الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة مستمرة رسوم هزت العالم

سحر حويجة

2006 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشعرة التي قصمت ظهر البعير ، تلك الرسوم الكاريكاتورية التي ظهرت في أحد الصحف الدنماركية، وامتدت لتنشر في أكثر من صحيفة على مساحة أوروبا، مهما كان القصد من إشارة البدء التي أعلنتها تلك الصحيفة، سواء كانت ملهاة، سلوك أحمق بريء، أم أنها فعلاً تسعى إلى خلق أزمة قد تتحول إلى مأساة على صعيد العلاقات الدولية، فمن المؤكد إن هذا الفعل ، مع ردود الفعل المواجهة ، لم تكن الصاعقة في سماء صافية، بل كانت نتيجة تطورات الأوضاع على مستوى العالم، تخدم مصالح هذه الدولة أو تلك، تبعاً لوجهة الصراع وأهدافه، في الواقع إنها أكثر ما تخدم هو المشروع الأمريكي ، حيث إن الحدث من زاوية المصالح الأمريكية، يشكل لحظة فاصلة بين مرحلتين من الصراع ، عبر استثارة العداوة بين الشعوب الإسلامية والشعوب الأوروبية، بما يخدم إعادة اصطفاف جديد للقوى ورسم تحالفات، خلف أمريكا واعطاء الدفع للمشروع الأمريكي من جديد، والأهم من ذلك تفسير للأزمة التي يعيشها المشروع الأمريكي، والمشروع الغربي في المنطقة الإسلامية، الداعي إلى الإصلاح والديمقراطية، أمام سيطرة القوى الدينية في أكثر من مكان تنشر به الديمقراطية، بما يتعارض مع الأهداف المعلنة للتحالف الأمريكي، وتغطية وتبرير الممارسات بحق المعتقلين الإسلاميين المتشددين من قبل الإدارة الأمريكية ، بعد الفضائح التي أثارتها جماعات حقوق الإنسان على الأخص معتقل غوانتانامو.
في العودة إلى ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كانت أمريكا قد طرحت شعار صراع الحضارات وعملت على تعبئة أيديولوجية وسياسية، على المستوى الأوروبي والأمريكي، من أجل تبرير الحروب العدوانية التي شنتها على أفغانستان، ومن ثم على العراق، ولكن على وجه السرعة الدول العربية والإسلامية رفضت هذا الطرح ودعت إلى التبادل وحوار الحضارات، لكن الحوار كان شكل آخر من أشكال الصراع، كان موجهاً إلى الأنظمة بأساليب الضغط والابتزاز، والإكراه، من أجل تقديم تنازلات، ولم يمتد الحوار على مستوى الإعلام والمؤسسات والمثقفين، إلا بالحدود الدنيا غير الفعالة، لغياب المؤسسات المناط بها القيام بهذه المهام، وكانت صدى لهذا الطرف أو ذاك، لذلك كان الحوار أشبه بحوار الطرشان. ولكن على خلفية الصراع الدائر ، والوقائع والأحداث المرافقة، من حوادث الإرهاب التي انتشرت في أوروبا باسم الأصولية الإسلامية، ومن حوادث الإرهاب في العراق، تم تكريس صورة للإسلام في الإعلام ومن ثم في الثقافة الغربية ،كما جسدتها الحركات الإسلامية الأصولية ، عندما أعلنت أنها تعتمد على أصول الشريعة وعلى التراث كما تركه الأجداد في القرون الوسطى. الأصولية الدينية التي تعمل على آلة القتل الجماعي في كل مكان من العالم، باسم لا إله إلا الله محمد رسول الله أليس هذا التوظيف السياسي للإسلام ، هو الذي قدم مادة الإساءة الأساسية لرسول الإسلام، في صورة القتل والتكفير، وكان السبب الأول لاستنفار معاداة الإسلام من قبل الآخرين .
اتسعت صورة المد الإسلامي حيث الإسلام يشكل قارب النجاة في مواجهة فساد الأنظمة واستغلالها، من أجل عدالة ربانية، إضافة إلى إنها الملهم للمقاومة التي اتخذت طابعاً إسلامياً ، من لبنان إلى فلسطين، إلى العراق، كذلك سيطرة تيار متشدد على سدة السلطة الإيرانية، كل ذلك شكل دافعاً للمواطن الأمريكي والأوروبي، على البحث في الثقافة الإسلامية، كما يصورها الإعلام الغربي وكما تطرحها السلفية، لكن مهما تباينت المواقف من الرسوم الكاريكاتيرية فإنها لا تخرج عن إطار الحوار ، إن الثابت في المشهد الجاري ، هو ذلك التداخل بين الدوافع السياسية مع التناقض الحضاري ، وتداخل الحوار مع الصراع، في مشهد يكثف كل تناقضات عصرنا وتوتراته:
على المستوى الحضاري: حيث إن الحضارة الأوروبية الحديثة قامت على أساس مشروع ثقافي تنويري، أهم خصائصه إخراج العقلانية من حدود الغيب، بدأت معاركه في خضم صراع تنويري، بين العقل المسيحي والعقل العلمي، دام قر ون انتهى بإحداث قطيعة معرفية وسياسية مع التصور الإلهي، للقانون، والعالم والحياة، على اعتبار أنه معيق للحداثة. تم فصل الدين عن الدولة ، وتكرست الدولة العلمانية ، وتحول المعتقد الديني إلى جزء من حريات الأفراد الخاصة ، التي تقوم على أساس مساواة المواطنين جميعاً أمام القانون، ومساواتهم في الحقوق والواجبات. وأصبح الدين والمؤسسات الدينية، جزء من المجتمع المدني، يساهم في العملية الديمقراطية والإرتقاء بالقيم الإنسانية.
تجلى التناقض الحضاري ، من خلال تناقض الرؤية، بينما يرى المسلمون أن صحيفة دنست مقدساتنا، ، حيث تولد رد فعل غريزي يغذيه الموروث والتقاليد، وغاب الرد العقلاني الذي يقوم في العمل على تغيير صورة الإسلام عند الآخر، اندمجت الطائفة كمعتقد تقوم على ممارسة هذه الطائفة أو تلك الطقوس الدينية، مع الطائفية السياسية ، التي تقوم خدمة لأهداف سياسية معينة، أما الأوروبيون فقد بنوا رؤيتهم على أن هذه قيم قروسطية، لا يمنع من التعليق عليها. ردهم بدا عقلانياً ، الهدف الأول منه هو الدفاع عن حرية الرأي وحرية الصحافة، حيث اتسعت رقعة الصفحات الأوروبية الكاريكاتورية، تعاطفاً ، مع الصحيفة الدينامركية ، أكدوا بتكرارهم الحدث، على خوفهم من أن تمس حرية الصحافة بسوء.

طالب المسلمون بمحاكمة الفنان الذي رسم الكاريكاتور، مع أنه لا يوجد نص قانوني يعاقب الناشر، ولا إمكانية لسلطة للدولة على الصحافة، طبقاً لمبدأ فصل السلطات، الذي يقوم على عدم تدخل الدولة بسلطات القضاء، وعلى إن الدولة الديمقراطية هي دولة الحرية وهي ضامنة للحريات ، ومنها عدم التدخل بحرية الصحافة والفكر.
الدول الإسلامية والنخب المثقفة، ما بالك بالجماهير، بدت لها هذه الحقائق عصية على الفهم، هذا في جانب منه دليل على فقرنا بالثقافة الديمقراطية، بل إن هذا الحدث كان فرصة للأنظمة الاستبدادية، من أجل الدفاع عن دورها الرقابي، على حرية الرأي والفكر، والصحافة واعتقال المارقين . وكانت الرسوم مثال عملي واضح حول مخاطر حرية الصحافة..
على المستوى السياسي كان استغلال الدول الإسلامية للحدث ، مبالغاً فيه، فهو يعكس الأوضاع الخاصة لهذه الدول أو تلك ، سواء على مستوى علاقتها بالداخل أو الخارج ، حيث كانت هذه الاحتجاجات حصن الأنظمة في الدفاع على ما تسميه خصوصية هذه الدول في مواجهة المطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية الآتية من الخارج، أو كانت تعبير عن أزمة تعيشها هذه الدولة أو تلك كما هي حال كل من إيران، وسوريا، ولبنان، حيث كانت ردود الفعل هي الأشد، تم توظيف الحدث بشكل مفتعل ، لا يعكس ردة الفعل الواقعية، إيران تحاول استنفار واستنهاض الشعوب الإسلامية، ودعم المد الإسلامي، في سياق سعيها لزعامة إسلامية، و من أجل السير في ركابها ضد الضغوط الغربية. أما في سوريا التي يمنع فيها الاحتجاج والتظاهر، إلا إذا كانت بناء على طلب السلطة، فقد حصلت مفارقة في نفس اليوم الذي قامت به هذه المظاهرة الحاشدة، حيث إن السلطات السورية منعت مجموعة من المثقفين على عقد ندوة، دعى لها منتدى الأتاسي، كانت هذه المظاهرة مناسبة من أجل تعزيز قوة السلطة واستمرارها ، من خلال إظهار قوة التيار الديني المتشدد في صورة غضب ، تجاوز كل الحدود، بدت السلطة عاجزة عن ردعه، خلافاً للواقع حيث إن التيار الديني المتشدد يخاف أن يعبر عن نفسه، وهو عرضة للاعتقال، إن السلطة تطالعنا بين فترة وأخرى بالقبض على مجموعة متشددين، هذا لا يعني عدم قوة التيار الديني في الواقع ، ولكنه غير مؤطر سياسياً، وتابع الأشخاص أو مؤسسات تحت رقابة السلطة، وفي خدمة السلطة، ولكن أن تظهر السلطة قوة هذا التيار ، فهي كما أكدت التحليلات رسالة للخارج أن البديل عن السلطة القائمة، هي تيارات أصولية متشددة، كذلك لتطمين إيران إن التيار الديني فاعل وبخير ويتمتع بحرية كبيرة.
وهي رسالة للداخل وبخاصة الأقليات، على أهمية الالتفاف حول السلطة، ضد القوى المتشددة المتطرفة، إضافة لإضعاف المعارضة السورية، حيث إن هذه المعارضة تنقسم بين رؤيتين ،الأولى تقول إن مستقبل سوريا لا يكون إلا علماني، أما الرؤية الثانية فإنها تقول الإسلام المعتدل العقلاني، سلوك النظام هذا فضح نفسه بنفسه حيث لم يتم القبض على المعتدين ومحاكمتهم.
أما على الصعيد اللبناني فهي إلى جانب السعي لإظهار ضعف السلطة وعجزها، وهدف افتعال فتنة طائفية، فكانت المظاهرة مناسبة لإظهار قوة التيار المتشدد، وتوظيف ذلك، في خدمة الساعين لاتهام الأصوليين في عمليات الاغتيال المتكررة في لبنان.
يبقى أن نقول إن الحركات الإسلامية ليست نتاج التاريخ الإسلامي ، بل هي نتاج عصرنا وتوتراته ، لا يمكن تفسير ما يحصل من خلال الأيديولوجيا الدينية ، بل يمكن تفسيره من تناقضات عالمنا، من أزمة المشاريع القومية والوطنية، من فشل عملية التحديث التي ادعتها الأنظمة، من الفساد والاستبداد الذي يسد مسام المجتمع، حيث دفعت بالمجتمع للعودة إلى مكوناته البدائية، وسيطر الفعل الغريزي، وأصبح الولاء للطائفة على حساب الولاء للأمة أو الوطن، من عولمة كاسحة تقفز فوق الأمة والدولة والفرد، فتم تزكية الطائفية بصورة الدفاع عن الهوية، ، لكن بشكلها السلبي، بسبب غياب مشروع حداثة وطنية على الصعيد الاقتصادي ، والاجتماعي والسياسي. ويبقى أخيراً أن نقول ، إن الرد العقلاني ، يقوم على عدم إخراج الحدث من دائرة الحوار ، الذي يعتمد في جانب أساسي منه على نقد الأصولية والتطرف والتشدد، وإيضاح إن سلوك الصحافة الأوروبية يقوي ويعزز الأصولية الدينية، في نفس الوقت يجب التأكيد على قيم الحرية والديمقراطية، وحرية الصحافة، والاجتهاد في المواضيع الدينية بما يتلائم والعصر، هذه الوسائل هي الأهم لحماية المقدسات، وحماية الرسول.
سحر حويجة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah