الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكنولوجيا السلوك حل لمعضلة المجتمع وبناء الدولة العصرية :

حيدر لازم الكناني

2017 / 10 / 11
المجتمع المدني


تكنولوجيا السلوك حل لمعضلة المجتمع وبناء الدولة العصر :
القسم الاول
من خلال ألقاء نظرة عامة على مجتمعنا فانه يقدم لنا أجابه واضحة وصريحة بأننا نسير ومنذ البداية على خطأ وهذا الخطأ سوف يصل بنا إلى نهاية الطريق الذي نجد فيه أنفسنا وسط غابة تعج بالوحوش المفترسة ولا يبقى فيها للناس المسالمين سوى الهروب أو الاستسلام لأنياب وحوش تلك الغابة ، فمنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ونحن نضع مسار التحكم البيئي في بناء الدولة والمجتمع في خانة الصدفة والحظ أو نتركه لمن يتحكمون بنا من اجل مصالحهم الخاصة وهو الأمر السيئ الذي سمح للأشخاص السيئين والحقودين بالتسلط على مجتمعنا والتحكم بسلوكياتنا وطالما ما أصابنا الضرر نتيجة هذا المسار الخاطئ .
أن معالجة إشكالية أي ظاهرة ينبغي علينا طرح عدد من الرؤى لتدارك هذه الإشكالية وتطويق أسبابها ومن ثم التغلب عليها . وفي الحقيقة لا توجد هناك رؤى شاملة ومتكاملة حيث أن اغلب هذه الرؤى هي منظومات من الأفكار والأطر النظرية المستمدة من تعاليم فكرية وحركات تاريخية عديدة . فقد ظهرت مجموعة من التصاميم الثقافية في الأدب اليوتوبي تصف التصورات عن الحياة السعيدة المثالية حيث يقترح من نادى بهذه التصورات عدد من الوسائل لتحقيقها ، فقد اختار مثلاً أفلاطون في كتابه "الجمهورية " حلاً سياسيا لمشكلات المجتمع ، في حين اختار القديس أوغسطين في كتابه " مدينة الله " حلاً دينيا للمجتمع ، أما توماس مور وفرانس بيكون وهما محاميان فقد اتجها نحو القانون والنظام ، وذهب ماركس إلى الحلول الاقتصادية كحل .
يقول والترلبمان أن أهم سؤال أمام الإنسانية هو كيف يستطيع الناس أن ينقذوا أنفسهم مما يعيشون فيه من البؤس ومن الكوارث التي تهددهم ؟ والإجابة على ذلك علينا أن نعمل أكثر على اكتشاف الكيفية التي تمكن الناس من جعل أنفسهم راغبين في إنقاذ أنفسهم . وهناك عاملان يدفعنا للبحث عن حلول واقعية وصحية لخلق مجتمع سليم والخروج من عنق الزجاجة التي قذفنا فيها القدر ، الأول هو اختيار أساليب مفيدة ومنقذه من اجل دافع البقاء بعد أن وصلنا إلى سفح الجبل وبدأت مياه الطوفان تسري بين أقدامنا وتجتاح كل شيء وما من مأمن ، الثاني هو مقارنة البدائل الأخرى الفاشلة بأساليب عظيمة مجربة وناضجة والكفاح في تجريب تلك الوسائل الناجعة التي تستند على أسس دقيقة ومنهجية علمية في معالجة واقعنا المتردي وإنقاذه من الجمود والاحتضار التي إصابته نتيجة الإيديولوجيات المريضة التي توالت على أدارته .
ولو اعتمادنا وجهة النظر التي تعتمد على الصرامة العلمية في هندسة السلوك البشري ربما تمنحنا قبلة الحياة كونها أكثر واقيه وقدرة تطبيقية كوجهة النظر التي تمخضت من أراء وكتابات العالم النفسي السلوكي الكبير فردريك سكنر B.F.Skinner(1904-1990) حيث كانت لديه رؤيا واسعة في تصميم المجتمع وقد طرحها في روايته ولدن تو Walden tow (1948) وهي روئيا تحاكي مجتمعاً علياً يوتوبياً Utopian تم هندسته سلوكيا يعتمد على مبادئ التكيف الإجرائي ، حيث تقوم فيه الحكومة بتعزيز السلوك الايجابي الملائم اجتماعيا ، في ” والدن تو” يطرح سكنر آراءه في مجتمع خيالي يتم التحكم فيه بتربية الأطفال، والعمل والترفيه والنشاطات الإنسانية الهامة الأُخرى، عن طريق التحكم بالظروف البيئية على نحو نافع. إن التكنولوجيا السلوكية التي يقترحها سكنر تهدف إلى تحسين ظروف المجتمع باستخدام منحى منظم و علمي. بمعنى آخر، إن خطة سكنر لا تترك الأمور للصدفة. ومع أن بعض الأشخاص المحظوظين يتعرضون حالياً لظروف بيئية مواتية، فإن سكنر يقترح توسيع هذه الظروف. وإذا كان سكنر مصيباً، وإذا نُفِّذت خطته على نطاق واسع، فسوف تتفجر الطاقات الإنسانية إلى مستوى يفوق بكثير مستوى الآمال الحالية.حيث أن تطبيق مبادئ السلوكية في تصميم الثقافة هو اقتراح طموح كان ينشد أليه سكنر .
ويطرح كتاب سكينر، ما وراء الحرية والكرامة، الذي صدر في عام 1976، قضايا مشابهة نوعا ما لتلك التي طرحتها رواية " والدن تو walden two" فهذا الكتاب ليس ضربا من ضروب الخيال، ولكنه دراسة حول حاجة المجتمع إلى التكنولوجيا السلوكية ( أو الهندسة السلوكية) و المشكلات التي قد ينطوي عليها تطوير مثل هذه التكنولوجيا. واقترح سكنر في كتابه تجاوز الحرية والكراهية Beyond freedom and Dignity مجتمعاً مهندساً سلوكياً من خلال التنظيم البيئي لتشكيل السلوك البشري وما يسمى تشكل السلوك ويتم فيها التلاعب في تشكيل النشاطات البشرية وتصميمه وفق ما نريد على أساس التحكم ببيئة الفرد ومحيطه الذي يعيش فيه من خلال الأحكام والقواعد والنظم الموضوعة ، فلا مكان للعبثية والتلقائية في هذا المجتمع اليوتوبي الذي يخضع فيه الكل لمساراته المحددة والمنظمة وفق الأساليب الاجرائية للسلوك على مبدأ المعززات والثواب ويعتمد فيها على تطبيق مبادئ الاشراط الإجرائي في السلوك الإنساني بعد أن تم تجريبها على قطاعات واسعة سواء على البشر أو الحيوانات وأعطت نتائج مذهلة في تشكيل أو التحكم أو تعديل السلوك ، وقد كتب سكنر على أهمية السلوك الإجرائي في التربية والتجارة والدين والعلاج النفسي وإدارة الدولة وفي مختلف العلاقات الإنسانية ، وبين كيف أن الاشراط الإجرائي يمكن أن يقدم الأساس للمجتمع المثالي الذي يمكن تحقيقه فعليا من خلال العمل الجاد والمضني . فالناس وفق هذا المجتمع تتصرف بعملية ومسؤولية وفق المعززات التي يتلقوها من قبل مؤسسات الدولة . في هذا المجتمع اليوتوبي تكون مسألة الحرية غير موجودة حيث يعتقد سكنر أن الإرادة مجرد وهم ، ففي رواية ولدن تو لا توجد حرية فقط توجد حرية مدركه لان المجتمع هو من يتشكل shaping على أساس المعززات . و بالطبع فإن ذلك لا يعني أن الشعور بالمسؤولية والحرية والكرامة سوف يتلاشى، ولكنه يعني ببساطة أن الاعتماد التقليدي على هذه المفاهيم التي تطغى على المجتمع حالياً سيتم استبدالها بالأساليب السلوكية. وكما أشار سكنر مرارا وتكرارا، فإن عماد منهجه السلوكي هو التعزيز الايجابي، فهذا هو أسلوبه المفضل لضبط السلوك، وهو في رأيه، لا يحث الناس على القيام بالسلوك الجيد فحسب، ولكنه يجعل شعورهم جيداً أيضاً.
............................................................
انتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني من المقال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لا عدالة مناخية دون حقوق الإنسان-.. مظاهرة في باكو تدعو لوق


.. لحظة اعتقال متظاهر مناصر لفلسطين في أمستردام




.. دافع عن خطة الترحيل الجماعي للمهاجرين.. ماذا نعرف عن الرجل ا


.. بشرى إلى النازحين… أصبح بإمكانكم تقديم معاملاتكم في أي قلم ن




.. الأخبار في دقيقتين | ولي العهد السعودي يؤكد: فلسطين مؤهلة لع