الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مريم العذراء - سيدة فاطمة (القسم الأول)

جولان عبدالله

2017 / 10 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لماذا فاطمة؟
فاطمة مدينة وإبرشية(1) في البرتغال تقع 142 كيلومتراً شمال العاصمة ليشبونة. تعدّ هذه المدينة واحداً من المزارات الكاثوليكية الأهم عالمياً، لأنها محطة لآلاف الحجاج سنوياً من مختلف بقاع الأرض، خاصة في أيام الحج ما بين شهري مايو وأكتوبر؛ هذا فضلاً عن ملايين السُّياح سنوياً الذي يؤمون المدينة لشهرتها وذياع صيتها، وتعود شهرتها إلى تجليات السيدة ذات المُسبحة (أو سيدة المُسبحة) لثلاثة رُعيان صغار.(2)
ولكن، لماذا فاطمة؟
لا بدّ قبل الشروع في الإجابة، من استعراض سريع لتاريخ هذه المدينة لنقف بعدها على أصل التسمية ونسبتها بشكل أدقّ من القراءات السطحية المتداولة.(3)
لا شك أن المسيحية في البرتغال سابقةٌ للإسلام بعدة قرون، وسواءٌ أخذنا بالرأي القائل أن المسيحية وصلت إلى البرتغال وأسبانيا عن طريق رحلة الرسول يعقوب بن زبدي(4)، كما هو الشائع، أو عن طريق رسائل الرسول بولس ورحلاته التبشيرية إلى آسيا وأوروبا(5)، فالثابت أن شبه الجزيرة الإيبيرية (وتتكون من أسبانيا والبرتغال) (6) كانت على المسيحية بحلول النصف الأول من الألفية الأولى، وذلك بعد تبني الإمبراطورية الرومانية، المسيحية كديانة رسمية لها، سنة ثمانين وثلاثمائة للميلاد(7). وظلت شبه الجزيرة الإيبيرية على هذه الحال حتى سنة إحدى عشرة وسبعمائة للميلاد، حين غزت جيوش الدولة الإسلامية غرب أوروبا وأخضعوها – بالسيف – للإسلام، وغدت هذه المنطقة تعرف فيما بعد باسم الأندلس. وظلت هذه المنطقة تحت الاحتلال الإسلامي حتى تم تحرير بلاد الأندلس بأكملها في الثامن والعشرين من أكتوبر سنة سبع وأربعين ومئة وألف، عندما سلمت الجيوش الإسلامية في ليشبونة نفسها للتحالف البرتغالي – الفرنسي بقيادة ألفونسو إنريكيش، وهكذا عادت شبه الجزيرة الإيبيرية- بالسيف - إلى المسيحية(8).
لماذا فاطمة؟
هناك روايتان لا غير يتعلقان بأصل وسبب تسمية هذه المدينة (فاطمة)، الأولى وهي الرواية الأكثر شيوعاً، لا سيما عند سكان هذه المدينة، أن هذه التسمية تعود إلى القرن الثاني عشر؛ تقول الرواية، أن فاطمة كانت بنتاً لآخر أمراء قصر أبي دنس (نسبة إلى بني دنس الذين استوطنوا هذه المنطقة، وكانت تجارتهم الملح، ولذا يعرف بقصر الملح، وعرف لفترة قصير بقصر الفتح. والاسم الذي بقيت تعرف هذه المنطقة به لحد الآن هو قصر الملح (9) Alcácer do Sal ، وخلال حروب استعادة الجيش الصليبي لهذه المنطقة، كانت هذه الأميرة من ضمن السبايا. وفي الطريق لأخذها وباقي الأسرى إلى الملك ألفونسو، وقع أحد الفرسان، وكان اسمه جونسالو بغرامها. وطلب إلى الملك أن يتزوجها، فوافق الملك شرط أن تتركَ فاطمةُ الإسلام وتعتنق المسيحية. وهنا يختلف الرواة، فبعضٌ ذكر أنها وقعت في غرام الفارس أيضاً وتركت الإسلام، والبعض الآخر يذكر أنها أرغمت على ذلك(10). وتتفق الروايتان على أن الزواج قد تم في الكنيسة الكاثوليكية، وغيرت الأميرة المغربية، فاطمة، اسمها، أو تغير اسمها، لتصبح أوريانا. وكانت هدية الملك لهما مدينة آبديجا، التي صارت بعيد ذلك تحمل اسم الأميرة المسيحي، أوريانا، ثم اختصر بعد فترة ليصبح أوريم(11). وتكمل الروايتان أن هذه الأميرة مرضت بعد فترة ليست بالطويلة، وماتت. فحزن زوجها دون جونسالو لموتها، فقد كانت أميرة جميلة محبوبة على مستوىً رفيع من الثقافة والأدب وكانت طيبة القلب حتى مع الحاشية وعامة الناس وذاع صيتها وأدبها حتى بين سكان المناطق المحيطة بقصر أوريم. أما زوجها فقد قام بدفنها في مكان قريب وبنى لها مزاراً سماه باسمها الإسلامي، مزار فاطمة، نشأت حول هذا المزار قرية عرفت باسم هذا المزار، فاطمة(12). وقيل أنه بعد موتها صار محزون الفؤاد، فكرس ما تبقى من حياته لخدمة الرب، حيث ترهب في كنيسة ألكوباكا، وكان قد نقل رفات زوجه المحبوبة واختار لها مكاناً لدفنها في الجبال المجاورة حيث كانت هناك قرية صغيرة، سماها باسم الأميرة الإسلامي، فاطمة(13)(14).
والرواية الثانية التي تبناها بعض الباحثين، أن دولة المغاربة الإسلامية لما كانت مسيطرة على هذه المنطقة، أطلقت على هذه المدينة اسم (فاطمة) نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ابنة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(15).
وأنا شخصياً أرجح الرواية الأولى، لأني بحثت في معظم كتب التاريخ التي تحدثت عن الأندلس ومدنها، فلم أجد ذكراً لمدينة تسمى فاطمة أبداً، كما أن الصليبيين بعد طرد المسلمين، وإن كانوا أبقوا بعض المدن على أسمائها، لكن لم يبقَ من تلكم التي تحمل أسماء أعلام مسلمين، سوى بقايا قصر الزهراء في أسبانيا. كما أنه من المستبعد جداً أن تبقي الجيوش الصليبيبة التي حاربت المسلمين وقتّلتهم في الأندلس حتى طردتهم منها أن يبقوا اسم مدينة تسمت تيمناً باسم بنت نبي المسلمين.
أما الأميرة فاطمة، فهي في أذهانهم شخصية مسيحية محبوبة تزوجت من فارس صليبي، وإن كان الاسم نفسه.
والآن، لماذا فاطمة؟
من كل ما تقدم، نستظهر أن اطلاق اسم فاطمة على هذه المدينة، سابقٌ بعدة قرون للتجليات التي ظهرت للرُّعيان الثلاثة سنة 1917. وأنها ترتبط – لا أقل عند البرتغاليين عموماً وسكان فاطمة خصوصاً – بأميرة مغربية تركت الإسلام طوعاً أو كرهاً وتنصرت. خاصة وأن هذه المدينة تخلو تماماً من أي وجود للمسلمين، حيث ذكرت منظمة المجتمع الإسلامي في ليشبونة Comunidade Islâmica de Lisboa، أن المسلمين في البرتغال، ويقدر عددهم بخمسين ألفاً، يتواجدون في ثلاثة مدن فقط: ليشبونة، بورتو (برتقال) و الغارب (الغرب). كما تؤكد المنظمة أن الوجود الإسلامي الحديث في البرتغال بدأ سنة 1975 من عوائل هاجرت من المستعمرات البرتغالية، شمال إفريقيا، بعض الدول العربية، الباكستان، وبنغلاديش.(16)
فاطمة قبل التجليات
في كل ما اطلعت عليه من المصادر خلال فترة التحقيق في هذا الموضوع، هنالك تأكيد على أن هذه القرية كانت شبه مجهولة لسكان البرتغال، وقد ذكرت الموسوعة البرتغالية أنها ربما لم تكن على خريطة البرتغال قبل حادثة التجليات.(17)
انتهى القسم الأول، ويليه الجزء الثاني الذي سيخصص لبحث فاطمة بعد التجليات.
--------------
(1) إبرشية أو إيبارشية، بالانجليزية Parish، منطقة إدارية صغيرة يشرف عليها راهب أو قس ولها كنيسة خاصة بها.
(2) صفحة مدينة فاطمة على موقع دليل البرتغال الإليكتروني PORTUGAL.COM
(3) تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الكتاب الذين لا يراعون الدقة والأمانة في النقل، وتحري الحقائق، قصصاً عن هذه المدينة محاولين سلبها تراثها وتاريخها لتحقيق مكاسب مذهبية، منهم الكاتبة إيزابيل بنيامين ماما اشوري في عدة مقالات بعنوان أسرار فاطمة، تبناها بعض الخطباء من الشيعة منهم الشيخ جلال الدين الصغير.
(4) يعقوب بن زبدي، أو يعقوب العظيم، أحد الحواريين الإثني عشر ليسوع المسيح، تذكر بعض القصص أنه أول من أوصل المسيحية إلى هذا القسم من أوروبا قبل استشهاده سنة 44 للميلاد في يهوذا بأمر من الملك هيرودس؛ وأن الملائكة (أو أصحابه) قاموا بعد ذلك بنقل جثمانه إلى الضريح المنسوب له في أسبانيا، والذي يحج له الحجاج من مختلف الديانات سنوياً، فيما صار يعرف بطريق القديس يعقوب، وهو عبارة عن شبكة من الطرق من الدول الأوروبية القريبة من أسبانيا، وكلها تؤدي لضريح القديس يعقوب العظيم.
(5) Encyclopaedia Britannica – Saint Paul, the Apostle
(6) Encyclopaedia Britannica – Iberian Peninsula
(7) The Catholic Church: Journey, Wisdom and Mission. Early Middle Ages. St. Mary’s Press.
(8) Lindsey, David Michael. (2000). The Woman and the Dragon: Apparitions of Mary. Pelican Publishing Company.
(9) عنان، محمد عبدالله. (1997). دولة الإسلام في الأندلس. مكتبة الخانجي، القاهرة.
(10) Madigan, Leo. (2001). Fatima Handbook. Gracewing.
(11) Holy Mary – How Fatima Came To Be.
(12) International Dictionary of Historic Places. Volume 3. Southern Europe. (1995).
(13) دولة الإسلام في الأندلس، مصدر سابق.
(14) Barthas. (2004). La Virgen de Fátima. Rialp, Madrid.
(15) Kengor, Paul. (2017). A Pope and a President: John Paul II, Ronald Reagan, and the Extraordinary Untold Story of the 20th Century. Intercollegiate Studies Institute.
(16) Comunidade Islâmica de Lisboa.
(17) Walters, Brian. (2004). Call to Prayer: My Travels in Spain, Portugal, and Morocco. virtual Book Worm.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جولان عبدالله
نصير الاديب العلي ( 2017 / 10 / 27 - 00:14 )
اسمها فاتييمة وليس فاطمة و هناك اختلاف بين الاثنين فهذا الاسم موجود عند الاسبان والبرتغالين والفرنسين قبل مجئ الإسلام وعند الشرقين غير المسلمين لذا ان الاسم لا يتعلق بالاسلام يا جولان


2 - توهم آخر
جولان عبدالله ( 2017 / 10 / 27 - 00:53 )
الأخ نصير الاديب العلي
هذا توهم آخر، وهو محاولة أخرى لسلب المدينة جزءاً من تاريخها. وهي لا تختلف عن محاولة ما أراد تجيير الاسم لصالحه من الشيعة. يمكنك مراجعة المصادر التي استندت لها في البحث، وأغلبها مصادر مسيحية، كلها أجمعت على أن اسم المدينة هو نفسه الاسم العربي (فاطمة). أما كيفية النطق فهذا يعود للهجة. وكمثال، فإن اسم فاطمة في اللهجة (المانكونية) و (الكوكنية) وهما لهجتا (مانجستر) و(غرب لندن) يلفظ (فَئمه) (فَقِمه) باللهجة المصرية، و(احمد) يلفظ (آمد) فهل نقول أنهما اسمان مختلفان. بل إن نفس كلمة الإسلام تلفظ بشكل مختلف (إزلام) والمسلم يصبح (مَزلم).


3 - جولان عبدالله
نصير الاديب العلي ( 2017 / 10 / 27 - 11:29 )
اسم الفاطمة كان قديما يستخدمه المسيحيون قبل مجئ العار وليس اسما إسلاميا فتاريخ دخول العرب المسلمين الى هذه الدول يبقى تاريخا يلفه العار والخزي لما قام به المسلمون من قتل ونهب وسلب لكل مكان طالوه
انا توقعت ان تتشبثين بمسالة اللفظ ولكن الحقيقة ليست كذلك


4 - محض توهم
جولان عبدالله ( 2017 / 10 / 27 - 14:07 )
هذا رأيك على أي حال، محترم. لكنه يخالف المصادر التي اطلعت عليها بل واعتراف أهل المدينة أنفسهم، وأهل مكة أدرى بشعابها، فراجع تلك المصادر لو سمحت. وأعيد قولاً، إن محاولة سلب الاسم أصله الإسلامي لا تختلف عن محاولة سلب المعجزة نكهتها المسيحية سواء بسواء، كلاهما تعصب يجافي الحقائق التاريخية. كنت أتمنى أن تورد مصدراً يؤيد ادعاءك، فلعلي اكون قد أغفلت أمراً أو غاب عني شيء.
تحياتي وشكري لك على التعليق.

اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات