الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الانسان والمواطن عن طريق الهندسة الاجتماعية - ج 3

وليد يوسف عطو

2017 / 11 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحاقا بالجزء الثاني من مقالنا والمنشور على الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=574141

لقد اعانت الطبيعة الانسان على التعويض عن ولادته كائنا عاجزا وغير مؤهل فكريا وسلوكيا بتزويده بالقدرات الجسدية والعقلية التي تعينه على تعلم واكتساب المعارف العقلية والمهارات السلوكية بما يعطي للبيئة الاجتماعية وافرادها دورا اساسيا في نقل المعارف والسلوكيات اليهم ,وتعليمها لهم ثم نقلها للاجيال اللاحقة.

تقدم حالة الاطفال الذين عاشوا معزولين عن الحياة الاجتماعية الانسانية , او عاشوا وسط الحيوانات دليلا مؤكدا على حاجة الانسان لهندسة قدراته ومهاراته .وتتضح حاجة الانسان للهندسة الاجتماعية من واقع حال الفتى الذي عثر عليه في عام 1799 في غابة فرنسية وهو في سن الثانية عشرة من العمر . حيث كان مفتقرا لاية معارف او مهارات اجتماعية , ويتصرف بطريقة اقرب الى الطريقة الحيوانية .

استنتج الدكتور جين مارك كاسبار ان الانسان يولد بدون قوة جسدية وبدون افكار تولد معه ,وغير قادر بذاته على متابعة حياته بصورة ترفعه الى قمة المملكة الحيوانية . ولا يستطيع الوصول الى المركز المرموق الذي اختصته به الطبيعة الا اذا كان في وسط مجتمع,وبدون حضارة الانسان يكون الانسان واحدا من اضعف الحيوانات واقلها ذكاء .

وظهر ذلك ايضا في حالة الامير الالماني كاسبر هاوزر الذي اطلق سراحه عام 1828 بعد ان سجن بطريقة انفرادية في كهف مظلم منذ طفولته وطوال سبعة عشرة سنة , اذ كان يعيش بصعوبة , ويفكر كالاطفال , ولا يتفوه الا بعبارة او عبارتين لامعنى لهما . واظهر تشريحه بعد مقتله في سن الثانية والعشرين , نمو دماغه بشكل غير طبيعي .

وكانت الطفلتان امالا وكمالا اللتان عثر عليهما في عشرينات القرن العشرين ,تعيشان في غابات الهند مع الذئاب , وتتصرفان مثلها تماما دون اي مظهر من مظاهر السلوك الانساني الاجتماعي .وهنالك حالة فتاة في سن الثالثة عشرة والنصف كانت قد احتجزت ومنع عليها التواصل مع البشر . حيث وجد ان هذه البنت اصبحت دون لغة اطلاقا .ومعنى ذلك ان الاستعداد البيولوجي وان كان شرطا لازما للنمو اللغوي ,الا انه غير كاف لضمان ذلك النمو في حالة غياب البيئة اللغوية .

وسبق ان فسر العالم ب.ف .سكينر افتقار هؤلاء الاطفال للخصائص الانسانية الاجتماعية , بان الطفل الوحشي لالغة له , ليس لان عزلته قد تدخلت في عملية النمو , وانما لانه لم يتعرف الى مجتمع يستعمل الكلام .ان استجابة الانسان لمتطلبات الحياة وحله لمشكلاتها تعتمد وبشكل اساس على قدراته على التعلم واكتساب المعارف والمهارات , ومن ثم تعليمها للاجيال اللاحقة لتعويضها عن نقص غرائزها الانسانية واختلافها الجذري كما ونوعا عن غرائز الحيوانات الحية الاخرى . واذ يبدا البشر حياتهم بلا دليل مؤكدعلى طبيعتهم الانسانية الا شكلهم وتكوينهم العضوي الموروثين , فسيكون شرط انسانية هؤلاء الاطفال هو هندستهم اجتماعيا بتعليمهم وتعلمهم تلك المعارف والمهارات ,لضمان اكتسابهم القدرة على استخدامها ممن سبقوهم الى ذلك.

وكان المفكر الفرنسي ديكارت سباقا الى ملاحظة ذلك في كتابه (مقالة في المنهج ):
( العقل هو احسن الاشياء توزعا بين الناس بالتساوي ,اذ يعتقد كل فرد انه اوتي منه الكفاية .. وليس براجح ان يخطيء الجميع في ذلك ,بل الراجح ان يشهد هذا ان بان العقل او النطق تتساوى بين الناس بالفطرة , وكذلك يشهد بان اختلاف ارائنا لاينشا من ان البعض اعقل من البعض الاخر , وانما ينشا من اننا نوجه افكارنا بطرق مختلفة ).

وتحدث مونتسكيو عن اثر البيئة الطبيعية وظروفها المناخية في الخصائص والطبائع الانسانية عضويا ونفسيا وعقليا , بما يعني ان تفاوت طبيعة المجتمعات يعود الى تفاوت بيئاتهم الطبيعية وظروفهم المناخية.وسبق ان تحدث ابو يوسف اسحق الكندي عن اثر الظروف البيئية والاجتماعية ليس في السمات والملامح البدنية للناس فحسب ,بل ايضا الى صفاتهم وخصائصهم النفسية .

وبذلك تختلف طبائع الامم باختلاف الخصائص الجغرافية والمناخية لمناطق سكناها.يستخلص احد الباحثين نتيجة مهمة وهي :
(ان ولد انسان لايربيه الانسان ,لايعود يمتلك شيئا انسانيا ..الانسانية ليست وراثة طبيعية, بل ميراثا يتحتم على كل انسان ان يستعيده ).
واكد برتراند رسل على دور الهندسة الاجتماعية في صناعة الانسان وانسانيته حين اكد دور الحكومة في الهندسة الاجتماعية ومسؤوليتها عنها . ودور الهندسة الاجتماعية للانسان على حساب الغرائز التي يقلل من دورها في تلك الهندسة لاعتقاده بان القسم الغريزي في خلقتنا قابل للتغيير .حيث لايشكل القول بان نشاطا ما او معتقد ما هو ناتج عن الغريزة حجة للقول بان الغريزة هي غير قابلة للتبدل .

ولهذا راى راسل خطا الاعتقاد الشائع بان الطبيعة الانسانية لايمكن ان تتغير ,فاخلاق الافراد والمجتمع تتغير بفعل الظروف . وتحتل التغيرات الناجمة عن ظروف السيطرة الانسانية على العالم المادي عن طريق الاختراع مكانا مهما في الوقت الحاضر لانها غيرت كلا من الجانب المادي من هذا العالم والمعتقدات السائدة فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!