الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الإبداع عند الكاتب

صاحب الربيعي

2006 / 2 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ينهل الكاتب آليات ومفردات إبداعه من حالة اللاوعي ويخضعها لمنظومة الوعي لتحقق من صدقها حسب توجهاته البحثية والعلمية ولكن آليات ومفردات الشعر تختص بها حالة اللاوعي لأنها لاتحتاج للتحقق من صدقها من عدمه. إن الإبداع في الكتابة ليست حركة آلية يمتهنها الكاتب لطرق أوجه المعرفة، وأنما حالة خاصة من اللاوعي يمر بها ويستمد من خلالها آليات الفكرة ومضامينها وفروضها ونتاجها لتنساب عبر قلمه إلى بياض الورق دون عناء.
وبذلك فإنها ليست حالة دائمة يطلبها الكاتب حالما يشاء، فهي تحتاج لطقوس محددة خاصة بكل كاتب يستحضر من خلالها عالمه الغائب ليتواصل معه وينهل منه مادته الفكرية أو العلمية أو الأدبية. والطقوس ذاتها لايمكن خلقها قسراً للتواصل مع العالم الآخر، فهي متعلقة بالظروف النفسية أكثر منها بالظروف المحيطة.
إنها عملية معقدة ومترابطة في آن واحد لإنتاج كائن جديد، عي دوره ومسؤولية تجاه القارئ. وأي إخلال بتلك العملية تسفر عن خلق كائن مشوه، يكون عاراً على خالفه ويرفضه القارئ، فعمل منظومة الوعي للكاتب يتعطل لحساب منظومة لاوعيه ليتواصل مع العالم الآخر، وتلك العملية تحتاج للتأمل بالقلب وإطفاء العقل لاستحضار عالم لاوعيه ليستمد منه آلياته ومفرداته في العمل الإبداعي.
يرى ((لافون))"أن الكاتب إذ يخلو لنفسه وقلبه ويترك التصنع والتقليد حتى يستطيع أن يهتدي إلى أسلوبه، لكن لاتظن أن الطريق هيناً: ذلك الطريق الطويل بين الإنسان وقلبه!. أن القلب البشري لأعمق من أن يكتشف قراره من أول نظرة، لأنه بئر سحيق ترسبت فيه تجارب الجنس والأمة عبر آلاف السنيين على شكل طبقات".
إن وعي الكاتب برسالته ودوره الإنساني في الحياة ليس رغبة ذاتية يسعى إليها ولامسار يختطه لذاته عبر مسالك اللغة وقواعدها، إنها موهبة تلازم الروح ويصقلها الاكتساب المعرفي لإنتاج معرفة جديدة لايختص بها كل البشر. وإنما عدداً محدود منهم، فهم منتجين للأفكار والآخرين مستهلكين لها.
هناك فرق كبير بين المثقف ومنتج الثقافة، فالأول قارئ جيد واكتسابه المعرفي منحه القدرة على التمييز بين الرؤى والأفكار المنتجة لإصدار أحكامه عليها بما يتفق أو يتعارض ومستوى ثقافته وسعة تفكيره لكنه غير قادر على توظيفه في أنتاج ثقافة جديدة.
إن عملية توظيف الاكتساب المعرفي لإنتاج معرفة جديدة تقتصر على المبدع الذي تمتزج روحه بالموهبة والإبداع الذين يدركان المسالك بين القلب والروح التي تختص بهما العوالم الكونية لينهل عبرهما آلياته وأفكارها في إنتاج المعارف الجديدة.
يقول ((ابن سينا))"أنه كلما كنت أتحير في مسئلة ولم أمن أظفر بالحد الأوسط في القياس، ذهبت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق، وتيسر المتعسر وكنت أرجع في الليل إلى داري وأضع السراج بين يدي وأشتغل بالقراءة والكتابة. وحين يغلبني النوم أو أشعر بالضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب لاستعيد قوتي ثم أرجع إلى القراءة وحالما يأخذني النوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها وتتضح لي وجوهها فجميع العلوم التي وقفت عليها وتعلمتها كانت في منامي".
يخص العالم الكوني عدد محدود من البشر برسالته الإنسانية ليساهموا في الارتقاء بالعنصر البشري لمراتب أعلى من المعرفة، فالموهبة والإبداع من خاصة الروح لاتمنحها أسرار عوالمها إلا لبعض رسلها من البشر، فإن تخلو عن دورهم ورسالتهم الإنسانية تطفأ الروح مواهبهم وإبداعهم ليصبحوا رسلاً للشيطان بين البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟