الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الشر و الخير

مينا ابراهيم

2017 / 11 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل فكرت يوما ما الذي يجعل إنسان، وبخاصة إن كان صالحا، يفعل الشر؟ لعل الإجابة علي هذا السؤال تتوقف بشكل كبير علي مدى فهم الفرد للسلوك الإنساني. يرى الكثير أن ما يحدد أفكار وأفعال الإنسان هي صفات الشخص و نزاعاته الداخلية فحسب، فيري الناس ملائكة و شياطين وخط ثابت يفصل بين الخير والشر، يقف الأخيار علي جانب و الأشرار علي الجانب الآخر يقسمهم ذلك الخط الذي يصعب عبوره. نحن نركز دائما علي الدوافع الداخلية فنرجع اي عمل شرير إلى صفات الشر الكامنة في الإنسان، ونتناسى أن البشر إلى حد كبير مخلوقات تفاعلية تتأثر بالموقف و الظرف. نرى الآخرين كما لو أننا مصنوعين من مادة أخرى؛ ننظر إليهم من فوق رابية العصمة ولا نفطن إلى تلك الحمأة التي تحت أرجلنا.

لكي نفهم كيف نخطئ، يجب علينا أولا أن نتوسع قليلا في فهم ماهية الشر، منشأة، و نقطة اتصاله بالواقع الإنساني. فمن الصعب أن نرى الشر كقيمة إيجابية بل إنه يعتبر بمثابة نقيض الخير، وهذا لا ينكر وجود الشر بينما فقط يعطيه معنا سلبيا. وبذلك يكون كل نقص أو ضعف هو شر ويشمل ذلك المرض، الألم، الإعاقة، التشوه، الرذيلة، الخطأ، الجهل، والقبح.
وعلي الرغم من أن الشر لا يتزامن مع الخير في الوجود إلا أنه في علاقة جدلية متصلة معه، ولعل نشأة الشر لها ارتباط وثيق بالهشاشة التكوينية للخلق و الضعف النوعي للإنسان مقترنا بحرية الإرادة، فالشر هو ضريبة الحرية كما أن إدراك الشر هو أولي خطوات وعي الحرية. ولفهم حتمية وجود الشر يجب أن ندرك كون الإنسان كائن مادي يقع ما بين الله وهو الوجود الأعظم واللاوجود، يتطلع إلى الكمال و يشترك في العدم، ومن هنا تنبثق الثنائية ويتواجد الشر. ولعل من أفضل الأمثلة التي قرأتها من قبل و التي توضح هذا المفهوم هو أن نتخيل وجود مصدرا للضوء كشمعة مضيئة علي سبيل المثال، وحين أن ضوء الشمعة يكمن في شعلتها، فإن إضاءتها الكاملة تعتبر مائة بالمائة، وكلما ابتعدنا عن الشمعة فإن درجة الضوء تتضاءل أيضا، فتكون تسعين ثم ثمانين....، وهكذا حتى تصل عند عشرة بالمائة، في هذا المستوى تكون الإضاءة ثنائية بمعنى انها نورا وظلاما. هذا المستوى يمثل الكون المادي الذي نعيش فيه و الذي تسوده الثنائية، فنجد فيه النور والظلام، المعرفة و الجهل، الإيجابية و السلب، الروح والمادة، والخير و الشر. و بما ان للإنسان حرية الاختيار فإن عليه أن يسعى نحو المعرفة العميقة التي تجنبه عمل الشر و تحفظه في إطار الخير. وعندما كان الابتعاد عن شجرة معرفة الخير والشر يمثل أحادية المعرفة و التي تحميه من الخطأ، إذ أن معرفة الشر ليست معرفة بالمعنى الوصفي للكلمة، حيث أن الشر هو جهل أو إن صح التعبير معرفة سلبية، كان اختيار الإنسان ثنائية المعرفة هو السقوط بعينه.
على ضوء هذا فإن الإنسان الذي هو نتاج تربية وتنشئة من أجيال سابقة تحمل أفكارهم الكثير من الجهل و انحرافات مختلفة في القانون الأخلاقي، وهو محصلة خبرات و مواقف متباينة تعرض لها من خلال مسيرته الحياتية، لذلك فإنه من المنطقي أن يكون ردود أفعال البشر تجاه نفس المؤثرات مختلفة أيضا. وكما ذكرت من قبل أن البشر كائنات تفاعلية فليس من العجب تحول الناس إلى الشر في ظروف ما و في سياقات سلوكية معينة.

أنا لا أتعجب من وجود الشر ولا اندهش عندما أرى الآخرين يخطئون، فأنا خطاء أيضا ولا استطيع ان احصر اخفاقاتي، وعلى الرغم من أن البعض قد يحسب ذلك تواضعا إلا أنه في حقيقة الأمر واقعية بحته. فكثيرا ما يتردد علي مسامعي أن المتواضع يرى جميع الناس ملائكة مهما كانت اخطائهم، ولكني لا أعتقد أن نوح البار كان يرى الجموع الهالكة من حوله ملائكة، ولا أن هذه كانت نظرة إبراهيم و لوط لأهل سدوم و عمورة وإلا كانوا بشرا مغيبين. انا لا استطيع ان اكون إلا واقعيا ولا أن أرى البشر إلا بشرا، كائنات مادية تحمل في أجسادها أرواح ابديه، تترنح ما بين كثافة المادة وطلاقه الروح في عالم يجمع ما بين الإيجاب والسلب.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو