الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعداء العلمانية

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2017 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ايكونومست


اذا سألت احد افراد الشعب المصري "المتدين بطبعه" عن رأيه في العلمانية فستجده وكأنه قد أصيب بمس من الشيطان أو بصاعقة كهربائية وقد انتفض معددًا مخاطر العلمانية وأنها كفر لا يرضاه لعباد الله المؤمنين في جنة الايمان والتقوى والعدل التي يعيش بها.

والحقيقة أن هذا الأمر يذكرني بما كنت أقرأه عن رأي نفس هذا الشعب في الشيوعية والاشتراكية في عصر الرئيس "المؤمن" السادات، حيث نجح الاعلام في تصوير الشخص الذي يعتنق أفكار يسارية بأنه كافر ينكر وجود الخالق ويريد للشعب التحلل من دينه واخلاقه الرفيعة وليس شخصا يسعى للمساواة وتكافؤ الفرص وتوزيع عادل للثروات كما هي مباديء الاشتراكية المعروفة في كافة الكتب التي تضمنت شرح لهذه الأفكار التي تعطي السيادة للشعب وحده وتجعل منه الأحق بثروات بلاده وبما تنتجه يداه، وهو الأمر الذي كان يجب التعتيم عليه في عصر الانفتاح والدعوة الى رأسمالية جديدة تلغي أفكار ناصر الاشتراكية من رؤوس الشعب، وهو ما حدث فعليا على الرغم مما اكتسبه الشعب من هذه الأفكار من تعليم مجاني وتوزيع للأراضي الزراعية على الفلاحين وغيرها من مكتسبات العصر الناصري.

وبدأت اللحي والحجاب تنتشر في مصر منذ الثمانينات انتشار النار في الهشيم ومعها أفكار لا تتفق حتى مع الشريعة وما جاءت به الأديان من تأليه للحاكم وجعله قوة مؤيدة من الله لا يجوز التفكير في انتقادها ما بالك بتغييرها وتداول السلطة كما يفترض في نظام ديمقراطي.

ان نفس العداء الذي كان يكنه الشعب للاشتراكية في عهد السادات اصبح موجها لنظام الحكم العلماني، وبشكل مثير للدهشة، فعندما تسأل أحد هؤلاء المنتفضين على العلمانية، ما هو نوع الحكم الحالي في البلاد وهل يرى أنه نظام حكم اسلامي؟ سيقول لك "لا" فإذا سألته لماذا لا ينتفض عليه بنفس القدر ويعمل على تغييره كما يعمل على اعاقة صعود أي شخصية عامة تتحدث عن المواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة؟ سيقول لك أنه لا يعجبه الوضع ولكن ما باليد حيلة وأنه مضطر للقبول بالحكم العسكري والانبطاح تحت البيادة حتى يعيش هو واولاده!

وبعيدا عن التصنيفات والمسميات، فمن وجهة نظري المتواضعة أن من حق كل انسان أن يحظى بحريته الشخصية في بلاده وأن يحتفظ بحقوقه ويحترم حقوق الأخرين وأن يعيش في وطن يُكافَح فيه الفساد وليس من يتحدث عنه، وينال كل شخص الفرصة للترقي بالجهد والكفاءة بلا محسوبية ولا رشاوي، لا يهمني ما هو التعريف الذي يمكن أن يطلق على نظام من هذا النوع ولا يهمني ديانة من يقر مثل هذا النظام.

أن الكثير من المنتمين للتيارات الاسلامية يسافرون الى امريكا وبريطانيا ليولد اطفالهم في هذه البلدان فينالون جنسيتها، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل الهجرة، الى بلدان تنتهج نظام الحكم العلماني، ولكن اذا قلت لهم نريد نظام من نفس النوع في بلادنا ثارت ثائرتهم واتهموك بالكفر والالحاد.

اذكر احد المنتمين للتيار الاسلامي هو يحكي ذكرياته عن ثورة 25 يناير 2011 وهو يقول أن الله ارسل لهم الشباب العلماني ليموت فداءا للشباب المسلم ويدخلون الى النار ليمكن الله لهم في الأرض، وهو أحد الأمور التي تثير غضبي الى الأن على الرغم من كل ما تعرض له هؤلاء على يد نظام السيسي.

اذا تحدثت مع احد هؤلاء المنتمين للتيارات الاسلامية عن مذابح العسكر في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ورابعة والنهضة، تجده وقد احمرت اوداجه غضبا ورفض تماما أن يقر بأنه كان هناك مذابح قبل رابعة والنهضة، فالدماء التي سالت في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ليست دماء مسلمة – من وجهة نظره – ولذلك فلا غضاضة في أن تسيل ولا قيمة لهؤلاء الذين ماتوا حتى لو كانوا ماتوا دفاعا عن قضية نبيلة ومشروعة.

ان العسكر والتيارات الدينية قطبان قد يحسبهما الجاهل متعاكسان، ولكن الحقيقة أنهما يكملان بعضهما بعضا ويسوقان الشعب بعصا الوطنية وعصا الدين للدخول في حظيرة الاستعباد مكبلا فاقدًا لأدنى حقوقه المشروعة، وكلاهما يتمتع بفوقية مريضة لا يوجد أساس منطقي لها.

وطالما أن كلاهما يتنازع السلطة لن ترى هذه البلاد النور أبدًا ولن تتاح لأي شخص كفؤ أن يتولى حكمها وينقذ ما تبقى منها لأنه سيتهم فورًا بالعمالة أو الكفر مهما كان نقيا تقيا مخلصًا، فيكفي أنه ليس محسوبًا على أي منهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يغنون رفقة المتطرف الإسرائيلي يهودا غليك في البلدة


.. ناريندرا مودي... زعيم هندوسي في هند علمانية -اختاره الله للق




.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8