الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-10- الرغيف

طوني سماحة

2017 / 9 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على قمة الجبل جلسوا رجالا، نساء وأطفالا. قارب عددهم العشرين ألفا. تبعوا يسوع مثل غنم لا راع لها. كانوا متعبين عطشى وجائعين. أمر يسوع تلامذته ان يجلسوهم فرقا فرقا. أتوه بخمسة أرغفة شعير وسمكتين. رفع يسوع عينيه الى السماء وشكر، ثم كسر الخبز وكثّر السمك وأعطى التلاميذ الذين وزعوهم على الجموع، فأكل الجميع وشبعوا. فرح الناس وفي اليوم التالي تبعوه. أرادوا أن ينصبوه ملكا عليهم، علّه يعطيهم الخبز والسمك كل يوم فيتحررون من لعنة العمل. أدرك يسوع أفكارهم، لكنه وفي قرارة نفسه كان يعرف انه لم يأت ليملك على الأرض والشجر والاوطان، بل كان يسعى ليملك على القلوب والقلوب فقط. قال لهم "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الانسان". أعجبتهم الفكرة، فها هم يضربون عصفورين بحجر واحد: خبز شعير وسمك على الأرض وخبز الحياة الأبدية بعد الموت. قالوا له "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله"؟ قال لهم "أن تؤمنوا بالذي هو أرسله". أرادوا ان يساوموه علهم يحصلون على ما هو أكثر. قالوا له "موسى أعطانا المن في البرية، فماذا تراك تعطينا أنت؟" أجاب يسوع "خبز موسى يشبع الى حين، لكن أبي يعطي الخبز الحقيقي من السماء"

بدأ الجموع يحلمون بغيوم تمطر خبزا. بدأوا يتخيلون الحياة شربا وأكلا ولعبا ولهوا ونوما. الخبز النازل من السماء سوف يحدث ثورة اجتماعية. لا حاجة بعد اليوم للمطر والري. لن يعود هناك حاجة للزارعين والحصادين والتجار. سوف يتحرر العمال من نير أصحاب العمل. سوف يبيعون هذا الخبز النازل من السماء ويقتنون بثمنه سلاحا يطردون به أعداءهم الرومان. سوف يقيمون ملك داوود وسليمان من جديد. قالوا بلهفة "يا سيد، أعطنا من هذا الخبز كل حين".

قال لهم يسوع "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد و الخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم... من ياكل جسدي و يشرب دمي فله حياة ابدية و انا اقيمه في اليوم الأخير... من يقبل الي لا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا". أصيبوا بالذهول. كانوا ينتظرون غيما يمطر خبزا، فإذا بهم أمام رجل إما مسه الجنون أو يتلاعب بعواطفهم. اخذوا يتذمرون. قالوا فيما بينهم "اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء؟"

رجع الكثير منهم الى الوراء. ذهبوا بحثا عن خبز الشعير. تبين لهم ان كلام يسوع لا يطعم ولا يغني عن جوع. عاد المزارع الى حقله والتاجر الى دكانه والراعي الى غنمه، ووقف العامل على جنب الطريق ينتظر ثريا يستأجره ليعمل في حقله. عادت ربة المنزل الى بيتها لتعجن وتشعل التنور وتطعم أولادها الجائعين. خاب أملهم جميعا. عاشوا حلم خبز الشعير لساعات ومن ثم تبخر الحلم. في المقلب الآخر، تبقى حفنة من الناس مع يسوع. سألهم "ألعلّكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا؟" فاجابه سمعان بطرس "يا رب الى من نذهب؟ كلام الحياة الابدية عندك، ونحن قد آمنا و عرفنا انك انت المسيح ابن الله الحي."

لم يكن يدرك بطرس أنه سوف يدفع حياته ثمنا لهذا الكلام. ذات يوم، وكان قد تقدم به العمر، وقف امام القاضي الروماني ليواجه تهمة الكفر بالآلهة. كان عليه ان يتراجع عما آمن به أو أن يموت مصلوبا. نظر بطرس الى يديه المقيدتين. لو نكر إيمانه، لتحرر من أغلال الحديد، لعاد الى زوجته وأولاده، لأكل خبز الشعير ما تبقى من العمر، لكنه كان يدرك أنه لن يتغلب على الجوع والعطش والالم. نظر عندها الى نفسه. كان القليل من الشعر الذي بقي على رأسه قد غلبه الشيب. نظر الى رجليه ويديه وذراعيه، رآها قد تشققت ويبست بفعل العمر والتعب. أحس بالجوع لكنه أدرك أن خبز الشعير إن سد رمقه، فإلى حين. ردد حينها على مسمع الحاكم الروماني كلام المعلم "الروح هو الذي يحيي اما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي كلمنا به يسوع هو روح و حياة. أنا، سيدي، لم أعد أخشى من يستطيع قتل الجسد، بل أخاف من له سلطان أن يقتل النفس ويلقي الجسد في جهنم. إن أنا مت اليوم، جل ما أخسره هو رغيف شعير وجسد سوف يتحلل عاجلا أم آجلا في التراب، لكن ما أربحه هو أكثر بكثير. أنا اليوم عندما أنطلق الى سيدي، سوف أربح الحياة. سوف أكون من أبناء الحياة. لن يكون بعدها للموت سلطان عليّ. أنا إن مت اليوم، سوف أنطلق لأحيا في النور، كائنا روحانيا، لا سلطان للجوع والعطش والمرض والألم عليه. هيا، سيدي، نفذ الحكم، أرجوك لا تتردد."

أمر القاضي الجند باقتياد بطرس الى الصليب. نظر هذا العجوز الى جلاده وقال له "سيدي مات مصلوبا وانا لا استحق ان اموت مثله. اصلبني رأسي الى الأسفل ورجليّ الى الأعلى".

في ذلك اليوم، انطلقت روح بطرس الى السماء للقاء سيده. أصبح نورا من نور، شعاعا من ضوء. في ذلك اليوم، جلس القاضي لتناول العشاء. جلس في قصره، لكن القصر لم يكن أكثر من سجن مرفّه. أكل رغيف خبز من قمح أو ربما من شعير، لكنه لم يتحرر من قيد الجوع والعطش. شعر بالتخمة. ذهب للنوم لكنه لم يستطع التغلب على آلام جسده الكثيرة. في ذلك اليوم، نام القاضي وقد ظن أن الإمبراطورية بألف خير لأنه قضى على مجرم آخر، لكنه لم يكن يدري أن مملكته لن تستمر الى الابد لأنها أغلقت أبوابها بوجه النور وسمحت للعتمة ان تعشش في أرجائها، وأن الممالك شأنها شأن الانسان تولد، تشب، تهرم ثم تموت. نام الحاكم ذلك اليوم وهو لم يستطع ان يفهم كلام هذا الصياد الجليلي " الروح هو الذي يحيي اما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي كلمنا به يسوع هو روح وحياة. أنا، سيدي، لم أعد أخشى من يستطيع أن يقتل الجسد، بل أخاف من له سلطان أن يقتل النفس ويلقي في جهنم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلو


.. تكبيرات العيد في الجامع الازهر في اكبر مائدة إفطار




.. شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء


.. 41-An-Nisa




.. 42-An-Nisa