الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحث السوسيولوجي و الأكاديمي المغربي محمد فاضل رضوان:الانسياق الرسمي مع الاحتجاجات الرسمية وسيلة للتعويض عن الاحتقان الاجتماعي و السياسي

عزيز مشواط

2006 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكد أن الاحتجاجات العنيفة ضد رسوم الجريدة الدانماركية رد فعل شعبي يتغذى من وعي جمعي دفين يختزن سنوات من الصراع، مضيفا بأن الاعلام الغربي وجد في رد الفعل العنيف مادة اخبارية لتغذية التمثلات السائدة حول المسلم العربي المتعطش للعنف و القتل، في تسام مع الأطروحات المروجة للاسلاموفوبيا و التي يقودها ما أسماهم رموز التهويل من الخطر الاسلامي
.
الباحث السوسيولوجي و الأكاديمي المغربي محمد فاضل رضوان:
الانسياق الرسمي مع الاحتجاجات الرسمية وسيلة للتعويض عن الاحتقان الاجتماعي و السياسي

1- اجتاحت العالم العربي الاسلامي موجة عارمة من الاحتجاجات على اثر الرسوم الكاريكاتورية التي تناولت شخص الرسول ص بالاساءة.
كيف يمكن تقييم رد الفعل الشعبي من وجهة نظر سوسيولوجية؟
ليس من المستغرب أن تثير هذه الرسوم المسيئة إلى الرسول ص ردود أفعال بهذا الحجم في العالمين العربي و الإسلامي بالنظر لاستهدافها شخص الرسول الكريم الذي تنزهه الديانة الإسلامية عن كل مس كما ترفض تشخيصه مع غيره من الأنبياء بأي شكل من الأشكال, و لا يمكن قراءة ردود الأفعال هذه سوسيولوجيا إلا في سياق ما قد يمليه الوعي الجمعي في حالات كهذه تستثار فيها الجماهير،فيكون التوجه نحو إفراغ الانفعالات الجياشة الناتجة عن حجم الاستثارة عبر سلوكات غاضبة من البديهي أن تأخذ طابعا عنيفا و إذا كان يتم الحديث عادة في مثل هذه المواقف المشحونة عاطفيا عن ضياع الحقيقة و التباسها من منطلق أن الاستثارة قد تبدأ بمعلومة مبتورة و غير دقيقة أو بخبر مشوه وفق معايير شخصية أو ثقافية أو عقائدية على اعتبار أن سلوك الجمع ما هو إلا استجابة لا عقلانية لإغراءات الموقف الذي تجد الجماعة نفسها فيه فإن الأمر كان واضحا جدا بالنظر للوضعية المهينة التي صورت الرسوم الرسول الكريم ص فيها من جهة و للتداول الواسع للرسوم من قبل الجميع اعتمادا على الشبكة المعلوماتية الكثيفة و بفعل إعادة نشر الرسوم من قبل جرائد ذات انتشار واسع في أوروبا و العالم العربي و الإسلامي كفرانس سوار بل و بعض الجرائد العربية أيضا من جهة أخرى, لكن الأمر الأكيد أن أجندات كثيرة اشتغلت داخل سياق الاحتجاجات سواء على المستوى الدولي من قبيل اكتساء الاحتجاجات طابعا عنيفا ضد الرموز الغربية و الدانماركية أساسا في الدول ذات العلاقات المتأزمة بالغرب في الوضع الحالي كإيران و سوريا و التي حملت تهديدا مبطنا للمصالح الغربية في حال استمرار الضغوط على هذه الدول أو استخدامها مطية لتنفيس الاحتقان السياسي و الاجتماعي الذي تعيشه معظم الدول العربية و الإسلامية بتوجيه الأنظار عما يجري بالداخل انطلاقا من التهييج الذي اتخذ طابعا رسميا وجدت فيه الأنظمة المعزولة مطية للركوب مع الجماهير الغاضبة في نفس السفينة في بعض الدول أو حتى لتصفية الحساب مع بعض الأصوات الإعلامية المشاغبة كما حدث مع تيل كيل و لوجورنال بالمغرب فالإشكالات التي كانت مطروحة حول مفهوم المقدس في التداول الإعلامي قد انتهت إلى ما يخدم التوجه الرسمي فها هي السياقات الجديدة تعزز في تصور الدولة تطاول لوجورنال على المقدس الديني بعد أن تطاولت كثيرا على المقدس السياسي فكانت الاحتجاجات الموجهة أمام مقر الجريدة... كما لم تكن أجندة الإعلام الغربي المتبني للصورة النمطية الممجوجة حول المسلمين المتخلفين القطيعيين و اللاعقلانيين ببعيدة فتلفزيونات الغرب حظيت بمشاهد جديدة عن الوجوه الملتحية الغاضبة التي تدمر كل ما تجده في طريقها بعد أن أصبح أرشيفها متجاوزا بفعل استهلاكه اليومي و لنا أن نتوقف عند إصرار المنابر الغربية على استثارة الشارع المسلم كلما خفت حدة الاحتقان بإعادة نشر الرسوم من جهة و استهجان ردود أفعال المسلمين من جهة أخرى.
2- كيف تفهم نشر هاته الرسوم في هذا التوقيت بالضبط و هل توجد دلالة خفية بعيدا عن الهرج الاعلامي و التناول السطحي، خاصة وأن نشر الرسوم مرت عليه أكثر من خمسة أشهر فهل من دلالة لاثارة القضية في هذا التوقيت بالضبط ؟
هذا الأمر بالذات هو ما يعيدنا إلى ما أثرناه من وجود أجندات عديدة داخلية و خارجية وراء استغلال هذا المناخ للظفر بمكاسب قد تكون اقتصادية أو سياسية أو إعلامية لكن الالتفات إلى هذا الاستغلال المشبوه للقضية من طرف كل الجهات المستفيدة ليس من شأنه أن يخفي أصل المشكلة التي أثارت إلى جانب الاحتجاجات العنيفة أسئلة كبيرة جدا لا زالت تبحث له عن أجوبة من قبيل مفهوم و حدود حرية التعبير في الغرب خصوصا حين يتعلق الأمر بما له علاقة بالإسلام و المسلمين فالغرب الذي يدافع عن شرعية المس بصورة الرسول الكريم باسم حرية التعبير هو نفسه الذي حاكم المؤرخ ديفيد إرفين بثلاث سنوات سجنا لتشكيكه في أرقام المحرقة, لكن كيفما كان الحال فلا يمكن قراءة الأحداث رغم كل التداخلات المحيطة بها إلا في إطار المناخ العام المحيط بصورة الإسلام و المسلمين عموما بالعالم الغربي و أساسا في التناول الإعلامي الذي أضحى الكاريكاتور أكثر الفنون قدرة على تجسيدها بالنظر لطبيعة هذا التناول اللاموضوعي الذي يتغذى على تداعيات التوجهات السياسية الرسمية للعالم الغربي بعد أحداث 11 شتنبر التي ساهمت في توسيع الشرخ الذي كان موجودا من قبل, من جهة أخرى يجب أن لا نتجاوز التداعيات التاريخية و النفسية لهذه الصورة المتدنية التي لم تكن الرسوم الأخيرة سوى تعبيرا فجا عنها فظروف التلاقي بين الغربي و الشرقي عموما في التاريخ الحديث كانت تمنح تميزا اعتباريا للإنسان الغربي على حساب الشرقي و العربي المسلم أساسا الذي لن يخرج في لاشعور الغرب عن صورة البربري الذي تطلب تحضيره سنوات طويلة من الاستعمار أو المهاجر الهارب من جحيم بلده و الذي ارتبط وجوده في الغرب بالأعمال الحقيرة لتنضاف مع نهاية القرن العشرين لهذه الصور صورة الإرهابي الملتحي الذي يشن حربا مقدسة تستهدف قيم و ثقافة بل ووجود الغرب نفسه كما يقدمه الإعلام الغربي. فإن كانت ردود الأفعال تجاه الرسومات بدت في كثير من لحظاتها موجهة لخدمة مصالح فئات و أجندات معينة فإن توقيت رسمها لا يحمل في تقديري دلالة معينة بالنظر إلى أن إهانة الإسلام و المسلمين بالغرب أضحت ممارسة يومية ينخرط فيها الجميع من المواطن العادي الى المسؤول و السياسي و المثقف مع استثناءات قليلة لا زالت تتشبث بروح القيم الغربية الممجدة للتسامح و الاعتراف بالآخر.

3- خصصت في إحدى دراساتك حيزا هاما للخطاب الاعلامي الغربي وتمثله للانسان العربي المسلم واستعملت على الخصوص مصطلح الاسلاموفوبيا لتوصيف هذا التمثل،ما دلالة المفهوم؟-
بالفعل فمن الصعب جدا قراءة صورة المسلم و العربي في الخطاب الإعلامي الغربي دون استحضار مفهوم الإسلامفوبيا الذي أضحى مفهوما دارجا في ظل الأجواء التي فرضتها تداعيات ما بعد 11 شتنبر 2001. اشتقاقيا فالمفهوم يحيل على خوف لاشعوري و لامبرر و رفض عشوائي للإسلام و المسلمين في الدول الغير الإسلامية. لكن قراءاة هذا المفهوم خارج السياقات الثقافية و الاجتماعية و النفسية و السياسية ... التي ولد و نشأ في إثرها يبقى أمرا غير مقبول من الناحية العلمية عل الأقل و لعل هذا ما يفسر العدد الكبير من الدراسات التي خصصت لمقاربة هذا المفهوم الذي تحول إلى ظاهرة تستفز الباحثين و إن كانت الآراء بشأنها لا زالت مختلفة ما بين اعتبارها أمرا واقعا موثقا بحيثيات الحياة اليومية لمسلمي البلدان الغربية رصدتها بعض المراكز و المراصد من قبيل المرصد الأوروبي لظواهر العنصرية و معاداة الأجانب بفيينا EUMC و الشبكة الأوروبية ضد العنصريةENAR إضافة إلى التجمع ضد الإسلامفوبيا بفرنسا CCIF الذي قدم سنة 2004 دراسة موثقة ترصد و تحلل عددا كبيرا من أشكال الأفعال المصنفة ضمن خانة "الإسلامفوبية"من قبيل الاعتداء على الرموز الإسلامية سواء كانت مؤسساتتية كإحراق المساجد و المراكز أو شخصية كالشتائم العنصرية و التهديد بالقتل و مهاجمة النساء المحجبات.. كما أن الأمر مدعوم بشهادات علمية لاكاديمين و إعلاميين غربيين كدراسة الباحث و الأكاديمي الفرنسي فانسان جيسير حول الإسلامفوبيا الجديدة التي تحمل الإعلام الغربي وبعض المثقفين و المسؤولين مسؤولية الترويج السيء لصورة المسلمين بتصويرهم في صورة الخطر الداهم الذي يتهدد الغرب. إضافة إلى كتابات الإعلامي Alain gresh التي تضع الظاهرة في سياق أجواء ما بعد 11 شتنبر التي وضعت الغرب في مواجهة الإسلام و المسلمين.
إن الإسلامفوبيا سليلة نظرة تاريخية غير منصفة من الغرب تجاه كل ما هو شرقي لكن قد تأخذ شكلها أكاديميا في كل مظاهر النظرة المتعالية التي تقرأ المجتمعات الشرقية وفق حيثيات النظرية التطورية التي تضع المجتمعات المذكورة في مراحل تاريخية متدنية كثيرا عما يعيشه الغرب مجسدا في الرجل الأبيض حامل رسالة التحضر كما قد تتجلى شعبيا في كل مظاهر الإهانة و الاحتقار التي تحط من شان المهاجر الشرقي في الغرب لكن بؤر التوتر الكثيرة التي يحبل بها العالم الإسلامي من جهة و أوضاع عالم ما بعد 11 شتنبر تضع الإسلام و المسلمين في عمق هذا التداول اللاموضوعي .هكذا إذن لا تكون الإسلامفوبيا بأكثر من عملية أسلمة الإهانة بحسب تعبير الأكاديمي الفرنسي الفرنسي فانسان جيسير ففي الستينات و السبعينات كانت عبارة العربي القذر أو المغاربي القذر هي السائدة في أوروبا أما اليوم فإن عبارة المسلم القذر أضحت الأكثر انتشارا.

4- باعتبارك أحد الباحثين في الاعلام الغربي و طريقة تناوله للانسان العربي المسلم كيف تنظر للأمر من وجهة نظر اعلامية و اكاديمية؟
لا يعدو التعامل مع السؤال أن يكون امتدادا لما قلناه في محاولتنا الإحاطة بمفهوم الإسلامفوبيا فوسائل الإعلام تبدو إحدى أكثر واجهات الترويج للنظرة المتعالية الغربية المتعالية تجاه كل ما هو شرقي و الذي التقى بعد أحداث 11 شتنبر على مستوى الدين الإسلامي في مختلف تجلياته الإنسانية و المؤسساتية. و يمكن مقاربة هذا الأمر على مستويين يتعلق الأول بصورة العربي و المسلم أساسا في الإعلام الغربي و التي لا تعدو أن تكون تكرارا سخيفا لصورة الوجه الملتحي الغاضب الذي يهدد القيم الغربية في مواجهة تلميع مبالغ فيه لمن يعرفون بضحايا الإسلام و المسلمين الممثلين أساسا في الكاتبين تسليمة نسرين و سلمان رشدي مع محاصرة أي نموذج مختلف من شأنه أن يساهم في إعادة تشكيل صورة المسلم في بلاد الغرب فطارق رمضان مثلا الشاب الوسيم و الأنيق خريج السوربون الذي نجح في مناظرة عدد كبير من خبراء الرعب الغربيين لا يعدو أن يكون في الملف الذي خصصته له خصصته له مجلة L EXPRESS الفرنسية اليمينية في عددها الأسبوعي الاثنين 18-10-2004 تحت
عنوان "
L’homme qui veut instaurer l’islam en France
أخطر
من المسلمين التقليديين بل هو رأس حربة الإسلام السياسي في أوروبا, إنه ليس زارع قنابل تقول المجلة و لكنه في الحين ذاته واضع أفكار مضادة للحريات العامة.
المستوى الثاني يرتبط بوضع قراءة المسألة الإسلامية في الإعلام الغربي بين أيدي مجموعة من الأسماء التي تتزعم قائمة مروجي خطاب التهويل و التخويف اتجاه الإسلام و المسلمين و الذين عادة ما تحمل كتاباتهم ملامح تحريضية أكثر منها علمية و يكفي أن نذكر في هذا الصدد بفرنسا مثلا:
الكاتب Alexandre Del Valle صاحب كتاب Islamisme et Etats-Unis. Une alliance contre l Europe و الكاتب René Marchand صاحب كتاب , La France en danger d islam. Entre Jihad et Reconquista إضافة إضافة إلى الصحفي michel houellebecq صاحب العبارة الشهيرة التي تداولتها وسائل الإعلام الفرنسية طويلا:
" La religion la plus con, c’est quand même l’islam. Quand on lit le Coran, on est effondré, effondré ! La Bible, au moins, c’est très beau parce que les juifs ont une sacré talent littéraire "
في مقابل هذا تغيب مجموعة من الأسماء الاكاديمية الكبيرة التي كان من الممكن أن تقرأ المسألة بموضوعية أكثر من قبيل المفكر جيل كيبل.
إننا بصدد صورة تناول غير متوازن لصورة العربي و المسلم تساهم بشكل كبير في تغذية المشاعر العدائية التي ساهمت في خلقها مشاهد 11 شتنبر تجاه الإسلام و المسلمين باعتبارهم مصدر الخطر
الذي يتهدد القيم و الحضارة الغربية و التي وجدت أخيرا في أشكال الاحتجاج العنيفة على الرسوم المسيئة للرسوم ملاذا آخرا لترسيخ الصورة الكاريكاتورية عن المسلمين الذين يرون من ظهورهم و هم يؤدون الصلاة في الشوارع أو يخربون و يحرقون المؤسسات الغربية.
5- هل تدخل رسوم الجريدة الدانماركية في سياق هذا الخوف المرضي من الاسلام و المدعوم بالة اعلامية قادرة على صياغة اتجاهات الرأي ؟
من المؤكد أن الأمر يدخل ضمن المناخ العدائي الذي نجحت وسائل الإعلام في خلقه اتجاه الإسلام و المسلمين في الغرب باعتبارهم مصدر الإرهاب و التي بلغت إلى حد تصوير رسول المسلمين في صورة الإرهابي كما أن طريقة التعاطي مع الحدث نفسه و ردود الأفعال المصاحبة له كانت تدخل ضمن هذا الباب فإعادة نشر الرسوم من قبل جريدة توزع في عدد من البلدان العربية و الإسلامية كفرانس سوار و التشبث المبالغ فيه بمشروعية الرسومات من قبل عدد كبير من النخب الغربية و الدفاع عنها باعتبارها تدخل ضمن حرية التعبير التي تميز الغرب عن الشرق إضافة إلى طبيعة التعاطي الإعلامي الغربي مع أشكال الاحتجاج العنيفة التي طبعت ردود أفعال المسلمين في العالم الإسلامي كما في أوروبا صار في اتجاه خدمة نفس التوجه الإعلامي الغربي المكرس لصورة لنظرة التعالي و الاحتقار ضد الشرق المتخلف في معظم تجلياته. لقد وظفت هذه المشاهد مرة أخرى في صياغة اتجاهات الرأي العام الغربي في مقابل المسلمين و لنا أن نفهم نتائج هذه الاتجاهات الإعلامية الموجهة نحو النيل من صورة المسلمين و المهاجرين عموما في التحول العميق لاتجاهات الناخب الغربي و التي أصبح تتوجه لفائدة الأحزاب اليمينية المعادية للعرب و المسلمين كالمفاجأة التي خلقها لوبين في الانتخابات الفرنسية إضافة إلى النتائج التي حققها حزب رابطة الشمال بإيطاليا الذي أشعل أحد وزرائه في الحكومة الإيطالية فتيل احتجاجات عنيفة في ليبيا أودت بحياة أزيد من عشر أشخاص بارتدائه لقميص يحمل الرسومات المسيئة.
6- تشهد العلاقات الغربية بالعالم الاسلامي توترا شديد خاصة اذا استحضرنا مناطق التوتر المشتعلة على مختلف الجبهات حيث التصادم مع المسلمين )ايران-سوريا - العراق –افغانستان( فهل معنى ذلك أن الحوار الحضاري تجوز في الوقت الراهن ؟ وما تأثير الأزمة الجديدة على مستقبل العلاقات بين الطرفين خاصة و أن معظم الدول الأوروبية ترفض الاعتذار باسم حرية التعبير السائدة بها ؟
لا يمكن قراءة علاقات العالم الإسلامي بالعالم الغربي خارج السياقات التاريخية في امتداداتها الثقافية و النفسية التي عادة ما تحكم التاريخ المتداخل بين الشمال و الجنوب عموما لكن سياقات عديدة تجعل الأمر يبدو أكثر تعقيدا حين يتعلق الأمر بعلاقة الغرب بالعالم العربي و الإسلامي أساسا فمعيار حرية الرأي و التعبير الحق في انتقاد سلوكات و ممارسات الآخرين التي عادة ما تبرر إهانة الآخر في الغرب لا تحضر مع الجميع بنفس الدرجة فإن كانت تبيح وتبرر الإساءة إلى رسول إحدى الديانات السماوية الثلاث الذي يحظى بتقديس أزيد من مليار شخص في العالم فهي لا تبيح و لا تتفهم مجرد إعادة قراءة أحداث تاريخية من قبيل حيثيات المحرقة اليهودية الشيء الذي يجعل لحرية التعبير الغربية طابوهاتها حين يتعلق بغير المسلمين لكنها تصبح بلا حدود مع المسلمين و كل احتجاج أو استنكار فسيؤول إلى طبيعة العقلية المتخلفة الساذجة التي استدمجت ثقافة القهر و تريد إسقاطها على الآخرين في عقر دارهم !! و إذا كانت السنوات القليلة الماضية قد حملت سيادة شعارات كبرى من قبيل حوار الحضارات و الثقافات و الأديان فإنها حملت أيضا تأزما غير مسبوق في العلاقة بين الطرفين بلغ أوجه في أحداث 11 شتنبر و الغزو الأمريكي لأفغانستان و العراق إضافة إلى التحرش بسوريا و إيران مع استمرار سياسة الكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية الشيء الذي لا يخرج العبارات السابق ذكرها عن بذخ التداول الإعلامي الذي يخفي وراءه تاريخا من الكر و الفر في مناخ كهذا تصبح المواجهة المفتوحة أقرب الخيارات الممكنة و التي قد تجد تمظهرها في أية أزمة عفوية أو مفتعلة كما هو الأمر بالنسبة للرسوم المسيئة لشخص الرسول الكريم ص, من هذا المنطلق لن تكون الأزمة الحالية بأكثر من واجهة للتعبير عن الصراع الحضاري الذي لم تنجح المنتديات الإعلامية الباذخة في التضليل عليه, و من المؤكد أنها أي الأزمة الحالية ستراكم مزيدا من التأزم على مستوى علاقة الطرفين خصوصا إذا استحضرنا تشبث المواقف الغربية بمشروعية ما قامت به من خلال الإصرار على إعادة نشر الرسوم و رفض الاعتذار و استهجان ردود الأفعال في الشارع الإسلامي الشيء الذي من شأنه أن يجعل الحديث عن تقارب بين العالمين في الوقت الحالي أمرا بعيدا و إذا كان الأمريكان مثلا قد رددوا سؤال لماذا يكرهوننا؟ كثيرا بعد أحداث 11 شتنبر فإن توجهات السياسة الأمريكية لم تسر سوى في اتجاه تكريس الكراهية بتنامي كل مظاهر الانتهاك المادي و المعنوي لكل ما يحيط بالإسلام و المسلمين كما لا يجب أن ننسى أن الساحة الإعلامية التي سارت كثيرا في اتجاه تكريس كراهية و استهجان الغرب للشرق و العرب و المسلمين أساسا قد أصبحت تسير الآن بشكل معاكس تفرضه مسارات الأحداث فصور الانتهاكات الفظيعة للعراقيين بأبي غريب و أقفاص الحيوانات التي تضم المسلمين بمعتقل غوانتانامو إضافة إلى مشاهد الدمار و القتل الذي تنتجه الآليات العسكرية الأمريكية في مختلف بؤر التوتر بالعالم الإسلامي من شأنها أن تربط صورة الغربي بالدمار و الكوارث. إن الهوة تتسع و من المؤكد أن استمرار الحال كما هو عليه سيحول العالم إلى مكان مخيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ