الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبرز رسائل الانتفاضة الإسلامية على الرسوم الدنمركية

سليمان يوسف يوسف

2006 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تهدأ بعد شرارة (الانتفاضة الإسلامية العالمية) التي اندلعت منذ أسابيع عديدة احتجاجاً على رسوم (كاريكاتورية) مسيئة للإسلام نشرتها صحيفة(جيلاندز بوستن) الدنمركية في ايلول الماضي وأعادت نشرها صحف أوربية أخرى.وقد فاجأت،السرعة والطريقة التي تفاعلت فيها ردود الأفعال العربية والإسلامية على الرسوم، الكثير من الأوساط في كل من الشرق والغرب معاً، وتركت إشارات استفهام عديدة لدى هذه الأوساط، خاصة ما جرى في كل من (سوريا ولبنان)، أكثر دول المنطقة اعتدلاً وتسامحاً في قضايا الدين.فهي المرة الأولى التي يتم فيها حرق سفارات وقنصليات دول أجنبية في (بيروت ودمشق) من قبل متظاهرين محتجين.وكادت (تظاهرة بيروت الإسلامية) الأحد في الخامس من شهر شباط الجاري، أن تشعل (حرب أهلية) جديدة في لبنان بعد أن قام الغوغاء والهمج المندسين بين المتظاهرين بحرق وتخريب العديد من المباني والمحلات التجارية والهجوم على بعض الكنائس في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية، فقد أحدثت التظاهرة اضطراب وتوتر أمني في العاصمة بيروت، ويرجح البعض من احتمال أن يكون هناك أطراف، محلية وخارجية، أرادت تفجير الأوضاع المتوترة وخلط الأوراق في لبنان.
لا شك،أن الجريدة الدنمركية، أكانت قصدت أو لم تقصد ذلك، هي تجاوزت حدود حقوقها في حرية (الرأي والتعبير) التي بررت بها نشرها لتلك الرسوم، لأن هذه الحرية لا تعني قطعاً المساس بعقائد ومقدسات الآخرين والنيل من رموزهم المقدسة.ومما لا شك فيه أيضاً، أن من حق المسلمين الاحتجاج على الاساءات التي لحقت بهم وبدينهم، لكن كان يجب أن لا تتعدى (الاحتجاجات الإسلامية) حدود القضية وحرفها عن مسارها وأن لا ترد على الإساءات بإساءات اشد انعكست سلباً على القضية التي دافعت عنها.فالممارسات البربرية والأعمال الهمجية التي رافقت بعض التظاهرات الإسلامية، هنا وهناك، وما رفع من شعارات متطرفة-حتى بنظر الكثير من المسلمين- أساءت للإسلام والمسلمين.
من الواضح، أن إثارة ( قضية الرسومات) وبهذه الطريقة في العالم (العربي والإسلامي) بعد أكثر من أربعة أشهر من نشرها ،لا يمكن عزله أو تحييده عن الاحتقانات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وعن العلاقة المتوترة أصلاً بين العديد من أنظمة دول المنطقة من جهة وأمريكا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، لأسباب يدركها الجميع، خاصة لما يحصل في العراق ولبنان وفلسطين. ويبدو أن الجهات المحرضة على التظاهرات الإسلامية تسعى لإبقاء هذه الأزمة مفتوحة لغايات وأهداف محددة، و لترسل عبر هذه (التظاهرات الإسلامية)أكثر من رسالة سياسية وبأكثر من تجاه، تفسر سبب تراخي وتساهل سلطات الأمن السورية- المعروفة بقدرتها على التحكم وضبط التظاهرات- في منع المتظاهرين من الوصول الى سفارات (الدنمرك والنرويج) وحرقها . فمن جهة: أرادت (الأنظمة المأزومة) في المنطقة تصدير أزماتها الداخلية الى الخارج وإبعاد الشعوب المقهورة عن قضاياها الأساسية، المتمثلة بالديمقراطية والحريات وتحسين الوضع المعيشي واحترام حقوق الإنسان، كما أنها أرادت تخويف هذه الشعوب (المحافظة والمتدينة) من الديمقراطية والحريات بتصوريها، للديمقراطية على أنها: (حرية الإساءة للأديان ورموزها المقدسة وانتهاك القيم والأخلاق العامة). ومن جهة أخرى: أرادت، هذه الأنظمة، أن تظهر قدرتها على تحريك الشارع العربي الإسلامي الغاضب ضد المصالح الأمريكية والغربية في حال تمادت( أمريكا وحلفائها) في ضغطها ومحاصرتها للأنظمة العربية والإسلامية المستهدفة. ومن جهة ثالثة: وربما هو الأهم من كل هذا وذاك ، أرادت هذه الأنظمة التي تخشى الديمقراطية، القول لأمريكا وحلفائها ولكل المطالبين بتطبيق الديمقراطية في دول الشرق العربي الإسلامي: (( أن الديمقراطية هي أسهل وأقصر الطرق لوصول هؤلاء الإسلاميين المتشددين الى السلطة)) بمعنى آخر ((إفهام الداخل والخارج بان البديل عنهم هو الإسلام المتطرف)).ومن جهة رابعة: سعي هذه (الأنظمة المأزومة) الظهور بمظهر المدافع عن الإسلام لكسب (التيارات الإسلامية) المتنامية الى طرفها في معركتها الراهنة مع الغرب الأمريكي والأوربي الضاغط عليها.وبالمقابل أرادت عموم (التيارات الإسلامية)التي كان لها الدور الكبير في التحريض على التظاهر وإخراج الناس للشارع،ابراز قوتها الشعبية والسياسية و الظهور بمظهر المدافع القوي عن قضايا الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي طرح نفسها بديلاً عن الأنظمة (القومية واليسارية) القائمة والمسئولة عن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة.أنهم جميعاً أرادوها معارك (سياسية) وعلى أكثر من جبهة تحت (عباءة الإسلام) وبحجة الدفاع عن حقوق الله الذي ليس بحاجة لمن يدافع عنه ، مستغلين بذلك المشاعر الدينية للمؤمنين وللجماهير المسحوقة ، في الوقت الذي يمنع على هذه الجماهير أن تخرج للاحتجاج على أوضاعها المزرية والمطالبة بتحسين حياتها. كما وقد أثارت أزمة الرسوم هذه العديد من القضايا والمسائل الفكرية والأخلاقية والسياسية الشائكة. أبرزها: (اشكالية العلاقة) بين الشرق (الإسلامي) والغرب (العلماني)، وقدرة كل منهما على فهم واستيعاب الآخر بما هي كيانات جغرافية وثقافية وتاريخية متمايزة عن بعضها.حيث تسببت هذه الرسوم بانفجار أزمة عالمية بين (العالم الإسلامي) وبين دولة الدنمرك ودول أوربية أخرى أعادت نشر الرسوم،وبالتالي رفعت هذه الأزمة من رصيد نظرية ( صدام الثقافات أو صراع الحضارات).كذلك أثارت، الانتفاضة الإسلامية، اشكالية العلاقة بين (الدين والسياسية) في (العالم العربي والإسلامي) وفرص نجاح العلمانية والديمقراطية وإقامة (الدولة المدنية) في المجتمعات العربية والإسلامية وكشفت عن مدى سيطرة الدين على الشارع العربي والإسلامي والدور الكبير والمهم الذي يمكن أن يلعبه (الدين) في تحريك هذا الشارع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة بيطرية بمحافظة المنوفية


.. لقاء الرئيس التونسي مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإ




.. 1-Ali-Imran


.. 2-Ali-Imran




.. 3-Ali-Imran