الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الموت

محمد نبيل

2006 / 2 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العديد يعتبر الموت ظاهرة طبيعية تخيف الذات و ترعبها بل هي لغز محير يدفعنا إلى نسيان الموت أو التسليم بها و الركون إلى إجابات قطعية، إلا أن سؤال الموت يظل مهمشا اجتماعيا ولم يتطرق إليه إلا بعض الفلاسفة و العلماء المختصين الذين حولوا الموت من حالة إلى موضوع للدراسة و التأمل.

لو انطلقنا من رؤية الفيلسوف الألماني شوبنهاور نجده ينظر إلى الموت كإيحاء حقيقي بالفلسفة وبالتالي تكون محبة الحكمة في عرف هذا الفيلسوف بمثابة علاج نفسي للقلق. فالفلسفة تحاور الموت و تستنطق خفاياها و كل الأسئلة التي تدور حولها. الموت لا تسمح بالتفلسف فقط بل كذلك تسكن الذوات المستلبة. في هذا السياق، يرى الفيلسوف الهولندي سبينوزا أن الإنسان الحر يعبر عن قوته في الوجود حتى يبعد مطلقا هاجس حضور الموت، بالمقابل نجد فيلسوف الكينونة و الزمن هيدجر ،يعرف الإنسان باعتباره ذاتا للموت.

سؤال الموت يتأرجح بين الوضوح و اللاوضوح . فهذا العالم يعد فضاءا مبهما بل لغزا كبيرا لقدر الإنسان كما يتصورها يا نكليفيتش . فلو نظرنا إلى الذوات الآيلة للموت والتي تنحل إلى مادة فانية لا روح فيها لوجدنا مفارقة عظيمة بين الإحساس بالغربة و الفزع اتجاه الخطاب حول الموت التي تطارد كل واحد منا من جهة و واقعية هذه الظاهرة التي يتكرر حدوثها بشكل عيني.

إن الموت تأسس لقطيعة بين الإنسان العاقل و الحيوان. العالم السوسيولوجي ادغار موران سبق له أن أعتبرها أكثر غرابة من الأداة ، العقل و اللغة. ومجرد سرد أولي لآراء و أفكار الفلاسفة و الكتاب المهتمين، يتضح بجلاء أن خطاب الموت يثقل كاهل العقل و يفرض ذاته على فكر الفيلسوف المتأمل أو الإنسان العادي و لو بدرجات مختلفة.

إذا كان الفلاسفة قد حاولوا مقاربة السؤال حول الموت أو سؤال الموت من خلال مجموعة من النصوص المعروفة فإن الشعراء قدموا بعض الإجابات حول هذا الموضوع و على رأسهم الشاعر الفرنسي فكتور هوجو ، هذه الأخير تناول هذه الإإشكالية بطريقة تعتبر الحياة فرصة لا تتكرر.هوجو عبر عن فكرته وهو يؤكد بأنه إذا لم يكن من انتظار لما بعد مرحلة القبر، فالنتيجة تظل صحيحة: لنأكل و نشرب و نمارس كل ما يفيد اللذة لأننا غدا سنموت. فعالم ما وراء الموت يظل محددا لهذه الأخيرة وتداعياتها حسب هوجو . إنها ذلك المعبر الذي يربط الأحياء بالأموات، فالجنس البشري هو الوحيد الذي يعرف أنه سيموت انطلاقا من التجربة اليومية لهذه الحالة التي تحدث أمامه، وبذلك نستخلص من أن الأموات يتحكمون في مصير الأحياء بل إن الارتباط بماضي الأقرباء و الأصدقاء يجعلنا مرتبطين بواقعهم ولا نعيش واقعنا بشكل خالص و مطلق أي معايشة حالة الوجود على أرض الحياة.

إن الموت تختلف من حيث درجة أسبابها و هي حالة موجودة بالضرورة. فالعودة إلى كتاب ابن حزم الاندلسي: طوق الحمامة في الألفة و الآلاف، تجعلنا نعثر على تصور يعتبر الإنسان شهيدا عندما يعشق ويعف ثم يموت. هذا التحديد يكشف على أن شروط و علل الموت متباينة و ليست موحدة بالرغم مما يبدو سطحيا.

عموما، سؤال الموت سواء عند الفلاسفة أو الشعراء يظل عبارة عن مساءلة وجودية، أنطولوجية و معرفية تهدف إلى استخراج أطروحات و أفكار جديدة تسمح بالتساؤل من جديد، و هذا ما يضفي على الموضوع طابعه الجدلي و يمنحه نفسا مغايرا يجعله مثار نقاش لا نهائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة