراء الآخر، تلمع فينطفئون، تتكلم فيصمتون، تسير فيركعون. حقا كنا نخاف عليك.

وبدأ الهمس والغمز، لقد أصبح رجل سوريا في لبنان، كل جماعة سوريا تلتف حوله. ونسوا أن سوريا هي التي قصفته بالطيران، وألقت به في الطرف الثاني من المتوسط. نسوا أنه كان العدو الوحيد للنظام السوري. هو لم يكن ولم يُصبح رجل سوريا، ولكنه سياسي يعرف أين مصلحة بلاده، وأين مصلحة طائفته، يوم باع الجميع طائفتهم، من أجل كرسي أو دولار.

بوش والأميرة الزنجية ، وزيرة خارجيته، يهددون سوريا صباحاً ويُحاورونها مساءً. إنها لعبة عرفت مفاتيحها فولجت فيها.

بالأمس وضعت يدك بيد الشيخ حسن نصرا لله، والشيخ يا جنرال، يعرف أن الساعة قد أزفت، وأن عقاربها لن تعود إلى الوراء، ويعرف أن الظروف ومصالح الأمم قد تغيرت، وأن عليه أن يتغير أيضا، وأن يعترف بالمتغيرات، فلا شيء ثابت إلا الوطن. ولم يجد غيرك رجلاً نظيفاً يضع يده بيده، وكل ما يطلبه الشيخ هو التحرير، وهو مطلبك الأول، وكل ما تطلبه أنت هو خلو لبنان من المسلحين والمليشيات، وهو ما سيقٌدمه لك الشيخ، ولكن ضمن تسويات سياسية، وحسابات خاصة، لا يستطيع تنفيذها الاكَ.

حتى الآن طريقك سالكة، وتعرف أنني أقصد طريق بعبدا، ولن يُنغص عليك بعد اليوم إلا تقرير براميرتس. ولكنه في الوقت نفسه، قد يحمل لك البشرى الحسنة، ويزفك قبل الموعد إلى عروس بعبدا.

هناك الكثير الكثير من الأفرقاء يهتزون أمام كلمة حرية عندما يعرفون بالحدس أن هذه الكلمة يمكن أن تشير إلى إمكانية حقيقية تتجاوز الشعار، إنهم يخافون من أن يستيقظ الإنسان اللبناني والسوري ويحرر نفسه، ويكف عن كونه عبدا مطيعا ويخشون أيضا من إمكانية أن يفكر الإنسان السوري واللبناني لوحده ويختار بحرية مصيره الخاص دون أي ضغط خارجي مهما كان نوعه، ومن إمكانية تحقيق فرديته العقلية لا الغيبية وحريته الكاملة في التفكير، إلى الحد الذي لا ينصاع فيه إلى أوامر المستبدين والقامعين والتجار والسماسرة والفاسدين هنا وهناك. ويخافون ويرتعبون ويرتجفون من إمكانية نشوء مجتمع جديد سوري لبناني يحقق للجميع تكافؤا تاما للفرص، نظام لا يقيم وزنا للعرق، أو الدين، أو الطائفة، أو الجنس. أو أي اعتبار آخر سوى الوعي العالي الذي يبلغه الشعبين هنا وهناك.

إن قدرنا يا سيدي الجنرال معا، طال الزمن أو قصر. سنلتقي في الشام أو في بيروت، وكل من يفكر بفصل مصيرنا عن بعض هو إنسان لا يقرأ التاريخ جيدا. قدرنا أن نعيش معا، قدرنا أن نحترم بعضنا، قدرنا أن نقول : ولدنا معا ونبقى معا.

نعم حقكم علينا أن نعتذر، نعتذر عما فعلناه في لبنان، نعتذر عما تسببنا به للجميع، نعتذر وألف مرة نعتذر منكم ومن كل الشعب اللبناني العظيم.

ما ذنب الشعوب سيدي الجنرال حتى تتحمل وزر ما صنعته بعض الأيدي المسيئة، ولكن لم نكن وحدنا السبب يا سيدي الجنرال، لقد كان لديكم جيش حاشد ممن شاركونا المفاسد والغنائم، وعلمونا طرقا جديدة للسلب والنهب لم نكن أبدا ندري بها. هي صفحة سوداء، غمامة، لا بد أن تنقشع، ويعود السلام إلى بلادي، وتعود المحبة بين الشعبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ