الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لهذه الأسباب يجب أن ننصت لمنظَّري الخلق-*-!

باسم السعيدي

2017 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المحاورة- لهذه الأسباب يجب أن ننصت لمنظَّري الخلق-*-!
بول برايترمان
ترجمة – باسم السعيدي
هل يمكننا أن نتعلم من الخَلْقِيين-*-؟؟ يمكن القول نعم، وليس صحيحاً أن نكتفي بما قاله ريتشارد دوكنز متعجرفاً ( إذا صادفت أحداً لايؤمن بنظرية التطور، هذا الشخص يمكن إعتباره متجاهلاً، أحمقاً، أو مجنوناً) وهنا ينتهي الأمر عند دوكنز!
الحوار خط سير ذو إتجاهين، وإذا أردتُ من الخَلْقي أن يتعلم منّي شيئاً، فمن حيث المبدأ علي أن أكون مستعداً للتعلم منه.
مقالتي الأخيرة عن المحاورة، (كيف تنقد الخَلْقيين بعمق في مقاربة نظرية التطور)، قادت بسرعة الى مراسلات مع عدد من مفكري الخَلْقيين، وكان هذا نافعاً في إختبار مجادلاتهم حول الوقائع التي يسوقونها ومزايا مدرستهم، فيما لو أدت الى شحذ سكاكين النقد والجدال عندنا نحن التطوريين وتقوية حججنا.
يتساءل الخَلقيون دائماً عن النظام البايولوجي بالغ التعقيد في الكائنات الحية، نظام يتطلب التفاعل والتناغم بین "أعضاء حيوية" عديدة كلٌّ يؤدي واجبه على أتمِّ وجه، وسؤالهم هو كيف يمكن للعضو الواحد أن يتطور بمعزل عن بقية الأعضاء؟
ربما أول ما يخطر في الذهن هو العين وحاجتها الماسة للشبكية، العدسة والبؤبؤ؟ الأزهار؟ والمياسِم؟؟ والأسْدِية؟ وهكذا، وهنا أجد إننا ملزمون بالإجابة على مستويات ثلاثة.
في ذهن الخَلْقي
على المستوى الإعتيادي، يقول الخَلقيون بأننا حين لانفهم كيفية حدوث الشيء بالوسائط الطبيعية، حينها علينا أن نعزوه الى تدخل فوق الطبيعي (إلهي)، وهذا ما أعتبره حجة عقيمة -**-، تتكلم من علٍ وهي مجادلة ذات نهاية مسدودة، لأنها تغلق الطريق على أي بحث عن الأسباب وتنهي المعرفة.

لو تنزلنا خطوة بعد عن علياء الترفع نزولا الى المستوى الثاني وهو ساحة الجدال، فنجد إن حجة الخَلقيين تفترض إن أي نظام بايولوجي معقد لن يعمل ما لم تكن جميع الأعضاء فيه تامّة النضج والوظيفة في وقت واحد لينجز دوره في العملية البايولوجية، حسناً، ربما هو لن يعمل بفاعلية تامة، أو بأداء غير كفؤ، لكن حتى نظام بايولوجي غير تام يمكنه أن يؤدي دوراً في عملية التطور، مع أعضاء قد تضاف عليه لاحقاً، فلو أخذنا نظام تخثر الدم مثلاً، وهو نظام يجمع في عملية واحدة عدة عوامل تقوم معاً بتوافق وتراتبية محددة في إنجاز عملية وقف النزف، وفي البكتيريا السوطية حيث تستغل العضو المحدد بتحقيق الدفع اللازم للحركة من خلال عدة نشاطات تتسبب بها جزيئات بروتينية.
الخَلقيون يأخذون هذه الأمثلة على أنها ادلة على التصميم الذكي، متناسين معرفتنا بآلية نشوء أو ميكانيكية عمل هذه الأنظمة المعقدة الناجحة والتي تتكون من أنظمة أكثر بساطة أنتجت معاً تعقيداً فعّالاً.
المستوى الأخير من الإجابة حين نتعمق بالتفاصيل، حيث تقوم أسئلة الخَلقيين بتصميم سلسلة برامج ممتازة لإجراء بحوث كثير منها (كما نظام في تخثر الدم والبكتيريا السوطية) هي فعلاً بحوث جيدة .
بالتأكيد إستفدتُ في قراءاتي الشخصية كثيراً من أسئلة الخَلقيين حول العين، ظهور أنواع جديدة، تطور الطفيليات، والسؤال الأهم والذي هو : هل كل أنواع التطور منتجاَ للتقدم؟؟ (والجواب المثير للدهشة هو "كلا" بسبب عشوائية الطفرات حيث إن الطفرات التي تحدث أو لاتحدث بالحقيقة لاتتعلق بأن هذه الطفرة سيتم الإستفادة منها أم لا .. أو كم من الطفرة سيتم الإفادة منه. إذا فبعضها يتم الإستفادة منه فعلاً،والبعض الآخر لا إستخدام له، وبعضها الآخر بالصدفة سيؤدي وظيفة حيوية ويزدهر وجوده، حتى لو كان ضاراً لبقية الأعضاء).
طرح الأسئلة الكبيرة
سؤال آخر مطروح: إن كنا قد تطورنا من القرود، فلماذا لم تزل القرود موجودة الى يومنا هذا؟ الجواب: نحن لم نتطور من القرود الموجودة حالياً، مثلما لم تتطور اللغة الإنجليزية من اللغة الألمانية الدارجة في يومنا هذا.
آخر سَلَف مشترك مع القرود كان موجوداً قبل 25 مليون سنة مضت، وكلانا تطور مذّاك الحين.
حسناً وما قولكم في الحلقة المفقودة بيننا وبين القردة العليا؟ وكذلك في الفجوات الموجودة في السجلات الأحفورية؟ وهل أحجم دارون نفسه عن ذكر الفقر في الأدلة الأحفورية في وقته كأخطر دحض لنظريته؟
في الحقيقة الأمور تغيرت منذ زمن دارون عن زمننا هذا، مع إكتشاف متحجرة أركيوبتركس، وهو جنس من الديناصورات شبيه بالطيور، في زمن عاصر الطبعة الرابعة لكتاب دارون (أصل الأنواع).
هنالك حلقات مفقودة، وستكون هنالك دوماً، لكننا اليوم نمتلك مئات الآلاف من المتحجرات والأحافير، جميعها تقع في المكان المناسب والترتيب المحدد للسجل الجيولوجي المنطقي المتوافق مع نظرية التطور، ولو كنا مثل الخَلْقيين نرفض نظرية التطور، لكان كلٌّ من تلك الأدلة سيكون بحاجة التفسير على أنه عملية خلق منفصلة، ما يعني أن لا قيمة لهذا الترتيب المنطقي الكبير والتوافق بين الأحافير والسجل الجيولوجي – على رأي دعاة التصميم الذكي-.
السجلات الأحفورية بالتأكيد غير متكاملة، لكن على نظرية (الخلق المنفصل) يجب أن لايكون هنالك أي سجلٍ أحفوري على الإطلاق.
خذ على سبيل المثال معرفتنا بتطور البشر. قبل قرن من الآن، كانت المتحجرة الوحيدة ذات الصلة بتطور البشر هي أحفورية إنسان "جاوة" (تدعى اليوم هومو إيريكتوس)، وكذلك متحجر (إبن عمنا) "إنسان النياندرتال".
وبعد ذلك وفي العام 1924 تم إكتشاف متحجرة جمجمة "طفل تاونغ" (أوسترالوبيثاكوس أفريكانوس)، ومذّاك الوقت ونحن نجمع ليس خطاً واحداً بل ثلاثة أو أربعة خطوط من الأنسباء وأبناء العمومة للإنسان الحديث، كلها قضت، ونجونا وحدنا كجنس بشري، ويقوم متحف سميثسونيان بإيضاح كبير لموضوع على هذا الرابط.
http://humanorigins.si.edu/evidence/human-family-tree
يثير الخّلْقيون عديداً من الأسئلة المهمة العلمية والفلسفية.
حالياً، نحن لا نرى عملية التطور حولنا؟؟ بالحقيقة نحن نرى ذلك، في كل وقت، وهذا هو السبب الوحيد الذي يدفع الطبيب الى تغيير نوع المضاد الحيوي في حقنة مضاد الإنفلونزا بسبب عملية التطور التي لا تتوقف لفايروس الإنفلونزا، وهذا ما يدفع الأطباء الى إكتشاف وتطوير المضادات الحيوية على مدار الساعة ليسبقوا عملية التطور لدى الفايروسات والمايكروبات.
أسئلة أكبر بعد.
كيف يبدو شكل السلف المشترك بيننا وبين الشيمبانزي؟ يسألون. وكيف يعزى كل هذا الإختلاف الكبير بيننا الى إختلاف صغير جداً على مورثات شريط الحمض النووي DNA ؟ أسئلة جيدة، ونحن لمّا نزل في طور البحث عن الأجوبة.
ما هو أصل الحياة؟ نحن لاندري، لكن الكثير من العمل يمضي قدماً في الوقت الحاضر، لاحظ إن هذا السؤال لا يتعلق بالتطور نفسه، بل بما يسبق إنطلاق عملية التطور.
وماذا تمثل العلوم التاريخية (دراسة الماضي) مقابل العلوم التجريبية المختبرية التي يمكن أن نكررها في المختبر منتجة ذات النتائج؟ - الفلاسفة لديهم الكثير من القول عن هذا، ولماذا من المضلل أن يزعم أحد، كما يفعل الخلقيون، أن العلوم التاريخية هي الأساس في سبر أغوار الحقائق.؟
إن كانت الأرقام والأدلة تشير الى حدوث أمرٍ ما، إذا علينا أن نُقرَّ بحدوثه، حتى لو لم تكن لدينا القدرة على تفسير كيفية ذلك. والمثال الأقرب للتصور هو قِدَم المجموعة الشمسية، فمن السجلات الصخرية وجدنا إن المجموعة الشمسية برزت الى الوجود في ازمنة بدت سحيقة ويستحيل على الشمس فيها (الأزمنة) أن تقوم بإنتاج هذا الكم الهائل من الطاقة ولكل تلك المدة الزمنية.
وفي الأخير يشكو الخَلْقيون من أن التطور لا يشرح عواقب الأعمال، ولا يقوم بتعريف الأخلاقيات، كما إنه لا يعطي معنى أو هدفاً لحيواتنا، لكن هل من المتوقع أن تقوم نظرية التطور بتقديم إجابات عن تلك الموضوعات؟ هنالك الكثير لنفكر فيه هنا في هذا المضمار، والكثير لنتعلم منه.
مع التطور، كما مع كل المجالات الأخرى، نحن عميان بسبب ما نعاني من التحيز والنظرة المسبقة للأمور، فنحن نرى فقط ما نريد أن نصدق به، ونتجنب تلك الأسئلة التي تشعرنا بالضيق والحرج.
لكن تلك هي الأسئلة التي نتعلم منها أكثر من غيرها، وعلينا أن نشكر أولئك الذين يثيرون تلك الأسئلة، سواء رحبوا هم بشكرنا أم لا.
بول برايترمان
مشرف بحوث بمرتبة الشرف، بمنصب أستاذ فخري في جامعة غلاسكو- المملكة المتحدة
ملاحظة (*) : إستخدم الكاتب كلمة الخَلقيين بقصد "الذين لايؤمنون بنظرية التطور"، والأصحُّ أن يستخدم عبارة (مؤيدو التصميم الذكي)، لأن الخَلْق من مختصات الخالق عز وجل، وعملية الخلق من الممكن أن تشتمل التصميم الذكي والتطور والخَلقيون ربما آمنوا بهذه أو بتلك، فبعض الخلقيين يقولون بالتطور ويرجعون بالخلية الأحادية الأولى الى الخالق جل وعلا. –المترجم-
(**): يعتبر الكاتب هذه الحجة عقيمة علمياً، وبالفعل هي حجة عميقة علمياً وإن كانت منتجة روحياً، لأن الأديان أمرت بالتعلم وكسب المعرفة، وفي القرآن الكريم (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)، ولو تواكل الناس عن كسب المعرفة والإطلاع على العلوم لما تطورت الحياة والطب والهندسة وغيرها. –المترجم-
رابط المقالة
http://www.sciencealert.com/listening-to-creationists-can-strengthen-our-own-understanding-of-evolution?utm_source=ScienceAlert+-+Daily+Email+Updates&utm_campaign=8bf4bb0f78-MAILCHIMP_EMAIL_CAMPAIGN&utm_medium=email&utm_term=0_fe5632fb09-8bf4bb0f78-365602762








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي