الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشابه الكنعانيين والعبريين والعداء لمصر

طلعت رضوان

2017 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تختلف المرجعية الدينية عن لغة العلم، ولذلك يعتقد أصحاب العاطفة الدينية من أتباع الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) أنّ ما ورد بها عن قصة خلق الكون وخلق الإنسان، هو البداية، بينما ورد فى أساطير الشعوب القديمة ذات المعانى التى وردتْ– بعد آلاف السنين– فى كتب الديانة العبرية. وهذا الموضوع انتبه إليه علماء الأنثروبولوجيا فكتبوا عنه (مُـجلدات) بعد دراساتهم لآثارالشعوب القديمة، ومن أبرزهم العالم الكبيرجيمس فريزرفى موسوعته (الغصن الذهبى) وكان- كذلك- من بين هؤلاء العلماء المُـفكــّـرالسورى الكبير(فراس السواح) الذى ذكرأنه حتى الرُبع الأول من القرن العشرين، بقيتْ المعلومات عن الميثولوجيا الكنعانية والأدب الكنعانى محدودة جدًا، ومُـعتمدة على مصادرمشكوك فى صحتها.. والسبب أنّ تلك المصادركانت مُـعادية للكنعانيين، كما هوالأمرفى كتاب التوراة الذى نقل الكثيرمن أسماء الآلهة الكنعانية والكثيرمن طقوسهم.
وبعد حل رموزالكتابة الأوغارتية (شديدة القرب من اللغة العربية) تمكــّـن العلماء من قراءة المكتوب على الألواح من كتابة، فاكتشفوا قائمة بأسماء الآلهة الأوغارتية مثل (إيل) كبيرالآلهة ورب السماء الذى يعتلى عرشه فى السماء السابعة. وقد شاعتْ عبادة هذا الإله لدى جميع الشعوب (السورية) فنجده فى الحواضرالفينيقية والآرامية فى الألف الثالث قبل الميلاد، كما نجده فى مدينة تدمروغيرها من الحواضرالسورية فى العصورالكلاسيكية المُــتأخرة. وقد عبده العبرانيون فى مطلع تاريخهم، وكان إله أجدادهم الأولين كما جاء فى التوراة فى سـِـفرالتكوين. كما نجد الإله (بعل) هورب المطروالسحاب والصاعقة. وكان الإله الأقرب لقلوب (العـُـبـّـاد) لعلاقته بمعاشهم، فهوسيد الدورة الزراعية التى يعتمد عليها البشرفى حياتهم.
ومن الآلهة المؤنثة عبد الكنعانيون (عشيرة) الأم الكبرى وزوجة (إيل) وكانت تــُـدعى أيضـًـا (إيلات) نسبة إلى (إيل) وما زال اسمها حتى الآن يـُـطلق على الخليج المعروف فى البحرالأحمرباسم (خليج إيلات)
وقد لعب إله الخصب (بعل) فى الأسطورة نفس الدورالذى لعبه (مردوخ) فى الأسطورة البابلية (الأينوما إيليش) فى قهرالمياه الأولى واحلال نظام الكون. والمياه البدئية هنا يـُـمثــّــلها (يم) ابن (إيل) ومع مراعاة أنّ كلمة (يم) تــُـستخدم فى اللغة العربية لتدل على البحر. ومع مراعاة أنّ النص الأسطورى فيه الكثيرمن المــُـترادفات والتشابه على طريقة الشعرالعربى.
فى هذا النص فإنّ الإله (يم) دخل فى صراع مع الإله (بعل) ويبدومن النص أنّ (بعل) تحاشى الصدام مع (يم) فى البداية ولجأ إلى مجمع الآلهة، الذى لايستطيع أنْ يحمى (بعل) من سطوة (يم) الذى كان يتمتــّــع بقوة فائقة. وجاء فى النص على لسان آلهة المجمع: ليكن (بعل) عبدًا لك أيها الأمير(يم) ليكن (بعل) عبدًا لك إلى الأبد.. وجميع الآلهة سوف يُـقـدّم لك الطاعة. وسيبذل لك التقدمات كأبناء القداسة. فثار(بعل) وقفزإلى سلاحه ليقتل الرسوليْن اللذيْن أرسلهما المجمع الإلهى، ولكن الإلهتيْن (عناة) و(عشتروت) منعتاه من القتل، لأنّ العرف يقضى ((بحماية حياة الرسل))
ولأنّ تراث شعوب المنطقة من بابليين وآشوريين مُــتقارب مع التراث العبرى، لذلك فإنّ (القسوة) واحدة، وهوما ظهرعندما أطلقتْ الآلهة على (بعل) اسم (العاصف) وطلبتْ منه (قتـْـل) الأعداء وأنْ يصعق الإله (يم) ثم كانت وصيتهم شديدة القسوة ((ولتكن اصابتك فى المنتصف بين العينيْن)) وبغض النظرعن أنّ هذا الكلام ورد فى (أسطورة) وأنّ الشخصيات (أسطورية) فإنّ المغزى هوتكريس القسوة حتى فى الأساطير. وأنّ تلك القسوة انتقلتْ بعد ذلك إلى إله بنى إسرائيل. ويظهرالتشابه بين الأسطورة الكنعانية والعهد القديم فى أنّ الإلهة (عناة) قرّرتْ الانتقام من الجنس البشرى وإبادة كل إنسان على وجه الأرض (ولم تذكرالأسطورة السبب) وقامتْ الإله (عناة) بتنفذ المهمة بنفسها، عكس الإله (إنليل) الذى اتخذ قرارًا مُـشابهـًـا فى بلاد الرافديْن ولكنه استعمل فى حملته الأمراض والأوبئة الفتاكة كما استعمل الطوفان (أنظرملحمة جلجامش) وبمراعاة أنّ (الطوفان) سوف يرد ذكره فيما بعد فى الديانة العبرية. ووصلتْ القسوة بالإلهة (عناة) لدرجة أنها كانت ((تغسل يديها بدماء البشر))
وكما أنّ الرب العبرى لم يكن له بيت فى البداية حيث كان يعيش فى (خيمة) كذلك فإنّ الإله (بعل ليس له بيت) فهل العيش فى (خيمة) سبب تلك القسوة التى وردتْ فى أساطيرالمنطقة ثم وردتْ فى الدينة العبرية؟ وكان المفكرالسورى فراس السواح أمينــًـا وموضوعيـًـا عندما رصد التشابه بين آلهة الأساطيروبين إله اليهود فكتب ((...وإذا كان (يهوه) قد حاول التشبه بالآلهة السومرية والبابلية، فإنه قد بزّهم (أى تفوّق عليهم) فى القسوة بما جنته يداه من أعمال الدمار والفتك والقتل، فهوإله حقود لايكتفى بعقوبة المُـذنب وحده، بل إنه يـُـتابع انتقامه من ذرية المـُـذنب ويحل عليهم غضبه وانتقامه، حيث ورد فى العهد القديم ((افتقد ذنوب الآباء فى الأبناء وفى الجيل الثالث والرابع من الذين يُـبغضونى)) وغضبه لايهدأ إلاّبالتضحيات التى تــُـحرق على المذبح ويـُـسرلرائحتها كثيرًا فنفرأ (ويُـرتب بنوهارون- الكهنة- القطع من الرأس والشحم فوق النارالتى على المذبح. أما أحشاؤه وأكارعه فيغسلها فى الماء، ويوقد الكاهن على المذبح محرقة وقود، رائحة سرورالرب)) (سفراللاويين– إصحاح 1/ من 5- 10) وغضب (يهوه) لا يزول بالتضحية بالحيوانات غيرالعاقلة فقط، بل لابد من التضحية بالإنسان حيث ورد فى النص العبرى ((إنّ جوعـًا وقحطــًـا شديديْن قد عما البلاد مدة ثلاث سنوات، وكان ذلك أيام الملك داود فيطلب داود وجه الرب، ويـُـفهم منه أنه حاقد من أجل شاول الذى قتل الجبعونيين، فيقوم داود بتقديم سبعة رجال قربانــًـا للرب حتى يهدأ، وسلــّــمهم إلى يد الجبعونيين، فصلبوهم على الجبل أمام الرب، فسقط السبعة معـًـا وقــُـتلوا فى أيام الحصاد)) (صموئيل الثانى– إصحاح 21/ 9) وأيضـًـا ((وتــُـوقد كل الكبش على المذبح، هومحرقة للرب، رائحة سرور. وقود هوللرب)) (خروج– إصحاح 29/ 17)
ورغم قسوة (يهوه) وجبروته فإنّ اليهود لم يتوقــّـفوا عن عبادة آلهة السوريين طوال تاريخهم، فهذا يعقوب نفسه يطلب من أهل بيته أنْ ينزعوا الآلهة السورية من وسطهم حيث نقرأ ((فقال يعقوب لبنيه ولكل من كان معه، اعزلوا الآلهة الغريبة التى بينكم وتطهـّـروا وبدّلوا ثيابكم... فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التى بين أيديهم والأقراط فى أذانهم فطمرها يعقوب)) (تكوين- إصحاح 35/ 2) وأتباع موسى يتركون (يهوه) ويتــّـجهون لعبادة الإله (بعل) حيث ورد فى النص العبرى ((وتعلــّـق إسرائيل ببعل، فحمى غضب الرب على إسرائيل، فقال الرب لموسى خذ جميع رؤوس الشعب وعلــّـقهم للرب مُـقابل الشمس، فيرتد حـُـموغضب الرب عن إسرائيل)) (سفرعدد– إصحاح 25/من 2- 4)
وكتب فراس السواح أنّ الرب العبرى (يهوه) ابتدأ بداية (وثنية) ثم (شقّ طريقه بدأب نحو الوحدانية. ولعلّ علاقته المُـبكــّـرة مع موسى تــُـظهرتلك البداية المُــتواضعة. حيث أنّ (يهوه) لايـدّعى العلم المُـطلق عندما طلب من اليهود أنْ يُـميـّـزوا بيوتهم بدماء الخرفان، فلا يُـهلكوا مع من يريد اهلاكهم من المصريين، فنصحهم قائلا ((ويكون لكم الدم علامة على البيوت التى أنتم فيها، فأرى الدم وأعبّـرعنكم، فلايكون ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر)) (خروج– إصحاح 12/ 13) وهذا الرب العبرى (الذى يخشى من الخطأ ولايستطيع التمييزبين بيوت المصريين وبيوت بنى إسرائيل) لم يكتف ب (هلاك) أرض مصر، وإنما وعد بنى إسرائيل (فى نفس الآية السابقة) بأنّ يوم هلاك مصرسيكون ((تذكارًا فتعيدونه عيدًا للرب. فى أجيالك تــُـعيدونه فريضة أبدية)) وأضاف فراس السواح أنّ ذاك الإله العبرى ((إله مُــتردّد يخشى شماتة الناس به وبشعبه. ولكن موسى (بذكائه) يستطيع أنْ يجعله يُـغيـّـر رأيه حيث جاء النص التالى ((حتى متى يـُـهيننى (نسبة إلى الإهانة) هذا الشعب. وحتى متى لايصدقوننى بجميع الآيات التى عملتُ فى وسطهم. إنى أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيرك شعبـًـا أكبروأعظم منهم. فقال موسى للرب اصفح عن ذنب هذا الشعب (أى بنى إسرائيل) فقال الرب قد صفحتُ حسب قولك)) (عدد 14، من 11- 21) وهذا الإله العبرى ينزل إلى الأرض ليصارع الوحوش والتنانين، بالضبط كما جاء فى الأساطيرالبابلية والسورية واليونانية، حيث ورد فى العهد القديم ((أنت شققت البحربقوتك. وكسرت رؤوس التنانين على المياه..إلخ)) (المزمور 74)
ونظرٌا للتشابه بين أساطيرالشعوب القديمة وما ورد فى العهد القديم كتب فراس السواح ((لقد بدأتْ المُـشابهات بن التوراة وآداب الشرق القديم تظهر، عندما بدأتْ الحضارات القديمة للمنطقة تتكشف من تحت التراب بواسطة الحفريات الأثرية، التى أحيتْ آدابـًـا كانت قد فــُـقدتْ منذ عهد بعيد. إنّ ضوءًا قويـًـا قد سُـلــّـط الآن على كتاب التوراة ونشأته. وأصبح فى وسع القائلين بالمعجزة التوراتية أنْ يُـدركوا أنّ آداب التوراة لم تظهركاملة النمو، وإنما مـدّتْ جذورها عميقــًـا لتشرب نسغ حضارات مُـعاصرة لها وأخرى سابقة عليها، وأنّ التربة التى أمـدّتْ مؤلفى التوراة بمادتهم (الأدبية) كانت تربة كنعان وآرام وأرض الرافديْن)) (مغامرة العقل الأولى– دارعلاء الدين بدمشق– عام 1976- ص 140)
وبعد أنْ نقل (فراس السواح) بعض النصوص من سـِـفرالتكوين العبرى، كتب ((يقتفى التكوين التوراتى أثرأساطيرالتكوين السومرية والبابلية والكنعانية فى خطوطه العامة وفى تفاصيله، فالحالة البدائية السابقة على الخلق حالة عماء مائى وظلمة سرمدية. ومن هذه المياه تمّ التكوين، حيث قام (يهوه) بتقسيم المياه إلى قسميْن: رفع الأول للسماء، وترك الثانى فى الأسفل فصاربحارًا، ومنها برزتْ اليابسة. وعلى هذه اليابسة باشر(يهوه) أعماله (الخلاقة) مثل خلق السماء والشمس والحيوانات والإنسان...إلخ.
فى حين أنّ القراءة المُــتأنية لنص التكوين التوراتى، تــُـظهرتناقضــًـا واضحـًـا فى أحداثه، ففى البدء خلق الرب السماوات والأرض، ثمّ نجده يخلقهما مرة ثانية بفصل المياه عن بعضها، ونجده يخلق البشردفعة واحدة ((ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم الله وقال اثمروا وأكثروا واملأوا الأرض)) (تكوين 1/27) يـُـلاحظ هنا استخدام كلمة (باركهم) بصيغة الجمع. ومرة أخرى يبدأ بخلق (آدم) من تراب ثم يأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًـا وأحضرها إلى آدم وقال له هذه تدعى امرأة وكانا كلاهما عريانيْن آدم وامرأته وهما لايخجلان)) (تكوين: إصحاح 2، من 7- 25) وتلك البداية تتشابه تمامًا مع قصة خلق الإنسان (من زوجيْن أولييْن) مع ما ورد فى الأساطير البابلية والسومرية. وقد رجـّـح العلماء أنّ التناقض فى التوراة سببه وجود أكثرمن (مؤلف) حيث يظهرالإله باسم (يهوه) مرة ثم يكون اسمه (إيلوهيم) مرة أخرى. ثمّ (الرب) ثمّ (الله) وأنّ (إيلوهيم يستدعى لفظ (اللهم) كما أنّ الشق الأول منه مأخوذ من (إيل) إله السماء الكنعانى. كما أنّ النبى إبراهيم كان اسمه فى البداية (أبرام) قبل أنْ يستقرالاسم على إبراهيم، وساره كان اسمها (ساراى) قبل أنّ يستقرالاسم على ساره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشوفينية العنصرية الفرعونية
معلق قديم ( 2017 / 9 / 19 - 15:16 )

عنوان المقال مع جلّ ما فيه ينضح بعنصرية لا صلة لها بالعلم الرصين لو حاول كاتبه نشره في بلد متحضر لمنع وتمت محاسبته. كيف مرّ على مراقبي الحوار المتمدن؟

اخر الافلام

.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري


.. 166-An-Nisa




.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام