الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة الأخلاقية وتحقيق الكونية الإنسانية

خالد كروم

2017 / 11 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتب:_ خــــــالـد كـــــــــــروم


تمهيدية :_


أن الاخلاق تتشكل في الطفوله "فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه"أو يأسلاموه ....ومن ثم يأتي التأثير من المجتمع....


بعد ذلك يستطيع الانسان ان يصنع قيمه وأخلاقه من واقع ماتعلم ومامرت عليه من تجارب....


ويأتي الدين كي يهذب وينقي "انا هديناه النجدين اما شاكرا أوكفورا"....فلديه العقل والقلب لكي بقارن ويستنتج ما يناسبه ويدعمه ....أو العكس"اما شاكرا وأما كفورا...



الأخلاق ما بقيت هموا_ ذهبت ..؟
-----


المتأمل في حال الأمة العربية .. اليوم يجد أن أَزمتها أزمة أخلاقية.... فــــ هناك فرق بين الخلق والتخلق...


إذ التخلق هو التكلف والتصنع.... وهو لا يدوم طويلاً... بل يرجع إلى الأصل.... والسلوك المتكلف لا يسمى خلقا حتى يصبح عادة وحالة للنفس راسخة.... يصدر عن صاحبِه في يسر وسهولة.....


فالذي يصدق مرة لا يوصَف بأن خلقه الصدق.... ومن يكذب مرة لا يقال:_ إن خلقه الكذب.... بل العبرة بالاستمرار في الفعل.... حتى يصبح طابعًا عاما في سلوكه....


وإن الأخلاق بالنسبة للفرد تشكل جانباً كبيراً من إيمانياته سواء كانت دينية أو غير دينية ... فـــ الأخلاق في المجتمع فتظهر عندما ترى صور التكافل والتراحم وحسن الخلق بين البشر جمعاء ...


وتزيد الثقة بين الناس بعضهم البعض..... وترى خلق التسامح في المجتمع والعفو يحدث آثاراً عجيبة في المجتمع.... فإذا عفا أحد من الناس عن إنسان ظلمه أو اعتدى عليه تغيرت مشاعر المعتدي.....


فتراه يشعر بالذنب لما اقترفه بحق أخيه عندما يستشعر حسن الخلق في أخيه وكيف عفا عنه....

كما قال أحمد شوقي:_


وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم ____ فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا


فالأخلاق هي المؤشر على استمرار أمة ما أو انهيارها.... فالأمة التي تنهار أخلاقها يوشك أن ينهار كيانها....


وكذلك خلق الأمانة التي تعد من سمات المتقين..... فترى المجتمع الذي يكون فيه هذا الخلق متواداً متراحماً يؤمن بعضه بعضاً.... فلا يخاف أحد من جاره أن يسطو عليه في غيبته مثلاً.... وترى الناس تستأمن بعضها في كل شيء....


وتعتبر الأخلاق العنصر الأساسي في إنشاء أفرادٍ مثاليين... وأسر سليمة.... ومجتمعاتٍ راقية.... ودولٍ متقدمة....لذلك تلعب الأخلاق دوراً أساسيا في تهذيب المجتمعات.... وإعدادها إعداداً فاضلاً....


علماً أن الأخلاق المثالية هي العاصمة للمجتمعات من الانهيار والانحلال... كما أنها هي التي تصون المدنية والحضارات من الضياع.... مما يجعلها المسبب الأساسي لنهضة الأمم_ وقوتها.....


فالسلوك ثمرة لِما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد ...الانحراف في السلوك ناتج عن خلَل في المعتقد الإنساني ....


فالإنسانية الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق... كما أنها تردعه عن مساوئِ الأخلاق....


وتلعب الأخلاق دوراً أساسياً في تنمية الشعور الجماعي بالآخرين..... وفي تنظيم العلاقات بين الأفراد.... الأمر الذي يقوي أواصر المجتمع... ويزيد من ألفته... ومن تعاونه... وتماسكه... وبالتالي قوته ومجدة ونضالة ...


وتعتبر الأخلاق الدستور المثالي الذي يتم تقييم الأفعال والتصرفات بناءً علي.... علماً أن كل ما يتفق مع التصرفات هو حسن ومحترم وخير.... وكل ما يخالفها فهو شر ومحتقر وسيئ... الأمر الذي يوحد هذه القيم لدى أفراد المجتمع....


على هذا النحو تبدو فضائل الأخلاق من الأركان الأساسية لسعادة البشر وتكامله المادي ورقيه المعنوي......


وإن الوجود اليومي للإنسان يعلن الحاجة الملحة لاستعادة الفلسفة الأكسيولوجية.... وقد نتج عن ذلك ازدياد الطلب على الأخلاق بشكل متزايدا خاصة في ظل غيابها في ساحة المجتمع.....



حسن الخلق:_ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..
---

فإن معرفة ثمرات الأشياء.... واستحضار حسن عواقبها.... من أكبر الدواعي إلى فعلها.... وتمثلها.... والسعي إليها.... والمرء إذا رغِب في مكارم الأخلاق.... وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس.... وأجل غنيمة غنِمها الموفقون.... سهل عليه نيلها واكتسابها....


كالحياء والصبر والعفة والكرم والتسامح وغيرها.... الأمر الذي يوصل الأفراد إلى حالة من النضوج العاطفي والفكري.....


وبالتالي ينتقل الفرد من طور الانضباط بسبب الآخرين إلى طور الانضباط بواسطة الذات.... مما يدفع الأفراد للحفاظ على القانون.... واحترامه.... وبالتالي حماية قيم المجتمع....


ومما يعين على استبقاء المودة واستجلابها.... وعلى واد العداوة.... وإخلاد المباغضة.... ثم إنه دليل على سمو النفس... وشفافيتها...



يقول أرسطو في مقدمة كتابه "الأخلاق النيقوماخية":_


"إن كل فن وكل فحص، وكذلك كل فعل واستقصاء لا يقصد به أن يستهدف خيرًا ما، ولهذا السبب فقد قيل بحق إن الخير هو ما يهدف إليه الجميع".


ويفصل الغايات من الأفعال واختلافها، فيتساءل "فما هو إذن الخير في كل واحد منها؟


" أليس هو الشيء الذي من أجله يصنع كل الباقي؟ "ويعدد الأمثلة التي يشرح بها رأيه فيقول "في الطب مثلًا هو الصحة، وفي فن الحركات العسكرية هو الظفر، وهو البيت في فن العمارة..... وهو غرض آخر في فن آخر.


لكن في كل فعل، وفي كل تصميم أدبي، الخير هو الغاية نفسها التي تبتغي"[1].


ويحدد أرسطو تعريفه للسعادة كغاية قصوى بقوله:_


"على هذا فالسعادة هي إذن على التحقيق شيء نهائي كامل مكتف بنفسه، ما دام أنه غاية جميع الأعمال الممكنة للإنسان"[2].


ويتضح بصورة أوضح عند أحد كبار فلاسفته وهو وليم جيمس الذي يرى أن الخير يقوم في إشباع مطالب الإنسان وتحقيق رغباته.


ومعنى هذا أن من حقنا أن نعتنق مبدأ خلقيًا أو معتقدًا دينيًا لا يحملنا على اعتناقه تفكيرنا النظري المجرد، بل تدعونا إلى اعتناقه مطالب الحياة ومقتضياتها.



اخـــلاق الضمير.. ام أزمة ..؟
---



فـــ عندما تنفق ملايين الجنيهات لعلاجِ الأغنياء على نفقة الدولة في الخارج.... خلافَ عشرات الملايين التي حصل عليها أشخاص آخرون بأسماء موتى بعد أن تحول العلاج على نفقة الدولة ...؟


إلى منجم ذهب لأصحاب الذمم الخرِبة والضمائر الميتة..... بينما المواطنون البسطاء لا يجِدون الشاش والقطن.... فهذه أزمة ضمير....


وعندما تصرف الملايين على الرصف في الشوارع ثم يتآكل الإسفلت وتتكاثر الحفر بعد قليل من الزمن.....


فهذا دليل على أزمة ضمير... وعندما تصرف ملايين الجنيهات على الصرف الصحي.... ثم لا نجِد شيئا من ذلك يتحقق على أرض الواقع.... بل تحصل على انهيار صحي يبتلع الإنسان ويضر الحيوان.... فهي أزمة ضمير....



اخــــلاق للبيع ..
---


تسود في مجتمعاتنا اليوم مظاهر سلوكية وأخلاقية.... يقول لنا أهلنا وأجدادنا أنها كانت في أزمانهم ظاهرة نادرة.... كانت هي الاستثناء.... بينما هي اليوم.. القاعدة....


كذب...ونصب _ واحتيال_ غش_ رشوة_ محسوبيات_ واسطات_ سرقة لمال الدولة_ سرقة للكهرباء_ عدم الالتزام بالوعود_ تهرب من المسؤوليات_ أعصاب تنهار عند أي خلاف بسيط لنسمع شتائم وكلمات غير جديرة بالتعامل بين البشر....


كل هذه المظاهر السلوكية والأخلاقية وسواها الكثير من قبيلها.... كانت هي القاعدة.... أما الالتزام بالأخلاق والوعود والحديث عن المال الحرام... وتحمل المسؤوليات... باتت استثناءات تجلب لأصحابها السخرية من غالبية أفراد مجتمعنا....



فعندما تدعم المستشفيات العامّة بملايين الجنيهات لخِدمة المواطن البسيط،.... فإذا طوابير أمام هذه المستشفيات لا تجِد من يطببها أو يداويها....


فهي أزمة في الإنسانية،...قبل أن تكون أزمة ضمير.... عندما يترك المدرس مدرسته ولا يتقن فيها عملَه مِن أجلِ حفنة جنيهات قد يكون مضطرا لها أو لا.... فهي أزمة ضمير.....


وعندما تصرف ملايين الجنيهات على بناء كبار ومدارس ومؤسسات.... ثم يمر عام أو عامان نجِد أن هذه المباني تحتاج لترميم من جديد... فهي إذًا أزمة ضمير....


عندما يدعم الرغيف بالملايين.... ثم يخرج ترفض الحيوانات أن تأكله.... مِن سوء صنيعه وما حواه من نشارة الخشب ومسامير حديد، فهذه أزمة ضمير.....


عندما تنحصِر الملايين في المستشارين والمنظرين ويبقى السواد الأعظم بالملالليم... فتجِد الموظف يستلف مع بداية الشهر.... لأنه وزع مرتبه بدايةً من يوم القبض 25 حتى يوم 30 أين الضمير؟!


عندما توزع الموارد على10 % من الشعب دون الآخرين بحجة زيادة الاستثمار.. الذي أدى في النهاية لأعلى معدلات الانهيار...فهذا انعدام ضمير....


البعض يفضل لو قلب السؤال ويعتقدون أن الأوضاع المادية والمعيشية السيئة... والتي تسير بانتظام نحو التدهور أكثر... هو ما يدفع الناس... تحت ضغط الظروف... إلى الانحراف عن السلوك السوي والأخلاق السوية...


لذلك يعتقد البعض أننا اليوم نحيا حقبة تسود فيها أخلاق أزمة؟ وأن السبب هو تلك الأزمة؟



لكن في الضفة الأخرى يصر آخرون أن الأزمات عادة ما تكشف عن المعدن الجيد للناس، مما يعني أن معادن الناس في أيامنا هذه سيئة... لذا فنحن نحيا أزمة أخلاق لا مبرر لها....



نعم حينما تذهب الأخلاق ويغيب الضمير .... يغيب كل شيء.... ويصبح كل محلل محرم ..... وكل محرّم محلل !!..


فالمجتمعات وقبل بناء الدول والقوانين كان يحكم علاقاتها مع بعض _ الأخلاق_ وهذه تشمل مجموعة الأعراف والعادات والتقاليد التي تتباين من مجتمع لآخر...

ومفاهيم الصدق والأمانة والمحبة والإخاء والتعاون والابتعاد عن القتل والسرقة والإجرام ......


وهذه كانت تتقاسمها كل المجتمعات كثقافة ومفاهيم فطرية طبيعية يدركها البشر بالفطرة .. وقبل أن يأتي الوعاظ والشيوخ ليحدثونهم عنها وعن معانيها....


نحن بحاجةٍ إلى إتقانِ فن الحوار.... وفن الاختلاف.... وقَبول الرأي الآخر.... والتخلي عن ازدراءِ الآخر.... وتسفيه الآراء..... واتخاذ خطوة إيجابية في تقبلِها ومناقشتِها.... أو الاختلاف معها.... ولكن في جو من الالفة والمودة والأخوة...




إنتهي




المراجع ..

1- تاريخ الفلسفة اليونانية: يوسف كرم ص 186.

2- كتاب الأخلاق: أرسطو ص 178- 179.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد