الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تاريخ الإسلام المبكر- الجزء الأول – من إثباتات وجود محمد كشخص و كنبي -

جلال مجاهدي

2017 / 9 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يصبح التاريخ علما حين ينطلق من إثباتات ملموسة كالنقود القديمة و سجلات الدول و المخطوطات المتوافق بشأنها و المنحوتات المختلفة ومخطوطات المؤرخين المعاصرين , لكن هل التاريخ المروي هو تاريخ فاقد لأية مصداقية إلى درجة الاستغناء الكلي عنه , و هل بالتخصيص التاريخ الاسلامي الذي يؤرخ لبداية ظهور الاسلام و انتشاره هو تاريخ لاغ ليست له أية أهمية علمية بالنظر لكون تدوين مجرياته تم بتاريخ لاحق للأحداث بحوالي مائتي سنة تقريبا .

من المسلم به ان شخصا في سنة 2017 يؤرخ لسنة 1817 بناء على روايات شفهية , لا يمكن أن نعده مؤرخا , و لا يمكن الوثوق في رواياته التي تبقى مجرد محكيات قد تتضمن جزءا أو أجزاء من الصحة فقط , لكن إن تواترت الروايات بخصوص حدوث واقعة معينة في سنة 1817 من طرف مجموعة من الرواة و بطرق مختلفة , و إن اتفقت الروايات المختلفة على بعض التفاصيل , فهل من المنهجية العلمية طرح هذه الروايات المتواترة و عدم اعتمادها و نعت ما جاءت به بالأساطير .

الصرامة و التشدد مع المعلومة التاريخية العلمية و التعاطي مع الموضوع من خلال الإثباتات الصلبة كالقطع النقدية و مخطوطات المؤرخين المعاصرين لا يكفي لوحده لفهم التاريخ الذي يبقى معتمدا في جزء كبير منه على المرويات المتواترة و التي من دونها فإن الإثباتات الصلبة تبقى مفتوحة أمام عدد من الاستنتاجات قد تتعارض بينها إلى درجة صناعة تاريخ متخيل لا علاقة له بالأحداث التي وقعت ,لذلك فإن منهجية البحث التي اعتمدها عدد من الباحثين فيما أسموه بتاريخ الإسلام المبكر كانت منهجية غير موفقة و خرجت عن سياقات المقبول حين وصلت إلى طرح كل شيء بخصوص هذه الحقبة و التشكيك حتى في وجود النبي محمد , لذلك فإن منهجية البحث في هذا الموضوع بالخصوص ينبغي أن تزاوج من جهة ,بين المرويات المتواترة التي تشمل العموميات بصفة رئيسة وحتى التفاصيل المتواترة المتوافق عليها من مصادر مختلفة بصفة ثانوية , ومن جهة أخرى بين الإثباتات التاريخية الصلبة مع إعطاء أهمية أكثر لهذه الأخيرة .

أولا و قبل كل شيء , يبدو أن أثبات وجود أو إثبات انتفاء وجود محمد كشخص قدم نفسه للناس كنبي هو المنطلق الذي يجب أن تبتدأ منه هذه الدراسة , طالما أن هذا المنطلق هو المحدد لما بعده من استنتاجات , لذلك فإن محور نقطة الانطلاقة سيتطرق إلى أقصى استنتاجات أصحاب المنهجية الصلبة و التي مفادها بأن الاسلام كان نتاج صيرورة تاريخية و سياسية و دينية و أن لا وجود لشخص النبي محمد, طالما أنه لا توجد أركيولوجيات تؤكد ذلك , هذه الاستنتاجات تقتضي منا أن نشير هنا إلى ملاحظتين بسيطتين , أولهما أن هذه الآراء هي في أغلبها آراء صادرة عن مستشرقين وعن بعض الكتاب المشارقة توضح عدم إلمامهم الجيد بأغلب تفاصيل الموضوع , طالما أن هناك مخطوطات تاريخية لمؤرخين معاصرين للنبي توافقت على ذكره و الثانية أن سجلات رسمية لحكام بعض الدول أكدت و جوده كنبي و هو ما يؤكد على أن البحث في هذا الموضوع يتطلب بحوثا طويلة لا تقتصر على بعض المراجع فقط بل تتعداها إلى البحوث الميدانية في سجلات الدول القديمة و التي لا زال معظمها مجهولا , لكن نقتصر في دراستنا هذه على بعض المصادر و التي نجد كفايتنا فيها طالما أنها تؤكد من دون أي شك أن النبي محمد كان موجودا كشخص لا كنتاج صيرورات تاريخية و سياسية و دينية .

بداية نتطرق إلى شهادات المؤرخين المعاصرين للنبي محمد الذين تعرضوا لذكره و نجد من بينهم القس المسيحي و المؤرخ طوماس المعمر Thomas Le Presbyte و الذي أورد قصة حرب البيزنطيين مع جيش محمد في كرونولوجياته المسماة كرونولوجيا مينورا التي ترجم بعض فقراتها الكاتب الفريد لويس دو بريمار في كتابه أساسات الاسلام les fondations de l islam و التي اعتمدها العديد من الباحثين و قد جاء في هذه الكرونولوجيات التي كتبها القس طوماس في سنة 640 ميلادية ما يلي : " في السنة 945 الجمعة 4 شباط "هذا التاريخ البيزنطيّ يوافق 4 فيفري 634 ميلادي" و على الساعة التاسعة صباحا، بدأت المعركة بين الروم و جيش محمّد، في فلسطين، على بعد 12 ميلا شرق غزّة، الروم أخذت في الهروب مخلّفين وراءهم قائد الجند "بار يردن" فقتلوه، و قد قتل هناك قرابة 4000 شخص " .

إذن فما نستنتجه من خلال العبارات الصريحة للقس طوماس المعمر هو أن محمدا كان شخصا و كان له جيشا و كان في صراع مع الامبراطورية البيزنطية و قام بهزمها في هذه المعركة و التي تسمى في المرويات الإسلامية بمعركة أجنادين والتي تختلف مع هذه الشهادة في التفاصيل حيث تذكر المرويات أنها وقعت زمن الخليفة أبي بكر الصديق و الحال أن المؤرخ المعاصر للنبي يؤكد أنها وقعت زمن النبي محمد , و هنا نسوق شهادة أخرى و هذه المرة من حبر يهودي هو أليعازر قلير الذي كان شاهدا للمعركة التي حصلت سنة 634 ميلادية و الذي أرخ للحدث بقوله "جاء مسيح الحرب – أي النبي محمد – جاء للأرض المقدسة , جاء ليعلن عن اقتراب مجيء المسيح , دخل إلى الأرض المقدسة و أعاد بناء الهيكل لكنه اغتيل بعد ثلاثة شهور" , و هنا يشير الحبر اليهودي إلى مجيء النبي بنفسه و وصوله إلى القدس و قيامه ببناء معبد سماه بالهيكل و الذي هو في حقيقته مسجد كما جاء في شهادة أخرى تشير إلى استعانة المسلمين باليهود لتعيين بقعة قدس الأقداس قبل أن يطردوهم و بنوا مصلى إسلاميا و هذا الأمر لا يتعارض مع قيام عمر ابن الخطاب بإعادة بناء المسجد كما اتفقت على ذلك المرويات الاسلامية و أتبته المؤرخ سبيوس حين أورد في كتابه تاريخ الكنيسة أن " الملك الثاني الذي نهض في بني اسماعيل , عمر , أعاد بناء الهيكل سنة 660 ميلادي" طالما أن البناء الأول تم إثر الحرب و لن يكون بالشكل المطلوب .

ويزيد من تأكيد وجود النبي محمد ما جاء في مخطوطة تعاليم يعقوب 634-640 المعاصر لمعركة أجنادين و التي أوردها الكاتب روبير سبينسير في كتابه " هل كان محمد موجود " حيث يقول يعقوب : "عندما قتل عضو الحرس الملكي البيزنطي على يد السارسانيين –العرب- , كنت في قيسارية (مدينة فلسطينية) انطلقت على متن قارب إلى شيكامونه (تقع بالقرب من ساحل البحر على حيفا- فلسطين) فوجدت الناس تقول قتل الحارس الملكي البيزنطي ونحن كيهود إبتهجنا للخبر, وكانوا يقولون لقد ظهر النبي وقادم مع السارسانيين ، وهو يعلن عن قدوم الممسوح المسيح الذي سيأتي.

وجود شخص محمد مع صفته كنبي , هي حقيقة تتجلى أيضا بشكل صريح و بارز في الفصل الثلاثين من كتاب قس أرمينيا سبيوس المسمى " تاريخ هرقل" و التي جاء في إحدى فقراتها " في هذا الوقت كان هناك إسماعيلي يدعى محمد و كان تاجرا ,ولقد قدم نفسة لهم كما لو أنه مدفوع بأمر من الرب و كواعظ للطريق الحق وقال لهم أنه يعرف عن رب إبراهيم ولقد كان مطلعا جدا ويعرف قصة موسى بشكل جيد جدا ولقد أخبرهم أن ألأمر قد جاء من السماء ليتحدوا تحت إمرة رجل واحد وتحت قانون واحد وليتخلوا عن الطوائف الدينية العبثية والعودة للإله الحي الذي كشف عن نفسه لإبراهيم , و قال لهم أن الرب قد حرم عليهم أكل لحم الحيوان الميت, وشرب الخمر والكذب والزنى ولقد أضاف أنه أورث هذه الأرض لإبراهيم و ذريته من بعده للأبد " .

نفس التأكيد يأتينا أيضا من أرض الكنانة حيث يذكر يوحنا النقوي أسقف كنيسة مدينة نيقوس القبطية في إحدى مخطوطاته " والان الكثير من المصريين اصحاب العقيدة المسيحية الخاطئة انكروا العقيدة الأرثوذوكسية والتعميد واعتنقوا دين المهاجرين اعداء الرب واقروا عقيدة (......) محمد " .

نفس التأكيد على وجود النبي محمد نستقيه هذه المرة من مؤرخ خوزستان المتوفي حوالي سنة 665 ميلادية الذي أورد في تأريخاته بخصوص حرب المسلمين مع الفرس و ملكهم يزدجرالذي نصب ملكا للساسانيين سنة 632 ميلادية أنه " عندما وصل للعاصمه المدائن بعد تنصيبه عين رستم قائدا للجيش ولكن الرب بعث ضدهم ابناء إسماعيل وكانوا كما الرمال على الشاطئ لا تحصى , قائدهم كان محمد " .

إذن من خلال ما أورده هؤلاء المؤرخون سواء المعتمدون من دولهم أو من كنائسهم أو الذين أرخوا لتلك الحقبة بدوافع علمية شخصية , يتضح جليا وجود محمد كشخص و كنبي و حتى كقائد لجيوشه و هي الحقيقة التي تواترت عليها الروايات الاسلامية و بالتالي فإن ادعاء عدم وجوده أو الابقاء على التشكيك في وجوده هو أمر غير مقبول لا منهجيا و لا علميا و لا تاريخيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس