الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى الفلسفة، ضد العنف والوصاية

أحمد عصيد

2017 / 11 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما زلت أذكر محاضرة قيّمة ألقاها على مسامعنا في "بيت الحكمة" قبل سنوات باحث بيداغوجي ألماني، حول "تدريس الفلسفة للأطفال"، أبدينا اهتماما زائدا بشخص يتحدث لنا عن الفلسفة في عالم الأطفال، إشكالية هي على النقيض تماما مما ثبت لدى الناس في أذهانهم، من أن الفلسفة تأتي في نهاية سنوات التمدرس بسبب "صعوبتها"، والحال أن أولائك إنما وقعوا في فخّ مأسسة مادة منفلتة من أي تنميط، فالطفل حسب الباحث الألماني متفلسف بطبيعته لأنه لا يتوقف عن طرح الأسئلة، والمطلوب فقط مساعدته على تنظيم أسئلته ومتابعتها، لأنها أسئلة ترتبط بصميم حياته اليومية، وبمفارقات محيطه وتجارب الناس من حوله، وبما أن التجارب لا تنتهي، فإن الأسئلة أيضا تتناسل وتظل منفتحة على المجهول، وهذا هو جوهر الفلسفة.
يخطئ كثير من الناس عندما يخلطون بين الفلسفة وبين تاريخها، أي بين فعل التفلسف الذي هو عمل ممكن بالنسبة لأي إنسان، وبين تدريس تاريخ الأفكار الفلسفية والتيارات والمذاهب والاتجاهات، وتخطئ المؤسسة عندما تطالب التلميذ باستظهار دروس تتعلق بمواقف فلسفية أصبحت في ذمة التاريخ، ذلك أن قراءتنا للفلاسفة ليست بغرض استعارة أفكارهم أو الاهتداء بها كما لو أنها عقائد ضوغمائية، إنما هي قراءة تهدف إلى ملامسة أرواحهم القلقة، فما نتعلمه من الفلاسفة إنما هو أسلوبهم في التفكير الذي يقوم أساسا على مغامرة الخلخلة، المتمثلة في زحزحة الوهم المشترك، ودفع العقل إلى إعادة التفكير في أسس وثوابت الفهم المتعارف عليها، والتي تعوق الإنسان عن متابعة جريان الزمن الذي لا يتوقف، وهذا أمر نحتاج إليه في كل عصر، ما دمنا لسنا في نهاية التاريخ، وما دام الإنسان كما قال اليونان القدماء "لا يستحم في مياه النهر مرتين".
إن وظيفة الفلسفة هي جعل التفكير إمكانية الجميع، ولهذا يعاديها الذين لا يحبون التفكير لأنهم يعتقدون بأن ما لديهم هو نهاية الحكمة والعلم، وبأن مصير الناس أن يخضعوا لوصايتهم، بينما الحقيقة أن الحوادث تجري من حولهم، والوقائع تتوالى ورؤوسهم مدفونة في التراب.
تتعارض الفلسفة بوصفها فعلا عقليا حيّا مع الأنساق المغلقة والمنتهية، ولهذا يتم قتل الفلسفة بتدريسها، بوصفها نسقا مكتملا لفيلسوف ما لم يقم في الواقع إلا بمساءلة عصره والإطلالة على هموم الناس، من الأخلاق والعلم مرورا بالسياسة إلى الميتافيزيقا.
لقد انطلقت الفلسفة حوارا ساخرا من أجل توليد المعرفة، كان ذلك في الفضاء العام، في السوق والحديقة والبيت، ورغم أن مغامرة البداية انتهت بقتل الفيلسوف، بسبب غوغائية الخطاب التحريضي، إلا أن التاريخ احتفظ بأقواله منحوتة على الصخر، بينما نسي كل النسيان أسماء جلاديه الذين لم يتركوا أي أثر. وهكذا ظلت الفلسفة حوارا دائما مع الذات ومع العالم والآخر، في حين ظلت الغوغائية قابعة في سراديب التاريخ تتحين الفرص للظهور بين الفينة والأخرى، كلما خفت وهج العقل، لتشيع الخراب والكراهية.
ونظرا لهذا التصادم بين العقل والعنف، ترتبط الفلسفة بالشجاعة لأنها تقتضي قرارا تحرريا من الوصاية، فأن يقرر الإنسان استعمال عقله معناه أنه لم يعد مقتنعا ببديهيات الحسّ المشترك، وهذا بحاجة إلى عزم وتصميم ورغبة في التحرر ملازمة لفعل التفلسف، فالوصاية تطمس العقل والسؤال يوقظه من سباته.
إن العنف في مواجهة الفلسفة منذ اللحظة الأولى لبدايتها يعود أساسا إلى الاعتقاد الراسخ بأن العادة والتقليد هما أساس نظام عام يكتسب شرعيته من سلطة الجماعة، التي لا ترى استقرارها إلا من خلال الإبقاء على حال الناس كما هو، لكن بقاء الوضع كما هو لا يمكن أن يوقف تدفق الزمن والتاريخ، مما يؤدي إلى التأخر والجمود وشيوع الظلم، وهي الحالة التي تستفز الفيلسوف وتجعل التفكير ضرورة قصوى.
في زماننا هذا ينضاف إلى العنف ووصاية الجماعة على الفرد، سعيُ الإيديولوجيات إلى التنميط واحتكار الفضاء العام، بينما الواقع الإنساني عصِيّ على التنميط لأنه تنوع خلاق وغني بالرموز الحية، تدفع الفلسفة من خلال يقظة العقل النقدي نحو التأمل في قيمة الأشياء ووظائفها، مسلحة بالعلوم الإنسانية التي هي ابنة شرعية للفلسفة بعد أفول الميتافيزيقا.
إننا بحاجة إلى الفلسفة حتى لا تتحول الحياة إلى تقنيات بلهاء وسلوك آلي مبرمج، فرغم كل التطور التقني، مازال ما يجعل الإنسان إنسانا هو قدرته على استعمال عقله.
قد يتساءل القارئ الكريم : هل نحن بحاجة دائمة إلى تبرير الفلسفة بالدفاع عنها ؟ نقول نعم، لأن تواجد الفلسفة في وضعية الدفاع التي تواجدت فيها منذ 800 عام في المجتمعات الإسلامية، دليل على أننا لم نبرح مكاننا منذ ذلك التاريخ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفلسفة ليست علما
أو تمزيرت ( 2017 / 11 / 11 - 01:13 )
الفلسفة ليست علما فهي تكتفي بطرح الأسئلة دون تقديم اجابات ولا بدائل انها مجرد رغبة في الجدل دون غاية ولاهدف وعلامة ذلك اختلاف الفلاسفة أنفسهم فأفلاطون فيلسوف وأرسطو فيلسوف والثاني تلميذ الأول وعاشا في بيئة واحدة ومع ذلك فهما على طرفي نقيض
جل الناس واقعيون يراعون المصلحة وتطوير حياتهم بينما الفلاسفة يعيشون في أبراج عالية ويفكرون خارج الواقع
هم يدعون استعمال العقل والمنطق ولم يستطيعوا حتى الاتفاق على تعريف العقل والمنطق فالعقول متعددة مختلفة ولكل منطقه . اذ القرار للميول وليس للعقول
الفلسفة مضيعة وقت وهلوسات وتفسيرات موغلة في التعقيد وصدق ماركس عندما قال بأن الفلاسفة يجتهدون في تفسير العالم في حين المطلوب تغييره
ماذ استفدنا من سفسطة اليونان ابتداء من سقراط وأرسطو وأفلاطون وأبيقور وماذا جنيناه من كلام المعتزلة والأشاعرة وابن سينا وابن رشد غير الاستلاب عن هويتنا وواقعنا كلاااام
في كلاااام اذ يريدون استعمال العقل في غير مجاله في حين تركوا لحياة والعلم والدين فلا طب ولااختراعات ولافلاحة ولاصناعة ولابحث في ثروات الأرض ولااختراح لسلاح وتنظيم المجتمع
الفلسفة نوع من التخدير الفكري


2 - العقل يتفتح بالفلسفه
على سالم ( 2017 / 11 / 11 - 01:54 )
من المؤكد ان الفلسفه وتدريسها بكثافه فى جميع المراحل الدراسيه فى بلاد اسلام وعربان يعتبر ضربه كبيره وتهديد مباشر لااصل عقيده الاسلام والشيوخ منغلقى العقول ويحاربوها بكل مااوتى من قوه , الاسلام يكره الفلسفه والسبب بصراحه ان الفلسفه تعرى الاسلام تماما حتى من ورقه التوت , هذه هى اشكاليه الاسلام والفلسفه


3 - ما احوجنا الى الفلسفة
حميد فكري ( 2017 / 11 / 12 - 22:01 )
ما احوجنا الى الفلسفة ,فهي ام العلوم ,انها المطرقة التي بها تتهشم الرؤوس المتحجرة ,وترتعد النفوس المتكلسة .والواقع ان الحرب ضد الفلسفة المعلنة منها والمبطنة ,ليست من جهة الفكر الديني الظلامي وحده ,بل هي ايضا من جهة كل نظام سياسي استبدادي متخلف .انه التحالف القديم الجديد .لكن الفلسفة تنهض دائما كطائر العنقاء بعد كل اغتيال لها ,انها تعبير عن التحرر ,بينما هم كناية عن القيود والاغلال . اما استشهاد .عبد الله اغونان المتخفي تحت معرف اوتمزيرت ,بقول ماركس فلا علاقة له اطلاقا بما يدعي ,وهدا بحد داته دليل على انه لايفهم من الفلسفة سوى حفظ النصوص وترديدها كالببغاء .


4 - عبدالله اغونان
على سالم ( 2017 / 11 / 12 - 23:27 )
اغونان ؟ عيب عليك , لاتتخفى تحت اسماء وهميه , كن شجاع وايضا لاتكذب وانت تعلم ذلك

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah