الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب تأخر المسلمين / الجزء الأول

المعانيد الشرقي
كاتب و باحث

2017 / 9 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد كانت دراسة الإسلام و ثقافته و شرائعه و نظمه على ضوء العصر الحديث من الأهمية بمكان، و لقد عني بهذه الدراسة منذ القديم بعض الغربيين المستشرقين، و كثير من العلماء المسلمين.
أما المستشرقون، فلا شك في أن نفرا منهم لم يكونوا دائما معصومين عن الخطأ و لا مجردين عن التحيز. و ربما كان سبب ذلك تأثير السياسة و المحيط على تفكيرهم، أو عدم اطلاعهم الكافي على اللغة العربية و المصادر الأصلية. و لكن على الرغم من ذلك، فإن القسم الأكبر من المستشرقين عملوا على نشر المخطوطات العربية و الإسلامية، و على إخراج الأبحاث الإسلامية المفيدة.
و أما العلماء المسلمون، فكانوا طائفتين: الأولى طائفة محافظة تمسكت بالتقاليد و العادات، و فسرت مبادئ الإسلام وفق اجتهاد الفقهاء الأولين و المتأخرين من دون تحوير و لا تفكير، و قالت بوجوب تطبيق ذلك على أمور المسلمين الدينية و الدنيوية جميعا. و الطائفة الثانية تشمل العلماء المجددين الذين قالوا بوجوب بحث أحوال المسلمين و أسباب تأخرهم، ثم درس تحرير الفكر الإسلامي من قيود الجهل و التقليد الأعمى و الجمود الباطل، و السير به في طريق الحياة و التجدد و المدنية.
و لقد سار المجددون المصلحون من كل أمة في سبيل الإصلاح عن طريق نبذ القديم و تغيير الماضي و استبدال الجديد به. و لكن المصلحين المسلمين لم ينهجوا هذا النهج. فالإصلاح في نظرهم هو الرجوع إلى الماضي أو إلى مذهب السلف الصالح. و هم على حق في ذلك. فالماضي الأول في الإسلام يمثل مبادئه الأساسية و جوهره الحقيقي و تعاليمه الخالدة. أما الجديد الذي أتى بعده، فقد شمل أيضا ما تركه التقليد و الجهل من شكليات و خرافات، و فرعيات و اجتهادات مخالفة لروح الشريعة و لأسسها الأصلية. فالإصلاح في نظر العلماء المجددين إذن هو التنقيب عن الجوهر الأول القديم، و طرح ما تراكم عليه خلال عصور الجهل من تلك البدع الكثيرة و التقاليد الكثيفة التي كانت السبب في حجب المسلمين عن معنى الإسلام الصحيح.
و هذا يدفعنا إلى درس أسباب تأخر المسلمين و طرق معالجتها. و نكتفي بلمحة وجيزة في أهم هذه الأسباب و هي سد باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية و إهمال التعلم، و التمسك بنصوص غير ثابتة، كالاهتمام بالشكليات و الفرعيات، و التحزب المذهبي و إهمال بحث علل التشريع، و المزج بين الدين و الدنيا.
و لن أتعرض هاهنا لأسباب التقهقر الأخرى التي أثرت في المسلمين كما أثرت في غيرهم من الشعوب الغربية و الشرقية، كالاستعمار و النفوذ الأجنبي و الحروب و الفتن و الانحطاط الخلقي و الفقر و ما أشبه. بل أكتفي بالأسباب التي ذكرتها، باعتبارها خاصة بدراسة الفكر الإسلامي، و بتأثيره في حياة المسلمين.
السبب الأول: سد باب الاجتهاد و إهمال التعليم.
من الأمور الثابتة في الشريعة الإسلامية أنها بحثت في مسائل الدين و العبادات، كما بحثت في مسائل المعاملات و ما يتفرع عن ذلك من أحكام و نظم و تفاصيل. و لقد كان الفقهاء في الإسلام رجال دين و رجال قانون بآن واحد، حتى أنهم اختصوا بلقب العلماء لشمول درسهم جميع فروع المعرفة القديمة. و لذا أيضا كان للشريعة أثر كبير في تاريخ الفكر الإسلامي و جميع مظاهر حياة المسلمين.
و معلوم أن هذه الشريعة مبنية على مصادر عديدة منها: مصادر دينية و هي القرآن و السنة النبوية. و منها مصادر فرعية مقبولة عند جمهور الفقهاء، و هي الإجماع و القياس. و منها أخيرا مصادر قبلتها بعض المذاهب دون بعض، و هي مبنية على الضرورة و العرف و الإنصاف، " كالاستحسان " في المذهب الحنفي و " الصالح المرسلة " في المذهب المالكي.
و قد درس الفقهاء هذه المصادر أو أدلة التشريع في علم خاص أسموه ( علم الأصول ) و جعلوا يعملون جهدهم في استنباط الأحكام الشرعية من هذه المصادر و الأدلة. و أطلقوا على عملهم هذا كلمة " الاجتهاد " . فكان الاجتهاد سببا في توسيع أحكام الشريعة و تفريع مسائلها على القضايا الجديدة، و من تم كان عاملا قويا في تطور التشريع الإسلامي، وفق حاجات البلاد المختلفة و ظروف الأزمنة المتقلبة. و هكذا عمل الاجتهاد على ازدهار علم الشريعة و لا سيما في صدر الدولة العباسية.
ثم عندما سقطت بغداد في أواسط القرن السابع للهجرة أي الثالث عشر للميلاد، توقف النشاط العلمي و بدأت المدينة العربية بالانحطاط. و كان ذلك بعد أن سبق و أجمع الفقهاء السنيون على سد باب الاجتهاد، و على الاكتفاء بالمذاهب السيئة الأربعة المشهورة، و هي: الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي. فكانت نتيجة ذلك توقف التفكير الإسلامي، و تفشي التقليد و الجمود العقائدي في الشريعة و في سائر العلوم العربية و الإسلامية.
و لقد أصاب علماء الشيعة في الإسلام بعدم قبولهم بسد باب الاجتهاد و أصاب بذلك أيضا بعض علماء السنة الأقدمين، كابن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزية في كتابه ( أعلام الموقعين عن رب العالمين) و تابعهم في ذلك في العصور الأخيرة الفقهاء المجددون أمثال محمد بن عبد الوهاب و جمال الدين الأفغاني و الشيخ محمد عبده. فهؤلاء الفقهاء جميعا و من إليهم و لا سيما الإمام الشوكاني في رسالته ( القول المفيد في أدلة الاجتهاد و التقليد ) ، فقد أثبتوا بأدلة شرعية واضحة من الكتاب و السنة و الإجماع و القياس، و أن الإجتهاد ليس مفتوحا فحسب، بل هو واجب على كل من اتصف بصفات المجتهد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة