الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(4)

ماجد الشمري

2017 / 11 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان مبدأ فلسفة فيورباخ في نقد الدين هو الطبيعة البشرية واكتشاف الانسان لذاته،فيصبح واعيا لطبيعته الخاصة بأن يدرك نفسه ك"كينونة نوع".فتتكون علاقة بين الوعي كذات،والعالم كموضوع خارجي.هذا الوعي الذاتي-كما يصفه فيورباخ-هو:"كينونة تصبح موضوعية بالنسبة لذاتها".وهذه الصيرورة المتشابكة تجعل من الناس ذاتا وموضوعا في نفس الآن.ومن هنا يأتي التشويش واللبس،فعندما يجعلون من انفسهم،او من طبيعتهم الموضوعية شيئا مختلفا ومتمايزا عن ذواتهم(الله-الارواح-الملائكة).وهكذا يتسرب الاغتراب الى دواخلهم،بتغريبهم لانفسهم الى كينونات خارجية مستقلة عنهم.والنقطة المركزية والجديرة بالاشارة في اطروحة فيورباخ الثيولوجية،والتي تترتب عن الاغتراب البشري هي:ان الأله هو مجرد اسقاط للطبيعة البشرية النوعية،فهو يقول في كتابه"جوهر المسيحية":" الانسان-هذا هو سر اسقاطات-الدين لكينونته في الموضوعية،ويجعل من ذاته من جديد عندئذ غرضا لهذه الصورة المسقطة لذاته المحولة من ثم الى ذات آخرى".ويقول ايضا:"الأله هو فكرة النوع كفرد-فكرة جوهر النوع-الذي هو كنوع،ككينونة شاملة،كمحمل لكل انواع الكمال،وكل الصفات او الحقائق،الخالية من كل الحدود التي تتواجد في الوعي وشعور الفرد،هو في الوقت ذاته من جديد كينونة فردية،شخصية".وتكون النتيجة المترتبة من منطوقه هذا،والتي يتوصل اليها فيورباخ:ان الافراد كجزء من النوع البشري واعون لذواتهم،يصورون طبيعتهم البشرية على انها مجردة من المحدودية،ويضعون عليها اللقب او الاسم"اله او الله".وهكذا يسقطون على الله-الذي هو نتاج مخيلتهم-وينسبون اليه الصفات البشرية الكاملة،التي هي صفات نوعهم البشري بالتحديد،كصفات للكائن المجرد الذي تم اختراعه من قبلهم!..
كان فيورباخ قد باشر نقده المناهض للدين لدى فلاسفة القرن الثامن عشر،ومده الى الفلسفة الهيجيلية ومعها كل الفلسفة المثالية التي كانت مثل الدين ترتكز على قلب المواقع،بين الموضوع والمحمول،الذات الحاملة ومحمولها،قلبا يجعل من الفكرة كائنا الهيا ومن الانسان-منتج الفكرة-مخلوقه.ولانها كذلك،فهي مثل الدين تولد الاغتراب للانسان فلسفيا.وبالضد من الفلسفة المثالية اعتبر فيورباخ ان الروح ليست هي الخالق،بل هي نتاج الانسان،والانسان المتعين في علاقته بالطبيعة،وعلاقته بأقرانه من البشر هو مايشكل مبدأ كل فلسفة مادية حقة.وهكذا قلب فيورباخ العلاقة المثالية بين الوجود والوعي،بجعله الكائن هو الموضوع ،والوعي هو المحمول.وعارض المثالية الفلسفية والدينية بتصوره المادي الطبيعي للعالم.ولكن مع هذا ظلت نقطة ضعف مادية فيورباخ الطبيعية هو افتقارها للجدلية والتاريخية فقد كان مفهومه المادي الانسي منزوعا منهما،وقد راوح برؤيته للانسان المجرد ككائن حسي متأمل،وفي الطبيعة كموضوع للتأمل،وتصوره للعلاقات الانسانية لاكعلاقات اجتماعية فعلية وممارسة يحددها التناقض الطبقي وصراع المصالح.بل كعلاقات مجردة بين الانسان والطبيعة،وبين الانسان وغيره من البشر خارج دائرة العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية وتأثيراتها.فكانت فلسفة فيورباخ المادية هي انسانوية-اخلاقية ترى في الاغتراب صورته اللاهوتية بعيدا عن اسبابه وطبيعته الحقيقية في قلب المجتمع لافي السماء.فهو اغتراب اجتماعي-اقتصادي-سياسي-كما عند ماركس-.ففيورباخ يرى الغاء الاغتراب يتم من خلال الجانب الروحي المثالي،وتربية البشر وتحريرهم من الاغتراب بالتعليم والاصلاح لابتغيير واقعهم الاجتماعي-السياسي القائم.
في نقده للمسيحية بين فيورباخ بوضوح وعمق :ان الانسان بخلقه لله يسقط صفاته الاخلاقية السامية والنوعية عليه من :حب ورحمة وبر وخير،الخ.-ولكون الله هو الصورة الانسانية المثالية في تجسيد الخير والسمو،فلايمكن ان يكون مصدرا للشر،فجرى ايضا اختراع الشيطان كند وضد لله ليتكفل بحمل وزر الاغواء وتضليل الانسان،وايضا بأسقاط الجانب المظلم والكريه في الانسان على الشيطان،مثلما اسقط الانسان صفاته الحميدة السامية على الله ،اسقط صفاته ونوازعه السيئة على الشيطان كمسبب لها،وسقوط الانسان بالخطيئة وارتكاب الذتوب.م.ا-وهذا مايقوده الى اغترابه بتجريده من ما ينتمي اليه وخلعه على الله،فيصبح الانسان:معزولا وعاجزا وانانيا:اي لاانسانيا بعد ان اغترب عن ذاته الحقيقية ومنحها لله.ومن اجل عودة الانسان لطبيعته الاولى الحقة،يجب عليه-كما يقول فيورباخ-ان يلغي الدين حتى يسترجع صفاته وطبيعته التي تخلى عنها لكائنه الاسمى-الله-..
ومن نقده للدين خرج فيورباخ بفكرة الانسانونية(humanism)القائمة على تصور انثروبولوجي للانسان والمجتمع.وهنا ايضا يكمن الضعف والقصور في فلسفة فيورباخ التي لجأت للحل الطوباوي-التجريدي للمعضلات الاجتماعية والسياسية.لكن تبقى مأثرة فيورباخ-والتي مجدها ماركس وانجلس-وهي:انه بنقده للدين حرر البشر من وهم اللاهوت،ليعوا طبيعتهم الحقة.ولم يدرك فيورباخ ان جوهر الانسان هو عمل البشر الجماعي داخل المجتمع،انتاج حياتهم المادية وحاجاتهم.وكان عليه-حسب ماركس-ان يتحول من نقد الدين الى نقد المجتمع البرجوازي والدولة-وهذه كانت مهمة ماركس ونظريته اللاحقة-.ولكن فيورباخ نفسه كان يعي جيدا حدود فلسفته النقدية.فقد اعترف بقصور وعيوب فلسفته،وكان يدرك تماما ان ماطرحه لايقدم حلولا واقعية للمشاكل والمعضلات الاجتماعية-الاقتصادية.وكان ايضا يعرف ان الداء الحقيقي الذي تعانيه البشرية لايكمن في رأسها او قلبها،بل في معدتها!....
..............................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية