الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خائف عليها من الحمقى!

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 10 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قضية هجوم بعض الأولياء المتكرر على المدارس. مرة لتعنيف معلمة. ومرة لطرد مدير. ومرة لمنع سفيرة كندا من حضور حفل موسيقي كان نظمه التلاميذ في إطار عمل ثقافي مدعوم من الدولة الكندية! ... وتصاعد العداء لمنظومة حقوق الإنسان وقيم الحداثة في الوسط التلمذي، وازدراء مادة الفلسفة...
وقضايا أخرى مشابهة كاستشراء العنف والفوضى وانعدام الاحترام، وتطاول الفاسدين والمهربين وربان قوارب الحرقة، وعدم الخوف من العقاب ... كلها وجوه متعددة لمشكل واحد.
هذا المشكل هو ضعف الدولة المتوازي مع تفاقم الفقر.
وكل الخوف أن يكون الأمر مقصودا ومخططا له من قبل قوى نجحت في ترويض خصومها من خلال مشاركتها في الحكم، والتظاهر بالتحالف معها وبالحفاظ على الدولة. ومن وراء الستار تعمدت تعطيل القضاء وثنيه على آداء مهمة إقامة العدل وفرض النظام. والهدف البعيد من هذه السياسة المخاوزة، ومن هذا الهجوم البارد، هو نخر الدولة من الداخل وتحطيم هيبتها دون ضجيج، لتسهيل الإجهاز عليها لاحقا وإعادة تشكيلها وفق رؤيتها ومشروعها السلطاني.

الخوف، كل الخوف أن يكون وضع البلاد اليوم، ناجما عن تنفيذ المخطط (ب) بعد أن فشلت تلك القوى في تدمير ما تسميه "الدولة العميقة" بالمواجهة المفضوحة. فاختارت سياسة تعميم الفوضى واليأس والفقر وعدم الأمان، وما قد يرافق هذه المآسي من فقدان الثقة في الدولة، وهروب جماعي للخرافة والأوهام.

والسؤال الجوهري، هو لماذا تجنح قوى الإسلام السياسي إلى تدمير الدولة، والحال أنها موجودة في السلطة؟

من المعلوم أن الهدف المجيد والرباني للإخوان المسلمين مثلا، هو إقامة ما يسمونه "دولة الخلافة". وهم يقصدون بها الدولة التقليدية التي تتماشى مع فلسفة الحكم الديني. بمعنى الدولة التي تقوم وظيفتها في الخارج على الجهاد والدعوة وتصدير الإسلام الأصولي. وفي الداخل على تأمين السلام والأمان للجماعة المنضوية تحت لوائها، مقابل ما تتلقاه من ضرائب وخدمات عينية، تاركة للمجتمع مواجهة تحديات الحياة الفردية والجمعية وتنظيمها وفق شرع الله وسنة رسوله.
ولا شك أن هذه الفلسفة تتعارض مع نمط الدولة الحديثة التي تبني شرعيتها على ما تقوم به لصالح المجتمع من أعمال، وما تنفذه من مهام، تصبو إلى إعادة تشكيل شروط حياة المجتمع الاقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية وفق قيم الحرية والمواطنة والمشاركة السياسية والتضامن الاجتماعي، ضمن الانتماء للوطن، والولاء لهذه الدولة التي تتفرد بالقرار والمسؤولية على المجتمع برمته وفي شتى مجالات الحياة ونوابضها: من تأهيله للدخول في عصر الثورة العلمية والثقافية، مرورا بصيانة السلام الأهلي والأمن، وخلق فرص العمل، وتأمين الضمان الاجتماعي، وتعليم الأجيال، وفتح المستشفيات، وصولا إلى توفير الكهرباء والماء والخدمات العامة التي يعد توفرها مبررا لوجود الدولة.

فالدولة الحديثة بما هي رابطة سياسية مواطنية قائمة على أسبقية التعاقد بين أفراد أحرار متساوين يجمع بينهم الدستور الذي تواضعوا عليه، لا يمكن إلاَّ أن تفسد الأخوة الدينية ومنطق الملة والشراكة في الإيمان القائم على أسبقية الولاء للجماعة وتطبيق الشريعة والالتزام بتقاليد السلف الصالح وأعراف الأمة الإسلامية.
وبهذا المعنى، فإن "الدولة الحداثية العلمانية المعادية للإسلام" كما يصفها الشيخ راشد الغنوشي، هي دولة مواطنيها على مختلف اعتقاداتهم وأصولهم وتأويلاتهم الدينية وغير الدينية. وفي إطارها على الجميع أن يقبل بمبدأ الحرية كقاعدة لبناء حياة سياسية مشتركة. وليست دولة الإسلام التي حارب من أجل إقامتها الإخوان المسلمين طيلة القرن الماضي بأكمله.
.ولا يمكن بأي حال من الأحوال بناء دولة الإسلام التي تمثل إرادة الله، والعودة بالمجتمع إلى أصول الدين والسنة النبوية، إلا بتحطيم الدولة "غير المضمونة"، هذه الدولة الوثنية البورقيبية العميقة التي تمثل إرادة البشر، وتعمل على تحقيق غاياتهم وأهدافهم. وبالتالي تحطيم ما تمثله من قيم الحداثة المعادية للدولة السلطانية، التي يسميها الإسلاميون "دولة الإسلام" أو "دولة الخلافة".

إن دولة الخلافة لا يمكن أن تعود. ولا يمكن أن تعيش وتستمر إلا بتفكيك المجتمع وإخضاعه، ونزع رابطته الوطنية المضادة للرابطة الإسلامية. وتجريده من إرادته الحرة المتعارضة مع إرادة الشرع ومقاصده. وحرمانه من أية فرصة للتكون كشعب متفاهم على الولاء لدولة مدنية منظمة، تستمد مشروعية وجودها ومبررها الأخلاقي من توحيد الجماعة الوطنية وتحقيق الحرية والكرامة للفرد.

اليوم، صرت أشك في أن يكون وضع بلادي المخيف بلا فعل فاعل وبلا يد خفية وراءه. وصرت أخشى أن يكون تحصين الفساد، وتعطيل القضاء، والسكوت على الخراب، والتشجيع على انتهاك القانون، كلها معاول ناعمة لتدمير الدولة من الداخل، في إطار مغامرة حمقاء يظن أصحابها أن دفع البلاد إلى الغرق، هو السبيل الوحيد للاستحواذ على المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب


.. البابا تواضروس الثاني : نشكر الرئيس السيسي على تهنئته لكل أق




.. البابا تواضروس الثاني : في عيد القيامة المجيد نتلامس مع قوة