الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربى المقيد

أحمد على حسن

2017 / 9 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لعل أحد أهم سمات اللغة العربية هو ذلك الثراء الواسع جداً فى مفردات اللغة، وتكاد تكون لكل كلمة فى اللغة العربية أكثر من مرادف واحد قد تصل لعشرات وأحياناً مئات المترادفات!! ... ويبدو فى الكثير جداً من تلك المترادفات لنفس الكلمة مجرد فذلكة لغوية بلا معنى أو هدف .. فعلى سبيل المثال للأسد فى اللغة العربية أكثر من ثلاثمائة إسم، أشهرهم الأسد بالطبع، ويمكننا أن نسأل هل تعكس كل تلك المرادفات لإسم مجرد حيوان (حتى ولو كان هذا الحيوان هو الأسد .. والملقب فى أحد أسمائه بملك الغابة) هل يعكس ذلك ثراءاً فى اللغة العربية أم مجرد فذلكة لغوية بلا معنى وما يتبعه ذلك من تدوين وبيان الفروق بين تلك المرادفات وصك المعاجم للتسجيل والشرح .. ثم إستنفاذ لمخازن الذاكرة فى (عقول) هؤلاء العرب لحشوها بكل تلك المرادفات!!.... وخصوصاً أنه لم يصرف العرب نصف ذلك الوقت أو المجهود العبثى فى دراسة ذلك الحيوان نفسه .. كأن يقوموا بدراسه بيته أو طرق حياته أو تناسله أو غير ذلك!! ... فذلك الثراء (المزعوم) للغة العربية يكشف عن سطحية شديدة وإهتمام مسرف أشد الإسراف فى الإهتمام بالشكل بعيداً عن مضمون الأشياء وكشف هويتها وسبر أغوارها.

وفى تقديرى أن تلك الكثرة المبالغ فيها جداً لتلك المرادفات هى مجرد تعبير عن خواء حضارى، ونوع متعاظم من الملل والحياة الخالية من أى نشاط أو عمل حقيقى دوؤب ومنتج كالزراعة أو أنواع الصناعات أو فنون الموسيقى والرقص والإحتفالات الشعبية كما نجد فى الحضارات القديمة والراسخة المتاخمة لجزيرة العرب ... كما تعكس حياة هؤلاء العرب التى تفتقر للبهجة .. فعوضوا ذلك كله بتلك الفذلكة اللغوية، حتى أصبحت الفذلكة التى هى بلا معنى أصلاً هى مقياس العبقرية والإبداع !!.

لا يمكن إدراك مأساة العقل العربى دون إدراك ما عبروا هم انفسهم عنه فى لغتهم العربية ـ التى يصفونها بالعبقريةـ فاللغة العربية كاشفة وواشية بتكوين العقل العربى.
فالعقل العربى هو عقل مقيد بتعريف اللغة العربية نفسها، ففى المعجم يعنى (الإدراك) أقرب المعانى المتداولة والشائعة للعقل، وإن إختلف العرب فى تعريف موطن هذا الإدراك هل محلة القلب أم العقل بمعنى ذلك الجزء الموجود فى أدمغتنا (المخ).
والعقل بهذا المعنى (وحسب المعجم) يعنى بالإضافة لإدراك الأشياء تمييزها وإدراك حقيقتها، وهو يعنى ما يقابل الغريزة التي لا اختيار لها أو بمعنى أدق لا إدراك لها، والعقل هو ما يكون به التفكيرُ والاستدلالُ وتركيبُ التصوُّرات والتصديقات وبحيث يستطيع تمييز الحسن من القبيح والخير من الشر والحق من الباطل، لذلك فمن البديهى أن يصف العرب ذلك الشخص الأبله أو المجنون أو الذى أصيب بالهلاوس بفاقد العقل أو مختل العقل.

ورغم ذلك الثراء اللغوى (لحد الفذلكة) فى مفردات اللغة العربية (والتى أشرت لها فى الفقرة الأولى) فتكاد تكون نفس اللغة قد عدمت إيجاد لفظة أخرى بخلاف كلمة (العقل) للتعبير عن القيد والتقييد أو الحبس!!.

فى معاجم اللغة العربية نجد أن العرب إستخدموا كلمة (العقل) للتعبير عن ربط الدابة وخصوصاً دابتهم الأثيرة وهى الجمل !! ... فيقولون: عقل الجمل بمعنى ربطه وتقييده (ضَمَّ رُسْغَهَا إِلَى عَضُدِهَا وَرَبَطَهُمَا مَعاً بِالعِقَالِ لِتَبْقَى بَارِكَةً)، وإشتقوا كلمة (العقال) من (العقل) .. فالعقال هو الحبل الذى يربط به البعير، وهو نفس العقال المعروف عند العرب والذى( فى مفارقة مضحكة) مازالوا يضعونه فوق رؤسهم كجزء من الملابس التقليدية، وفى زمن متقدم نسبياً إشتقت كلمة (المعتقل) لنفس معنى تقييد بعض المعارضين السياسيين أو المفكرين أو حتى المبدعين ونحوهم، والذين هم فى الأغلب حرروا عقولهم وخرجوا عن المألوف بأفكارهم وغالباً ماكان هذا سلمياً .. ويصير الإعتقال (ليس إشتقاقاً من العقل بمعنى الفهم أو الإدراك ولكن من العقل بمعنى حبس العقل وتقييده!!)، هو عملية إلقاء القبض على هذا المعتقل وحبسه ربما لمجرد أنه تجرأ بإعمال عقله والذى قد دؤدى للخرج عما قد يطلق عليه الثوابت ... ويصبح المعتقل هو ذلك المكان الرهيب والمجهز لتفييد وحبس العقول بخلاف السجون التى هى وسيلة لتقييد وحبس الخارجين عن القانون جسدياً.
لذلك فليس غريباً وبهذا المعنى نفسه أن نصيغ عبارة (إنطلق من عقاله) بمعنى تحرر العقل وفك قيوده!!.

والخلاصة أن العقل العربى (وبصرف النظر عن أنه مازال البعض يظنون حتى الآن أن محله القلب!!) هو عقل مقيد ومازال محبوساً حتى الآن .. حبسته اللغة العربية قديماً، ومازال تأثير تلك القيود حتى الآن، فى نصوص تراثية مكتوبة بنفس اللغة .. ندور حولها ولا نستطيع حتى الآن (للأسف) الفكاك منها ... كالفراشة التى تدور حول النار حتى تسقط (للأسف ايضاً) محترقة فيها!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله