الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطل العربي

ماهر رزوق

2017 / 10 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أريد أن أتحدث اليوم عن ظاهرة مهمة ، ربما ننتبه لها أحياناً ، و أحيانا كثيرة لا نلاحظها ، حيث تضيع هذه الظاهرة عندما تختلط معها مشاعرنا النبيلة كالوطنية و الحب مثلاً ...
هذه الظاهرة هي حاجة العربي الملحة و الدائمة و الضرورية (حتى) إلى وجود البطل : المنقذ و المخلص ...
فإذا لم تتوفر صفات البطولة في شخص القائد السياسي و العسكري ، فإنه يبحث عنها دائماً في شخصيات أخرى ، كالمطرب أو لاعب كرة القدم أو الممثل أو حتى بعض الشيوخ أو الوجوه الإعلامية !!

لاحظ معي عندما يلعب فريق ما مع فريق منافس له ، ستجد أن بعض الأشخاص يشدّهم الحماس و يتوهجون بالقلق كالقنابل الموقوتة التي ستنفجر فرحاً أو حزناً و غضباً ... تشعر بأن ذلك الشخص قد ربط مصيره كله بمصير ذلك الفريق الذي يقوده البطل المنقذ الذي يسجل هدفه في آخر لحظة !!
حاول أن تمازح هكذا شخص ، و وجه نقداً لاذعاً أو ساخراً لذلك البطل ، و ستعرف عندها ما أعنيه ، بأن ذلك الشخص قد تماهى تماماً في شخصية البطل ، الذي تحول إلى رمز أكثر منه مجرد إنسان !!

كذلك نلاحظ هذه الظاهرة مؤخراً في برامج المسابقات الغنائية ، التي يتنافس فيها أشخاص من كافة الدول العربية ، فعندما يبقى واحد فقط من كل دولة ، تشعر أن ذلك الشخص تحول إلى البطل الذي يمثل دولته و شعبه كاملاً ... و تلاحظ أن ذلك الشعب قد تعلّق به كالأمل المفقود و الوصفة السحرية للتغلب على الواقع البائس ... صوره تملأ وسائل التواصل الاجتماعي و يتهم كل من لا يحبه بالخيانة و العمالة و قلة الوطنية !!
كذلك يحاول ذلك البطل (المغني) , من ناحية أخرى , أن يستغل هذه النقطة لصالحه ، فلا يتوانى عن تأدية أجمل الأغاني الوطنية ، ذاكراً اسم بلده بين الفينة و الأخرى ...

إنساننا العربي كائن عاطفي بامتياز ، يتعامل مع واقعه بعاطفية شديدة ، و يبتعد كل البعد عن الموضوعية و التحليل المنطقي ... و ربما يعود ذلك إلى أسباب عديدة قد لا نلاحظها ، فنحكم عليه بالسذاجة و الغباء ... لكن ذلك الإنسان مازال يعيش ضمن دائرة القهر منذ ولادته و حتى آخر أيام حياته ... فقهر الطبيعة من جهة (زلازل ، فيضانات) ، و القهر السياسي ، و القهر الديني ، و قهر العادات و التقاليد القديمة التي لم تعد تناسب متطلبات العصر و حياة الحداثة !!

و لأنه لا يملك وسائل الدفاع عن نفسه تجاه كل ذلك القهر الممنهج ، فإنه يشعر بالهوان ، و يرغب بالاستسلام كوسيلة دفاعية وحيدة لا بديل عنها لكي يستمر بالعيش متجاهلاً كل ذلك ...
و هذا ما يجعل مفاهيم دينية كالرضى و القناعة بالقسمة و النصيب ، تتبلور و تزدهر في هكذا مجتمعات .. كذلك تلاحظ ميل أفراد هذه المجتمعات إلى تبني الفلسفات المريحة ، كالفلسفة (التاوية) التي تدعو الى الرضوخ كوسيلة لقهر الخذلان و استلاب الكرامة الذي يتعرض له ذلك الانسان يومياً !!

هكذا نوع من العقول تكون سهلة الانقياد خلف الجماعات الارهابية التي تستغل الدين كغطاء على أهدافها الاستعمارية و التخريبية ... فذلك الانسان مازال يحمل في داخله بذرة الثورة ، لكنها كالجمر تحت الرماد ، تنتظر الأمل و الوعود الثابتة لتشتعل من جديد و تنمو ... وهذا ما تقنعه به ايديولوجيا تلك الجماعات التي تدفعه إلى تحقيق ذاته عن طريق تدميرها و تدمير أكبر قدر ممكن من ذوات أخرى أكثر قهراً و ضعفا منه ..

فما عليك سوى توفير البطل أو الأبطال الذين يفتقدهم المجتمع و يسعى دائماً للانضواء في صفوف المؤيدين لهم ... و عندها يمكنك السيطرة على مشاعر و تفكير عقل ذلك العربي ، الذي يعشق أبطاله و يقدسهم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة