الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الفلسطيني: من المد إلى الإنحسار؟!

إعتراف الريماوي

2006 / 2 / 24
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


الوجه الآخر لنتائج الإنتخابات التشريعية من الفوز الساحق لحماس هو هزيمة التيار الوطني الديمقراطي عامة واليسار الفلسطيني خاصة، فاليسار الفلسطيني(معظم قواه) عاش مختلف فصول الثورة المعاصرة ومن قبلها في حركة القوميين العرب، وهذا ما أعطى اليسار الفلسطيني سمة مميزة له، من خلال الإنخراط الكامل في النضال الوطني بأشكاله المختلفة، وبطرح قضية التقدم الإجتماعي كرؤيا لبناء المجتمع.
لا شك ان اليسار قد قدم كثيرا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وقد إستطاع إجتراح أساليب نضالية متعددة، سلمية كانت أو غيرها من أشكال الكفاح الأخرى،فمن العمل التطوعي والنقابي وقبله الكفاح المسلح وإختطاف الطائرات وتنظيم شبكات كفاح أممية فاعلة ومناصرة للقضية الوطنية، إلى جانب دوره الكبير في م ت ف وحماية القرار الوطني الفلسطيني وإستقلاليته...إلخ.
كانت م ت ف تشهد حالة من التنافس الشديد ما بين "فتح" كتيار أكبر ومتنفذ وبين اليسار غير الموحد، فالتنافس كان حاصلا في الطرح السياسي والفعل الوطني والجدل النظري والفكري في كل ما يتعلق بالقضية الوطنية والعربية وكيفية الرؤيا للحياة والأحداث العالمية، ولهذا فقد كان يبدو ان اليسار الفلسطيني قد يكون في يوم من الأيام على رأس الحركة الوطنية الفلسطينية، أو بديلا مستقبليا للقيادة المتنفذة والمتمثلة بحركة" فتح"، وهذا توقع لم يكن خيالا أو وهما بل نابع من هذه المسيرة والتراث الغني الذي من شأن تراكمه الطويل أن يُحدث تحولا نوعيا في مكانته القيادية، فبالإنتفاضة الأولى التي إنطلقت عام 1987 كان هناك تقارب كبير في الفعل والحجم مابين بعض قوى اليسار(الجبهة الشعبية) وحركة "فتح".
إذا ما نظرنا للمكانة التي كانت محتملة لليسار الفلسطيني والتي وصل إليها اليوم نجد فارقا هائلا، فيكاد دور اليسار الفلسطيني الفعلي والتأثيري على مسار الأحداث غير ملموس وغير واضح، وبعد الإنتخابات التشريعية، فقد أخذ اليسار قيمة من " الكسور" كتعبير عن حجمه الشعبي، وهذا يطرح سؤالا على اليسار الفلسطيني وقواه، ما العمل وإلى أين؟ كيف نستلهم التراث ونصوغ المستقبل؟
هذا السؤال متأخر كثيرا لكنه ما زال ممكنا، نقول متأخر لأنه كان من الأجدى الإجابة عليه عندما طُرح موضوعيا بعد إتفاق "أوسلو"، وكانت وقتئذٍ الساحة تستدعي قوة تحفظ مسار القضية الوطنية من الإنزلاق في شرك التسوية وأن تكون متنورة وليست سلفية كما حصل، وحينها بدأت قوى اليسار تتراجع بدل أن تستعد للإمساك بزمام المبادرة، وغن كان جزءا من التراجع بفعل أحداث عالمية(إنهيار المعسكر الإشتراكي) وعربية(تراجع القوى القومية واليسارية والعدوان على العراق)، ومحلية بفعل إتفاق أوسلو الذي فرض واقعا جديدا على المشروع الوطني وحوامله بما فيها قوى اليسار، وكان ما من خيار اما هذه القوى إلا التكتل وقيادة تيار شعبي تحت عنوان بديل ثالث، وإحداث تحول نوعي في منهج عملها وطرحها بشكل جديد، هذا الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
اليسار برغم دوره التاريخي وقوته وفعله إلا أنه لم يستطع تشكيل تيار ونظرة مستقلة على مسار الثورة، فكما هي إيجابيات الشراكة السياسية والكفاحية في م ت ف، فهي كانت تشكل "شرعية" لتنفذ وإستمرار هيمنة "فتح" التي إستطاعت إستثمار الحالة هذه برمتها في مشروع "أوسلو" ولم يستطع اليسار تغيير ذلك.
كما ان اليسار الفلسطيني لم يستطع إتقان الدمج الخلاق في طرح البعدين التحرري الوطني والإجتماعي التقدمي، بل بدت علاقتهما محكومة لنوع من الأولوية وتقديم جانب على حساب آخر، وهذا ما تكشف مع بدايات الإنحسار والتراجع السياسي، فتجليات الأثر الحقيقي والفعلي لهذا التراجع تمثل بتراجعات أخرى فكرية وإجتماعية على بنى قوى اليسار وبعض كادراته ومناصريه.
عدم مقدرة اليسار على صياغة وتمثيل الدور الحقيقي بوجهيه الوطني والإجتماعي كإستراتيجية عمل واضحة يتم من خلالها إشتقاق التكتيكات المناسبة، جعله في حالة من الإرتباك السياسي والإجتماعي، فطوال السنوات في م ت ف كان ثمن الشراكة السياسية الإنضواء تحت الخطاب السياسي لحركة "فتح" كمحصلة، وبعيد إتفاق أوسلو، أقام اليسار الفلسطيني علاقات سياسية وتحالفات طلابية ومؤسساتية مع حركة "حماس" على قاعدة معارضة نهج "أوسلو"، وهذا جعل اليسار يبدو وكأنه لا يرى المخاطر الإجتماعية لقوة الإسلام السياسي.
هذه الممارسات عملت على تمييع الهوية السياسية الإجتماعية لليسار، بدلا من ان تكون واضحة دوما وتراكم خيارها وجماهيرها في مشروع وطني ديمقراطي عام. وليس بعيدا عن هذه الصورة ما يحدث اليوم، فهناك أنباء يتم تداولها حول نية بعض قوى اليسار المشاركة في حكومة "حماس"، فهل نحن أمام مرحلة أخرى تتواصل مع الإرباك والتشتت في التعبير عن الهوية؟ كيف سيدخل اليسار هذه الحكومة ونواب "حماس" يعلنون انهم يرون "أسلمة" القوانين التشريعية وفق تفسيراتهم على رأس أولوياتهم؟!
اليسار اليوم، بحاجة لوقفة نقدية مع الذات، مراجعة للتجربة والتراث، إعادة هيكلة لبناه وبحث أكثر جدية في صياغة تيار ديمقراطي وطني إجتماعي، وإن كان هذا الدور متأخرا، إلا انه أجدى من الخوض في قضايا آنية قد تخلق فرصة للتعامي عن الهزيمة وإضاعة لفرصة النقد والبناء والتجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة