الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايتان من -التجربة الدنمركية-!

باتر محمد علي وردم

2006 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المتابعة الإعلامية السريعة والمنهكة لمظاهر الأزمة بين العالم الإسلامي والدنمرك على خلفية نشر الرسوم المسيئة للرسول جعلتنا نبذل جهدا ووقتا كبيرا في الشؤون السطحية بدون أن نحاول الغوص عميقا في جذور هذه الأزمة والإجابة على الأسئلة الأكثر أهمية التي تركت بدون جواب حتى الآن، ولكنها ستخضع إلى المزيد من التحليل بعد أن نصل إلى حالة من الهدوء والتقاط الأنفاس.
أحد أهم الأسئلة التي ثارت في الأزمة كان يتعلق بالمواجهة بين الرموز الدينية وحرية التعبير، وكان الإدعاء الثقافي الأوروبي والغربي على وجه العموم يشير إلى أن حرية التعبير في الغرب هي حرية مطلقة، وأن المشكلة تكمن في العالم الإسلامي الذي لا يحترم هذه الحرية أو يقدرها، وقد نشرت مجلة نيوزويك الأميركية ذائعة الصيت موضوع الغلاف لهذا الأسبوع تحت عنوان: الإسلام والحرية: هل كتبت عليهما المواجهة؟
هذا المنطق لا يصمد أمام الوقائع، فحرية التعبير في الغرب ليست مطلقة، ولكنها انتقائية وتعمل ضمن سياق المعايير المزدوجة، ودعونا نثبت ذلك بقصة. في الأسبوع الأخير من العام 2005، وتمهيدا لمؤتمر قمة دافوس الذي ينظمه المنتدى الاقتصادي العالمي تم نشر العدد الأخير من مجلة Global Agenda التي تصدر عن المنتدى وفيها مقالة كتبها الناشط الفلسطيني-الأميركي مازن قمصية ويوثق فيها عن توجه المؤسسات المدنية في العالم نحو مقاطعة إسرائيل بسبب سياساتها العنصرية. المقال كان تحليلا علميا، بالوثائق والمعلومات والأرقام واستخدام المراجع ولكنه لم يصمد في امتحان حرية التعبير الغربية، حيث ثارت ثائرة إسرائيل والمؤسسات المدافعة عنها واللوبيات الصهيونية وتم سحب الأعداد من التداول الورقي، وشطب المقالة عن الموقع الإلكتروني وقيام السيد كلاوس شواب بالاعتذار شخصيا لإسرائيل عن هذا الخطأ التحريري الكبير في السماح لهذه المقالة بالنشر! حرية تعبير مطلقة إذا، لا تجعلوني أضحك!
السؤال الثاني في "التجربة الدنمركية": كان حول قيام صحيفة يولاند بوستن بالدعوة إلى إعداد هذه الرسومات ونشرها، وهل كان عملا فرديا أو ساذجا أم أن لا أبعادا فكرية وإيديولوجية سابقة؟ في هذا السياق لا بد من التركيز على السيرة الذاتية غير العطرة للسيد فلمنغ روز المحرر الثقافي للصحيفة، وبما أن الإنترنت لا تبقى قيودا أمام المعرفة فإن البحث البسيط عن إنجازات هذا المحرر الثقافي تعطي فكرة واضحة عنه.
السيد فلمنج روز ليس محررا ثقافيا ساذجا ولا محررا يهدف إلى الترويج بل يحمل فكرا عقائديا عنصريا بامتياز، تتوجه علاقته الوثيقة مع أشهر منظري اليمين الصهيوني الأميركي وأحد رواد فكرة صدام الحضارات ألا وهو دانييل بايبس مؤسس ومدير منتدى الشرق الأوسط وهو من أهم مراكز الفكر اليميني المتشدد ضد الإسلام والمنظر لمفهوم صراع الحضارات وخاصة بين الغرب ممثلا بالولايات المتحدة والحضارة الإسلامية، كما أنه من اشد المؤيدين لليكود والرافضين للتسويات السلمية أو أي نجاح للفلسطينيين في تحقيق سيادتهم على الأرض الفلسطينية.
من الواضح أن فليمنغ روز هو عضو في تلك الشبكة من "المثقفين" الغربيين ذات التوجه اليميني المتعصب، والذي قد يكون مرتبطا بالصهيونية العالمية والذي يحاول الترويح لمفهوم صراع الحضارات ووضع أغلبية المسلمين في مواجهة أغلبية الأوروبيين والأميركيين لخدمة أهداف متعصبة، ولكن ما أحس بالكثير من الأسف تجاهه هو أن بعض السلوكيات المتعصبة التي قامت بها بعض الجماهير المسلمة في حرق الأعلام والسفارات والتهديد بالقتل والتدمير قد ساهمت جميعها في تعميق فكرة صراع الحضارات وبالتالي تحقيق النجاح لدانييل بايبس وفليمنغ روز وعصابتهم. وهذا ما يتطلب دورا أكثر وعيا من المثقفين العرب لصد كل محاولات الإنحدار نحو ثقافة الكراهية المتبادلة وعدم تسليم العلاقة الإسلامية مع 5 مليارات شخص في العالم إلى أشخاص مثل أيمن الظواهري وبن لادن وأبو حمزة المصري ودانييل بايبس وفليمنغ روز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي