الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطييف المكان

حسن كاظم عبيد

2017 / 10 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يرزح المجتمع العراقي بالكثير من الظواهر الاجتماعية التي لم يسلط عليها الأضواء والتي تحتاج إلى الرصد والمتابعة وجمع المعلومات والبيانات وتحليلها من قبل الباحثين والمتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والانثربولوجيا كمحاولة ضرورية لفهم هذه الظواهر وتحليلها وبيان أسبابها وما تتركه من آثار على حياة الأفراد في المجتمع.ومن بين هذه الظواهر هي ظاهرة تطييف المكان ونعني بتطييف المكان هو سيطرة جماعة مذهبية على حيز عام بالقوة واغتصابه بشكل مباشر "وضع اليد" أو بشكل مرمز ،غير مباشر عن طريق فرض قيم وطقوس وشعارات مذهبية بطريقة الأمر الواقع. يحدث تطييف المكان عندما تمارس جماعة أو بعض أفراد هذه الجماعة الذين ينتمون لطائفة و مذهب معين الهيمنة على مكان عام شارع أو مؤسسة رسمية أو دائرة حكومية"مستشفى ،مدرسة أو حرم جامعي..."، وفرض طقوسها وشعاراتها وممارساتها المذهبية على هذا المكان الذي لا يعود فقط لفئة أو لطيف أو جماعة معينة وإنما هو فضاء عمومي تشترك فيه كل المكونات المجتمعية.
لقد كفل الدستور العراقي حق الانتماء لدين أو طائفة أو مذهب معين، كما كفل ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية. وقد نصت المادة (10) على إن العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية،تلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية، هذه الحرية المقيدة بحدود حرية الآخرين.لم ينص الدستور على ممارسة الشعائر داخل المؤسسة الرسمية ذات البنية التعددية التشاركية لكل أطياف ومكونات المجتمع العراقي.وبالتالي فإن فرض هذه الطقوس والشعارات المذهبية من قبل بعض الجماعات أو بعض الأفراد على دوائر الدولة ومؤسساتها يجعل الآخرين ممن ينتمون إلى مذاهب أو أديان أخرى، خصوصا اؤلئك القادمون من خارج بغداد ولم يعهدوا هذه الأجواء في مناطقهم يشعرون بالخوف والفزع والقلق الشديد عند دخول هذه الدوائر الحكومية أوانهم سيشعرون بنوع من الهامشية لعدم قدرتهم على الجهر برفض هذه الممارسات أو تمكنهم من القيام بالمثل.
هذه الممارسات التي يقوم بها بعض الأفراد قطعا هي غير بريئة من فكرة المنفعة والمصلحة الشخصية لهؤلاء فقد يستغلها البعض لتخويف و ابتزاز المسؤول في هذه الدائرة الحكومية أو تلك وهي تؤدي بالضرورة إلى الانتقاص من هيبة الدولة وسيادتها على المؤسسة الرسمية، وتشعر المواطنون أتباع الطوائف والأقليات والمذاهب الأخرى ممن يعملون في هذه الدائرة والمؤسسات الحكومية بأنهم غرباء عنها أو إنها لا تمثلهم أو جرى السيطرة عليها من قبل طائفة أخرى. أن إقامة المواكب الحسينية وطقوس العزاء وتعليق صور الشخصيات والزعامات الدينية داخل متنزه عام كما هو الحال في حدائق أبو نؤاس أو في حرم جامعي أو على جسر الجمهورية في بغداد مثلا، يعبر بصراحة عن هذه الظاهرة .
أيضاً إن رفع الرايات والأعلام والصور وأية رموز مذهبية على أسطح وبنايات الدولة تستفز المواطنين من الطوائف والأديان الأخرى وتثير فيهم تساؤلات محيرة عن حدود الحرية الممنوحة للجماعة وشكل النظام السياسي القائم وموقفه من هذه الممارسات التي صمتت الحكومة إزاء تفشيها وانتشارها ما قد يفسر صمتها بالتأييد المبطن والموافقة على هكذا أعمال ،يفترض أن تمارس في اماكن معينة وداخل حدود جغرافية الجماعة.ايضاً يحصل تطييف المكان عندما يتم التجاوز على حدود الجماعة الجيوسوسيولوجية، ومحاولة إضفاء نوع من التعددية المذهبية على مكان خاص بطائفة معينة مثل بناء مسجد أو حسينية لمذهب معين في منطقة ذات طابع مذهبي مختلف أو تغطية الشوارع العامة لهذه المنطقة بالرايات والأعلام والصور ذات الدلالات والرمزية المذهبية ،اذ تمثل هذه الأفعال اعتداءً على المجال والحيز المكاني في نظر الجماعة الأخرى.أيضا رفع الإعلام ورايات الأمام الحسين"ع" على السيارات الحكومية كسيارات النجدة العامة وسيارات المرور والجيش وقوى الأمن الداخلي وخصوصا تلك التي كتب عليها شعارات وعبارات ذات طابع استفزازي للآخر، هذه الممارسات تثير الحساسيات والنعرات الطائفية والمذهبية، وتجعل الآخرين يشعرون أن هذه القوة العسكرية جاءت للثأر والانتقام لا للحماية وبسط الأمن، وهي تعزز فكرة خطيرة عند هذه الجماعات أن هذه القوات لا تنتمي لنا (نحن) بل تنتمي لـ(هم).إن تطييف المكان يضعف من تعزيز الوحدة الوطنية و يؤشر إلى هيمنة مذهبية واحتكار مزعوم لمؤسسات ودوائر حكومية يفترض تحييدها عن مثل هكذا ممارسات في دولة المواطنة والقانون المنشودة التي كفلها الدستور والتي نسعى لبنائها من دون نعرة طائفية ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز ولا إقصاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي