الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حِجّية الحديث (بصدد النقاش حول البخاري)

أحمد عصيد

2017 / 10 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"إن ضرر ما يسمى كتب الحديث أكبر بكثير من نفعها، هذا إن كان فيها نفع أصلا"
محمد شحرور

لا يتعلق الأمر في النقاش الدائر، كما يعتقد كثيرون، بمدى صحة أحاديث البخاري جميعها أو عدم صحة بعضها، فكل من أوتي قدرا من الحس السليم، سيعلم بوجود أخبار كثيرة في كتب الحديث تناقض العلم والعقل والواقع، كما تناقض القرآن نفسه، وإنما يتعلق الأمر في الحقيقة بإحدى الأسس التي قامت عليها المنظومة الفقهية التقليدية منذ قرون، والتي أصبحت تهتز أمام النظر النقدي، وهو ما يؤدي بشكل طبيعي إلى ردود أفعال عنيفة من حراس هذه المنظومة، كما حدث في كل السياقات الحضارية التي عرفت انعطافا كبيرا في مسلسل التطور الطبيعي للفكر وللواقع الإنسانيين.
ومن الأمور التي تجعل النقاش في بعض أسس المنظومة الفقهية صعبا، أن الفقهاء عبر القرون الطويلة، قد أدى بهم الأمر إلى وضع الحديث في مقام سابق على القرآن نفسه، كما جعلوا شخصية النبي تحتل الصدارة على الذات الإلهية نفسها، ما يفسر ميلهم الشديد إلى قبول أحاديث متعارضة مع القرآن، ونظرتهم الإيجابية إلى الكثير من الأخبار السلبية الواردة في كتب الحديث، والتي نسبت إلى النبي بعد قرون طويلة من وفاته.
وقد اكتست الكثير من الأخبار المروية شفويا على مدى قرون، نوعا من القدسية، حيث تم تدوينها وتداولها على سبيل اليقين القطعي، في الوقت الذي هي أخبار ظنية لا يوجد لدى الأطراف التي تتداولها أي دليل علمي حقيقي وملموس على أن تلك الأخبار قد صدرت فعلا عن الذين نسبت إليهم، في غياب الوثائق التاريخية التي تعود إلى عصر النبي وصحابته، هذا رغم جهود "الغربلة" التي تمت بعد قرنين من بداية الإسلام، بمناهج ظهر اليوم أنها تفتقد إلى الدقة العلمية، وأنها لم تعد مقنعة على الإطلاق، إلا لمن ظل يعيش في حدود علوم الأوائل وأسلوب تفكيرهم.
لم يستطع الفكر الديني باختصاصاته "العلمية" التقليدية (القراءات، التفسير، الحديث، الفقه، أصول الفقه)، حل الإشكاليات الجديدة التي أصبحت تعترض المنظومة التقليدية بكاملها، حيث بسبب الأساليب المتبعة في التعليم التقليدي، والتي ما زال الفقهاء يعتقدون في صلاحيتها، وقع الفكر الديني في تناقضات كثيرة لم يستطع الخروج منها، ومن أبرزها ما له صلة بموضوعنا، أي المعايير التي بناء عليها يمكن اليوم معرفة الحديث القابل للاستعمال من الذي لم يعد يمكن اعتماده، لا سيما وأنّ المعايير التي وضعها القدماء ومنهم البخاري، وخاصة في "الجرح والعديل"، لم تعد مقنعة بالنسبة لعصرنا الذي شهد تطورا كبيرا في مناهج التفكير والنظر.
لقد اعتبر الحديث من "العلوم النقلية" التي تعطى فيها الأولوية للنص على العقل، ولهذا انشغل الفقهاء الأوائل بمشكلة مدى صحة نسبة الحديث إلى النبي، أكثر مما انشغلوا بمدى صحة الحديث في مضمونه ومدى مطابقته لمنطق الفكر أو للواقع، وهذا ما أدى إلى تبني أحاديث لا يقبلها عقل سليم، وأخرى مناقضة تماما لمضمون آيات قرآنية واضحة، حيث اعتبر إسنادها إلى "رجال ثقاة" إسنادا جيدا، مما جعلها تدرج ضمن الأحاديث "الصحيحة" وتكتسي عبر القرون قدسية القرآن نفسه، بل بُني عليها النظر الفقهي في تدبير شؤون المجتمع الإسلامي، وذلك مثل الحديث القائل "من بدل دينه فاقتلوه" الذي يحمل حكما لا أثر له في القرآن الذي أورد على عكس ذلك الكثير من الآيات القرآنية الدالة على حرية العقيدة والضمير، ومثل الحديث القائل "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" والذي أدى إلى اعتبار الفقهاء شرط "الذكورة" بمثابة الشرط الأول لتولي مناصب الدولة.
ورغم أن الفقهاء ميزوا بين "خبر الآحاد" الذي اعتبروه "ظنيا"، و"خبر التواتر" الذي اعتبر "يقينيا" حيث تواتر ذكره على لسان الجماعات التي لا يمكن تواطؤها على الكذب، إلا أن الكثير من الأحكام الخطيرة والمصيرية اعتمدت فيها أخبار آحاد ظنية وترتبت عنها نتائج نعلم اليوم أنها في غاية السلبية.
وقد حفل كتاب البخاري كغيره من كتب الحديث بمثل هذه الأخبار الغريبة، حيث لم ينظر البخاري إلى مضمون الحديث بقدر ما نظر إلى إسناده، وحتى عندما نظر في متون الروايات والأخبار لم ينظر بميزان العقل والمنطق، بقدر ما كان همه إثبات نسبة الحديث إلى النبي وعدم اختلاقه من طرف غيره، مما أدى به إلى إيراد أخبار ظاهرة البطلان كمثل الحديث المنسوب إلى النبي عن متى تقوم القيامة، إذ كان جواب النبي لصحابته أنها ستقوم قبل أن يبلغ أحد الصبيان الذي كان يلعب أمامهم سنّ الشيخوخة، وقد أورد البخاري هذا الخبر في "صحيحه" مع العلم أن هذا الأخير جاء بعد وفاة الرسول بقرنين كاملين، أي أنه يتوفر بفضل الزمن الذي يفصله عن حياة النبي على الدليل القاطع على أن الحديث لا أساس له من الصحّة، ما دامت القيامة لم تقم في الفترة التي حددها النبي في الحديث المزعوم.
ومن الأمور التي وردت في كتابي البخاري ومسلم وتطرح مشكلا حقيقيا، الأحاديث التي ترسم لشخص النبي صورة سلبية كمثل الحديث القائل "لا تصحّ صلاة امرئ مرّ أمامه كلب أو حمار أو امرأة"، أو الأحاديث الداعية إلى العنف الدموي والمحرضة على القتل ("نصرت بالرعب.."، "أمرت أن أقاتل الناس.."، "جئتكم بالذبح.."..) أو الأحاديث الداعية إلى الكراهية وسوء المعاملة كمثل "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإن جاء أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" والتي ألصقت كلها بشخص النبي، أو أحاديث الفحولة الجنسية للنبي الذي يطوف على نسائه في ليلة واحدة لأنه أوتي "قوة أربعين رجلا"، وغيرها من الأحاديث التي لا يقبلها الحسّ السليم. هذا دون الحديث عن الأحاديث التي تنافي العلم كمثل أن سبب تعاقب الصيف والشتاء هو "تنفس جهنم"، وغيره وهي كثيرة.
ورغم أن "صحيح البخاري" هو جهد بشري لصاحبه يحتمل الصدق والكذب كمثل كل الجهود البشرية، إلا أن الذين أحكموا إغلاق المنظومة الفقهية السنية بعد قرون من البخاري سرعان ما أطلقوا عليه "أصحّ كتاب بعد كتاب الله"، مما أدى إلى تقديس الكتاب ورفعه إلى درجة العصمة من الخطأ، فأدى ذلك إلى مشاكل عويصة ما زلنا نتخبط فيها إلى اليوم.
لاشك أن البخاري لم يكن ينوي قط أن يجعل من كتابه "أصحّ كتاب بعد كتاب الله"، كان بلا شك يساهم في عمل بدأه من قبله وتابعه من جاء بعده، لكننا اليوم لم نعد في زمن البخاري حتى نخوض معمعة الثأر له من أي نظر نقدي، كما يفعل الذين حولوا البخاري إلى جوهر الدين الإسلامي نفسه، فصار نقد البخاري نقدا للدين كله، وهدما للبنيان من أساسه، والحقيقة أنّ أهل التقليد قد أحكموا إغلاق الأبواب والنوافذ حتى أغلقوها على أنفسهم، فصاروا يتخيلون أن دخول نسمة هواء قد تفسد ولاء الناس لهم، بأن تنزاح غشاوة الأوهام عن أبصارهم، فيخرجون من تحت وصايتهم.
إن النقاش حول كتاب البخاري وغيره هو نقاش مشروع لا يستطيع أحد إيقافه، ومن حق كل من بذل جهدا في البحث والتقصي أن يعرض على الناس نتائج عمله ليعرف مقدار صوابها ونسبة الخطإ فيها، وعلى الناس واجب الإصغاء إليه وواجب مناقشته وتقويم أخطائه بالحجة والدليل، لا بالإرهاب الفكري والتهديد والتحريض، لأن تلك أساليب لم تعد مجدية أمام قوة الفكر النقدي وحيويته.
إن القلق الذي يعصف بأهل التقليد عموما نابع من شعورهم العميق بوجود خلل ما، لكن تقديسهم للفكر الفقهي المتوارث وخوفهم من انهيار منظومتهم الفكرية بكاملها، يجعلهم غير قادرين على الحسم، لأنهم يخشون من الخروج عن منهجهم النقلي العتيق، وإعمال عقولهم التي ظلت في عطلة لزمن طويل، وهذا يدلّ على حاجتنا الماسة إلى إصلاح جذري عميق للفكر الديني نفسه يقوم به فقهاء تنوير أكفاء، يكون من أهدافهم إعادة النظر في معايير حجّية الحديث، وتنقية المرجعيات الفقهية من النصوص الغريبة التي تتعارض مع العلم والعقل ومعطيات الواقع التاريخي، وسيكون من النتائج المباشرة لهذا العمل الحضاري فتح آفاق التطور والنهوض أمام شعوب أنهكها التقليد والاستبداد.
أما البخاري فمن المؤكد أنه لن يصمد طويلا، ومن أراد للإسلام مستقبلا أفضل فعليه ألا يربط مصيره بمصير كتب الحديث، وبمواقف فقهاء التراث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مفاهيم = العلم والعقل والواقع
عبد الله اغونان ( 2017 / 10 / 31 - 21:43 )
أولا
يجب أن نعرف صعوبة تعريف هذه المفاهيم حتى خارج التوجه الاسلامي
فماهو العلم ؟ هل يقتصر على العلوم الطبيعية أم يشمل كل العلوم بما فيها علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ وعلم النفس باعتبارها علوما ذات اتجاهات مختلفة ومتناقضة فضلا عن العلوم الدينية
وماهو العقل ؟ هل هناك عقل واحد أم عقول متعددة بل متناقضة ؟
وماهو الواقع ؟ اذ لايقتصر على ماوقع حتى ولوكان مزيفا ومغلوطا
ثانيا
الأمر لايتعلق بأحاديث رواها البخاري ولم يخترعها من تلقاء نفسه
بل يتجاوز ذلك الى القران نفسه اذمن لهم توجه لاديني وعلماني شيوعي ---- ينتقدون القران نفسه فكثير من أحكامه هي في نظرهم تجاوزها الزمن بل يطالبون بفصل الدين عن الدولة تماما
ثالثا
أما بصدد بحث أحاديث رواها البخاري وغيره ممن سبقه
فالأمثلة التي تشاع أنها تخالف العقل والمنطق والمصالح والتطور
يجب أن نبحثها من منطلق الدين نفسه ومن منطلق العقل والمصالح والتاريخ
وتركيزهم على البخاري ليس الا خطوة مرحلية للتهجم على القران
مثلا في الارث والتعدد في الزواج وهي أحكام واردة في النص القراني المقدس
لدينا في القران والحديث وبتكرار ماينفي علم أي كان بوقت وقوع الساعة


2 - ت2بصددالأحاديث التي رواها البخاري
عبد الله اغونان ( 2017 / 10 / 31 - 22:19 )
من بدل دينه فاقتلوه
حديث ورد في البخاري وعند غيره
كم كان في عهد النبي من المنافقين المعروفين بسلوكهم بل حتى من المرتدين ولم يأمر بقتلهم
ولما قيل له عن منافق جذف في حق الرسول وطالب بعض الصحابة بقتله -- قال مامعناه أنه لايريد أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه
وهناك أمثلة عن مرتدين وحملوا السيف ولم يأمر بقتلهم
اذا فهم النص وسبب قوله ضروري فعبر التاريخ نادر ماطبق حد الردة منذ عهد النبوة الى يومنا هذا باسثناء صراع سياسي في لبوس ديني كتهم الزندقة لمعارضين
معنى النص وهو اعلان الردة والدعوة الى الكفر وهو مانجده شائعا الان التجديف في حق الله ورسوله وكتابه ونموذجه قديما الحلاج الذي ادعى الألوهية فحوكم محاكمة معلنة مدونة ويكفي مراجعة كتبه ودوواوينه فكفره لم يقتصر على شخصه بل كان ينشره عن اصرار وقصد
حديث القيامة
ورد في القران المقدس والحديث النبوي وبتكرار ماينفي علم أي بتوقيت يوم القيامة والايات والأحاديث في ذلك كثيرة - ان الله عنده علم الساعة - وفي حديث جبريل - ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
البخاري روى هذا الحديث كماسمعه ونقله وهذه مصداقية فربما يقصد الرسول التنبيه على قرب القيامة


3 - ت4 / كونه أوتي قوة أربعين رجلا في الجماع
عبد الله اغونان ( 2017 / 10 / 31 - 23:17 )
معروف اختلاف الناس في رغباتهم
من لارغبة وعي الى شبق جامح
وفي القران المقدس جواز زواجه بأكثر من أربع نساء = خالصة لك من دون المومنين
لأسباب دعوية أيضا / ومع ذلك نص القران على الحد من هذه الرغبة
هل الحس السليم يقتضي علاقات غير شرعية ؟ في الدين والعرف والقانون ؟
والاشارة واضحة
حديث امارة المرأة
قالها بسبب تولى ابنة كسرى الملك بعد وفاة أبيها
والاتجاه العام أن هناك قلة من النساء تولين الملك والسلطة لأسباب خارج الكفاءة عن أب أو زوج أو صراع بين رجال وقل منهن من تولى عن استحقاق واختيار وفكرة الكوطا في الانتخابات تندرج في هذا الاطار
تعاقب الصيف والشتاء هو فيح جهنم
فماهي البراكين اذا وهي تفور تحتنا
التفسير الديني له منطقه والعلم نسبي اذ مايصرح به اليوم قد ينفيه غدا ويغير تفسيره



4 - شعب أبي لايرتضي الذل والهوان
ابو علي النجفي ( 2017 / 11 / 1 - 03:36 )
المفيد والكليني والطبرسي وكبار فقهاء الشيعه يذكرون وفي امهات الكتب التي أصبحت تعتمد كصحاح وكتب حديث أن الكرد حي من الجن قد كشف عنهم الغطاء لاينبغي مصاهرتهم او التعامل معهم او تناول طعامهم .... !! معقول أليس الأكراد شعب كريم ... ومثلهم مثل أي شعب آخر نبيل ولم كل هذا الحقد والتجني عليهم ألأنهم شعب أبي لا يرتضي الأذلال والمهانه


5 - عبدالله اغونان
على سالم ( 2017 / 11 / 1 - 14:51 )
اغونان ؟؟ انت لاتزال على عاداتك البدويه الغوغائيه الا وهى الكذب والتدليس وتقديس البدو الانجاس الصعاليك , حاول ان ترتقى بفكرك وتغير من نفسك , انت ضليت الطريق بدون شك


6 - أين المخطوطات الأصلية؟
عاد بن ثمود ( 2017 / 11 / 1 - 15:11 )

المشكل يكمن في غياب مخطوطات أصلية تعود لعصر النبي،

فإذا كان القرآن نفسه يعاني من غياب نص مخطوط أصلي و كامل يعود لزمن الرسول، فكيف الأمر بالنسبة لأحاديث توارثت شفهياً فقط،عبر عدة عقود بعد موت القائل.

أمّا حديث القيامة، فلو إفترضنا أنه صحيح فعلاً، فهو يعتبر دليلاً قاطعاً على كذب نبوءة محمد، و من الممكن أن يكون الرسول قد قال هذا الحديث، على اعتبار أنه قال في حديث آخر ما معناه: بعثت أنا و الساعة كهاتين (السبابة و الوسطى)

ثم، إذا كان الرسول نفسه قد نهى عن أن يُكتبَ شىء من أقواله، فلماذا كل هذه اللخبطة التي سقط فيها رواة الحديث؟


7 - للرد على - صحيح البخاري نهاية أسطورة
أوتمزيرت ( 2017 / 11 / 8 - 01:22 )
صدر كتاب ليوسف سمرين بعنوان
بيع الوهم - تهافت طرح رشيد أبلال عن صحيح البخاري
موجود على النت PDF

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah