الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الوحدة أولاً، قراءة في مواجهة الاحتلال والمشروع الطائفي والالغاء
سليم نقولا محسن
2006 / 2 / 26مواضيع وابحاث سياسية
عندما يُحاصر الوطن، ويغيّب كمفهوم لمجتمع المواطنية، تبدأ لدى الكثير من القاطنين فيه حسابات أخرى، وتظهر الإستطالات المصلحية للدول الطامعة ذات الشأن، عندها يتكاثر سياسيون لا نفع منهم، ويتحول البعض من أغبيائهم، ممن يظنون أن الوطن بات أرضاً خربة: إلى مقاولين، وإلى دجّالين وحواة وإلى لصوص، يدعون ما يشاؤون ويتصرفون بما ليس لهم، ويستبيحون شعب الوطن.
إن ما تسعى إليه القوى المعادية هو تحطيم الدولة القائمة - دستورها وقوانينها، حدودها، إنتاجية أبنائها وعلاقاتهم وروابطهم- بما يعني ذلك من إزالة للمؤسسات التي تحفظ المنتظم المجتمعي السياسي بعلاقاته القائمة على العمل والإقتصاد الإنتاجي وأمنه، وذلك لنقل المجتمع إلى حالة البطالة وفرط العقد الأساس بين مواطنين متساويين منتجين الضامن لإبقاء المنتظم، وإنشاء عقد إذعان بديل عنه بين أصحاب القوة لمالكي الأرض وحدودها، والرعايا أو الأتباع القاطنين عليها، عندها يعود المجتمع إلى حالة ما قبل الدولة السياسية، ويرتد أفرادها عن السوق الإنتاجية وعلاقاتها إلى ما يشبه ضمناً المجتمعات البدائية، وإن اختلفت شكلا، والتحصن بالطائفة والقبيلة والعائلة، وإعادة إنتاج مفاهيمها الإلغائية لانتفاء السوق، كتعابير لصيغ جديدة من العلاقات، تفرزها هياكل الإنتاج الأسروي المكتفي، أوالى أشكال من الإرتباط الاستهلاكي أو الانتاج الخدماتي المباشر، إن وجد، بالسوق العالمية ضمن شروطها، خارج إطار الوطن وطبيعة علاقاته.
وهذا ما لاحظنا حدوثه في فلسطين، وفي لبنان من عام 75 إلى 1990 وتداعيات أحداثه المضطربة والعلاقات المجتمعية التي فيه أثناءها، وسحبها على المنطقة في محاولة لتعميمها، وأيضا عبر محاولات إفشال البرامج الإقتصادية الناهضة بمجتمعاتها في دول عديدة وإفلاسها، إلى ما يحدث في العراق الآن من إصرار على إزالة معالم الجمهورية، وملاحقة بناتها وقادتها، وتقديمهم إلى محاكم صورية، وتهجير أبنائها، وإشاعة الفوضى في ربوعها.
كما يلحظ بانه لا يمكن صنع تغيير جديد في دول المنطقة العربية على طريقة الثورة المصرية،أو الجزائرية أو العراقية، فلا يمكن لصيغ ثورة ما أن تتكرر، إذ عندما تعجز وظائف الدولة بحكم محدودية امكاناتها الادراكية كنتاج مرحلة: عن لحظ واستيعاب المتغيرات المتراكمة في واقعها وتحولاتها النوعية الطارئة في الذهنية الثقافية والمسلكية والطرق المعيشية وفي أنماط الإنتاج والإستهلاك التي تشكل حالة ثورية، لا بد أن تنفجر هذه الوظائف السلطوية سلما أو عنفا في محصلة متوازنة بين القوى المتعارضة لصالح قوى الثورة، خاضعة لشروط وظروف الزمان والمكان.
وعلى هذا فقد شكلت الثورة في مصر عام 1952 انعطافا مصيريا، ليس في الداخل المصري وحده، وإنما في المحيط العربي، إذ تمثلت بقيادة الثورة ملامح الرفض الشعبي لأنواع القهر، كما بلورت طموحاته إلى التجدد، عبر تحركها لاستعادة دولة الشعب ومؤسساتها من سلطة الأسرة الملكية الحاكمة، واستطالاتها بين رجالات الاقطاع والرأسمال والأحزاب المتقاسمة والمتنافسة في نهب وحكم شعب مصر، ولا يخفى ما كان لهؤلاء بمجملهم ولأنماطهم في الدول العربية الأخرى، من ارتباطات خاضعة لنفوذ الدول الكبرى، مما أفضى هذا إلى تواطؤ خياني، كان من نتائجه اغتصاب فلسطين عام 1948. وكان من مقاصد الثورة في تحركها هذا لاستعادة الدولة، إقامة أسس بناء دولة مستقبلية قوية، في ظروف دولية شديدة التعقيد لم تكن لتسمح بها حساسية الدول الكبرى الخارجة من الحرب الثانية.
وكان لا بد لقيادة الثورة المصرية في تلك الظروف من دراسة واقع الدولة بما يتضمن هذا وضعها وتاريخها، لتتلمس على أساسه الآفاق المستقبلية لمشروعها الجديد، وأن نظرة موضوعية لظروفها المحلية في تراكيبها الاقتصادية والسياسية المتشابكة وعلاقاتها بجملة الأوضاع الخارجية ومصالحها أكانت إقليمية أو دولية، كان لابد أن تدفع الثورة وكيانها إلى استكشاف أهمية الواقع الجيوسياسي لمصر العربية، وفاعلية كتلتها البشرية، وسط انتماء عروبي وإسلامي وأفريقي، كانت ترزح شعوبه أيضا تحت وطأة التخلف والاحتلال والاستغلال والاستبداد، وتتطلع مثلها إلى فك إسارها عبر الثورة من أجل الإستقلال والتقدم. وبناء عليه تولدت القناعة زمنها، بأن انطلاقة مصر، لا يمكن لها أن تتحقق دون التعمق في واقعها الجيوسياسي واكتشاف وحدة المنطقة وموقعها الرئيس فيه والاستعانة بالتالي بامكانيات الشعوب القريبة، التي واجهت ذات المصير وتتطلع أيضا إلى التحرير.
فكان قرار تبني القيادة للقومية العربية وجعلها قضية محورية في البناء والتحرير، إعادة للدولة الى آفاقها، وكسر قضبان سجن القطرية أولا، التي وضعتها وشعوب المنطقة فيه سنوات الهيمنة الطويلة للإستعمار.
لقد كان اندفاع شعبنا العربي إلي تأييد القوميين التحريريين العرب، والابتهاج المنقطع النظير الذي أبداه أبناءه في سوريا ومصر وعموم المناطق والعواصم العربية بإعلان قيام (الجمهورية العربية المتحدة) في 22- شباط - عام 1958: يصحّ عنوانا لما كان يغتلي من أماني في صدر هذه الشعوب، وما كانت تجسده هذه الوحدة المتمثلة بقيام دولة العرب من معاني لها، تتضمن عودة الكرامة والتحرر وامتلاك القوة القادرة على إنهاء عهود الظلام والتبعية والفقر والتخلف والاستبداد المقنعّ، بما يضمن وضع أقدام أبناء وطن العرب على الطرق الصحيحة للتقدم والمنعة والاستقلال، وعلى تحرير المناطق المغتصية وإعادة الحقوق لشعبنا الفلسطيني. وتحقيق الحرية والديمقراطية، بما يكفل إقامة الصيغ الصحيحة لمجتمع سياسي حديث.
لقد كان إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: على قاعدة التحرير ورفض الهيمنة، وايجاد قاعدة وطنية صلبة سياسية واقتصادية للتقدم، إنما كان يهدف إلى التأسيس لانطلاقة صحيحة ومتينة لتحقيق الحرية والديمقراطية للشعوب العربية، حيث لا حرية للشعب دون تحرر سياسي واقتصادي للوطن، ولا حرية ممكنة لإنسان الوطن مع التخلف والاستعباد، ولا ديمقراطية حقيقية مع أنواع الاحتلال.
إن قوى التبعية والعمالة بتعدد مناشئها التي ضربت أماني الشعوب العربية وأسقطت الوحدة أولاً عام 61، هذه القوى، التي لم تكن تجد حرجا انطلاقا من مفاهيم مدرستها الاغترابية: في وطئ جهد شعبها ومكاسبه وطموحاته وضرب قواه الوطنية المتطلعة إلى الحفاظ على الوطن: فى سبيل الحفاظ على مصالحها في بؤر استغلالها الخاصه بها، كانت قد شرعت في إعادة تنشيط سلالاتها لمهام تخريبية باستحداث أساليب مخادعة، وذلك لتسويق مفاهيم إقناعية جديدة، تصوّر الإنتماء القومي، والإيمان بوحدة الوطن والعروبة، مفاهيم متضاده مع عقائد الوطن ومناهضة للعدالة والحرية، وهذه المسلمات الشعبية بحسب مفهومهم: ما هي إلا وجوها مقنعّة حقيقتها التخلف والاستبداد، وكان من آرائهم: تكفير القيادة الناصرية لنشرها المعرفة ، والإهتمام بالصحة ، وإقامة المشافي ودور العلم والمصانع، وإدانتها: لقيامها بواجب الدفاع عن الوطن وبنائه والى اعتبار ذلك مغامرة منها وتخريباً، ومحافظتها عليه من الفتن والنهب ديكتاتورية وإرهابا، والإرتقاء بالشعب تخلفا، وبحسب ادعائهم فإن مجتمع السلم والرفاه : لا يمكن له أن يتحقق إلا بالرضوخ للإملاءات الغربية والرضى الكلي بسياسة مجتمع الفوضى والاستهلاك، وتجزيء الأوطان، وإلحاقها بسياسة النهب والتهجير والابادة والإذلال .
وهذه القوى المتساندة على اختلافها التي أعيد تنشيطها، لتفتتح باكورة أعمالها بتسهيل عمليات غزو العراق لإسقاطه، فقد ترافقت وتوافقت أعمالها التخريبية هذه مع برامج المخططات المعدة ضد هذه المنطقة، لصالح المستجدات الطارئة على الهيكلية الاقتصادية والسياسية لقوى الرأسمال العالمي وإدارات الدول الكبرى، وتبعا حاجة هذه الدول الملحة إلى إعادة تقسيم وتركيب المنطقة العربية طمعا في رفع وتيرة نهب ثرواتها واستنزافها، بغض النظر عن مصالح وطموحات أبنائها وما يرافق ذلك من مآسي لهم، كما يظهر هذا جلياً في فلسطين والعراق والسودان، ودول عربية أخرى بطرق متعددة، حصيلتها الإفقار والتخريب، والتهجير،لانهاء الوطن.
وكانت قد ابتدأت نمطية هذا التعامل النفعي الاستعلائي الفاجر من قبل الغرب: اتجاه شعوب المنطقة، منذ اتفاقية سايكس بيكو وعقب انكسار "القوميين الأتراك" في الحرب الأولى وانهيار الامبراطوريه العثمانية "الحاضنة الملّية" للمنطقة، حيث كانت قد سبقتها إحتلالات وإخضاعات متفرقة لمناطق عربية أخرى في الشمال الأفريقي، وفي الجنوب العربي، كما تبدّى هذا التعامل لاحقا، باتباع سياسة المعاهدات والأحلاف القسرية أو السلخ والاغتصاب والتشريد، كما حدث لأرض فلسطين وشعبها، وإلى فرض الحصار والابتزاز والحروب على هذه الشعوب العربية من حرب الجزائر الإستقلالية عام 54 إلى توترات الجولان في سوريا وحرب السويس عام 56 ، إلى حرب النكسة 67 وإلى فرض معارك استنزافية متعددة في لبنان 75 والسودان، والصومال، وعلى جمهورية العراق وحصارها منذ عام - 91 – الى غزوها عام 2003.
وعلى هذا لا يمكن اعتبار منطقة الوطن العربي أقطارا مفصولة لا ارتباط بينها، كما لا يمكن اعتبار شعوبها طوائف وإثنيات عرقية وعصبيات قومية ومذاهب دينية تتعارض وتضطهد بعضها البعض، ويحركها التناحر والتقاتل فيما بينها، وعلى هذا الأساس بحسب ادعاء منطوق العقل الغربي الأورو أمريكي وأتباعه: يجب تقسيمها لإشاعة مناخات العدالة والديمقراطية والاستقرار بين شعوبها، إن وحد ة المنطقة العربية هو في وحدة تنوعاتها السكانية والجغرافية وهو أساس التقدم، والارتقاء والقوه فيها، إن أمن شعب سوريا، يبدأ من حدود المناطق العربية وأمن أراضيها، إن تصوير سلبيات الوضع الوطني لكيان الدولة السورية من قبل بعض الذين اعتادوا على العمالة في دوله لبنان وغيرها، وكأنه صراع أقليات وطوائف حاكمة وأخرى مضطهدة، لإخفاء مجمل علاقاتهم المشبوهة وتمويه مراميهم، ليدّعوا شرف التصدي لمهام تحرير الشعب العربي في سوريا من الاستبداد باستقدام العالم الأورو أمريكي وجيوشه، إنما هو محاولة لخلط الأمور بقصد إضاعة الحقيقة، وإشاعة الفوضى في المنطقة، ونشر غطاء يخفي نفعية ممارساتهم للسياسات الطائفية وارتباطاتها وأهدافها، وأسباب مساعيهم الراكضة لتقويض الدولة.
هذه الممارسات، التي سعت دائما منذ عقود إلى تطبيع المنطقة بعقلية الطائفية ومنطقها الإلغائي المتقاتل: قد تسببت في كل مآسي القتل والمجازر على مدى خمسة عشر عاما في لبنان، لتلحق بها وتستتبع بمثيلة لها شريك قادمة من العراق، وبأخرى شريرة غازية من دولة الاحتلال في فلسطين، بهدف محاصرة دول المنطقة الممانعة واغراقها بمقولات الاستسلام وبلبلة شعوبها وإحداث الشقاق بينها، ومن ثم غزوها بذريعة تحريرها من سلطاتها بإسقاط دولة الشعب في سورية أولا بفخ الاحتلال، بالرغم من المآخذ على ما يعتري سلطة الدولة الحاكمة فيها من سلبيات منظورة للعيان.
فالشعوبيه في المنطقة العربية المتطلعة تاريخياً لأسبابها إلى ما وراء الحدود، والتي كانت تتخذ لبوسا متغيرا حسب الحال من مواقع الايمان أو العلم أو الإلحاد، كانت غالباً ما تعترف بالوجود القومي العربي للشعب الواحد القاطن على امتداد الوطن العربي، إلا أنها من موقف مغاير، فإنها كانت تعمل ولم تزل بذرائع ومقولات متعددة على إعاقة تجسيد هذه القومية عمليا في مجتمع قومي عربي واحد.
إن الاشادة والاحتفال بذكرى الوحدة، وبما عنت للشعوب العربية من آمال في تحقيق الحرية والتقدم والاستقلال، لا يمنع من ضرورة التشديد على ضرورة المقاومة الجهادية، وتنبيه ودعوة الشعوب العربية وقواها الوطنية والتقدمية إلى الوقوف بجدية وحزم في وجه هذه الهجمة المخادعة الشرسة وأدواتها البشرية وملحقاتها الإعلامية المساندة، التي تستهدف العروبة وشعبها أولا.
22- شباط/فبراير- 2006
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز