الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات .. 8 .. عن ( العلمانية العربية العنصرية ) و ( العلمانية الوطنية ) ..

هيام محمود

2017 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا حديث "من القلب" كما يُقال , لكنّه في الحقيقة من العقل إلى العقول الحرّة وأيضا إلى تلك المُغيّبة ( أقصد كل العقول "البدوية" لا الدينية فقط كما قد يُفهم خطأ ) فالقلب لا علاقة له بما زعمتْ تلك الأديان التي يتبعها إلى اليوم أغلب "سكان" بلداننا , "سكان" ولا أقول "مواطنين" فهم "رعايا" و "بهائم" لا غير : نعم ! تلك الأديان البدوية جعلتْ منّا كلنا "رعايا" و "بهائم" للـ "أسياد" "أولي الأمر" "مشايخ القبائل" التي ننتمي إليها "غصبا" عنّا .

ولأصحاب العقول , أقول : مهما إدعيتم الترفّع عن كل "البداوات" من أديان وإيديولوجيات , من أعراق وقوميات ومهما ركبتم قاطرات "العولمات" و "الإنسانيات" و "الشيوعيات" فلن تُنكروا "حدّا أدنى" نستطيع أن نتّفق عليه جميعنا : الوطن والوطنية ! وبالطبع لا أقصد ما يوجد في بلدانا المنكوبة أينَ ابتذلت تلك البورجوازيات الهجينة العميلة مفهوم الوطنية فصار مجرد سلعة مغشوشة تُسوّق كشعارات للضحك على الرعاع وتهييجهم واستغلالهم لحكمهم واستعبادهم , كما يسوّق شعار فلسطين مثلا وغيره من الأوهام كأمة العروبة وأمة الدين من أمة إسلامية وكنيسة مسيحية : ألا تُذكّركم هذه الشعارات الزائفة وغيرها بتلك العنتريات البدوية العربية التي كان الشعراء ( "مثقفو" تلك الأزمنة ) يُلقونها في أشعارهم التي حفظها العوام وصارتْ "ثقافة" بُنِيَ عليها كلّ "تاريخهم" إلى اليوم ؟ .. نفس الشعارات التي إلى اليوم يُردّدها الجميع .. تقريبا ! وهي الشعارات التي يزعم أغلبنا الترفّع عنها : الدّين والأعراق ! ومن حام حولها يُوصف مباشرة بالتخلف والرجعية والعنصرية والشوفينية , الغالبية الساحقة من "مثقفينا" و "تنويرينا" أعطونا الحل وقالوا أن لا خلاص دون العلمانية فهي الضامن الوحيد للتعايش بين كل الأديان والطوائف والإيديولوجيات الأخرى , وهذه "العلمانية" أيضا شعار زائف خدّاع قَلَّ من فطن لفحواه العنصري بل لن أبالغ عندما أصفه بـ "النازي" .

قلتُ "تاريخهم" أي ذلك التاريخ ليس "تاريخنا" بل فُرض علينا وبصفة "حصرية" فصار غصبا عن التاريخ الحقيقي "تاريخنا الوحيد" في حين أنه مجرد "جزء" من تاريخنا والجزء الأسوأ فيه والذي بإسم "قداسة" الدين صار هو التاريخ الوحيد لنا وأصبحت هوية أولئك الصعاليك المجرمين القتلة الذين حملوه لبلداننا الهوية الوحيدة لنا .

هل العلمانية تعني تزييف التاريخ ؟ نعم ومليون نعم ! العلمانية في بلداننا وعند "مثقفينا" تبدأ مع غزو العرب لبلداننا ولا فرق في ذلك على الأرض بين الإسلاميين والغالبية الساحقة من اليساريين , هي علمانية "عربية" لا تعترف إلا بـ "الهوية العربية" وإياكِ أن تقولي غير ذلك وإلا وصفوكِ بالشوفينية والفاشية والرجعية .. عذرا يا سيدات ويا سادة , أنا تجاوزتُ كل الهويات وترهاتها أكثرَ من تجاوزي للأديان والآلهة وخرافاتها , لكنّي وبكل فخر سأرفض وبأعلى صوت "الهوية العربية" المفروضة بالإرهاب والسيف والتلقين والتجهيل وسأقول بـ "هوية وطنية" تكون فيها "الهوية العربية" جزءا من الهوية لا "كلّ" الهوية .

سأزعم أن الأساس الأول الذي دونه لن تقوم لنا قائمة هو الذي مرّ أي ذلك التاريخ الذي يدّعي أغلب "مثقفينا" أنه "تاريخنا" وكل تلك الشخصيات "الأجنبية" الإجرامية التي تُرى إلى اليوم "رموزا وطنية" : كل ما بُني على باطلٍ باطلٌ , حاضرنا مَبني على تاريخ مُزيّف وباطل والأهم أنه ليس "تاريخنا" .. سيصبح جزءا من تاريخنا الحقيقي بعد إعادة قراءته وتصحيحه , لذلك لا حاضر لنا بل الذي نعيشه "حاضرهم" ولن يكون لنا بذلك مستقبلا بل لن نكون إلا حطبا لنيران "مستقبلهم" , هم بدو ولا مستقبل لهم فالمستقبل لصانعي الحضارة والحياة والبدو لا يصنعون حضارة بل يُدمّرون الحضارة ويصنعون الموت , فأبشروا إذن جميعكم : مستقبلنا هو الموت ما لم نستيقظ جميعنا !

أرجو ألا يفهم من كلامي أنه "نعرة قومية" , هذه دعوة إلى "هوية وطنية حقيقية" والبداوة لا علاقة لها بالوطنية , هذه دعوة إلى إعادة التفكير في وهم كبير أكبر حتى من أوهام الآلهة والأديان : "الهوية العربية" لشعوبنا ذلك الوهم الكبير الذي يسبح فيه تقريبا "الجميع" . سأقول أيضا أن "الهوية العربية" لا علاقة لها بالوطنية في بلداننا , ومن يزعم ذلك فليذكر لي مثالا واحدا منذ "الغزو المبارك" لبلداننا لدولة أو حقبة زمنية وُجدت فيها هذه الوطنية أو شيئا يمكن أن يُشبهها ؟ , ابحثوا لكن لن تجدوا إلا البداوة واللصوصية من عصابات إجرامية إلى اليوم تستعمر شعوبنا وتنهب كل مواردها وأهم وأول شيء نهبته هو هويتها الحقيقية التي وبتغييبها كما هو الحال في بلداننا لا يمكن أن يُتَكَلَّم عن وطنية وعلمانية وديموقراطية . أليست العلمانية تعددية ؟ فلماذا يا عالم لا يوجد على ألسنتكم إلا "الهوية العربية" ؟ , في مقالي السابق قلتُ أننا نتفق على أسماء المبادئ والأهداف الجميلة التي نعمل من أجلها كلنا , نعم للعلمانية لكن أي علمانية ؟ هل هي "العلمانية العربية / العروبية" ؟ أم علمانية "وطنية" تعترف بكل تاريخنا ولا تقصي أي حقبة منه ؟ , كلامي موجّه للذين ينكرون التعددية ( وَهُمْ الغالبية الساحقة في كل بلداننا ) وأيضا لليوتوبيين الحالمين بإعادة هويات أصلية لن تعود إلا في أحلامهم ( وهم الأقلية ) : كلكم على باطل ولا خلاص دون "علمنة" تاريخنا المُزيف , بذلك سيكون لنا حاضر وسنستطيع الكلام عن مستقبل . وليلاحظ القارئ جيدا أني أقف في الوسط بين الإسلاميين واليساريين والقوميين , القوميين لا أقصد بهم العروبيين بل القوميات "الأصلية" .

سأزيد أننا بتلك الهوية الوطنية "فقط" , سنعرف الطريق الصحيح للتعامل مع كل القضايا المحلية , الإقليمية والعالمية : الموجود اليوم في دولنا "الإستعمارية" أننا مُسخَّرين لقضايا غيرنا وهي قضايا لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية بل بمصالح تلك الشعارات الزائفة الدينية والقومية الوهمية , وكمثال على كلامي : ما دخلي أنا وما دخل بلدي في حرب آل سعود على اليمن ؟ وهل مناصرة آل سعود فيه مصلحة وطنية أم مصلحة لحكامنا اللصوص اللاوطنيين "فقط" ؟ .. لا علمانية ولا ديموقراطية ولا أي شعار من كل تلك الشعارات الرنانة دون وطن لتُطبّق فيه , والوطن يلزمه هوية والهوية لا يمكن أن تبدأ مع الإستعمار العربي لبلداننا كما هو الحال الآن وأيضا لا يمكن أن تُنكره وكأنّه لم يقع كما يُريد الكثيرون من "عباد الأوثان" .

أضرب مثالا آخر على ما تقدّم وهو "اللغة العربية" التي عندنا معها نوعان من "عباد الأوثان" : النوع الأول يريد القضاء على وجودها أصلا وهو واهم والنوع الثاني يريد تطويرها والإعتماد عليها في كل المجالات وهو أيضا واهم , الهوية الوطنية ستضع حدا لشوفينية الأول وأيضا لشوفينية الثاني لأن اللغة العربية مُكون رئيس لها وستُفهم الثاني أنها ليست الوحيدة التي يجب فرضها وفرض ثقافتها البدوية وإدخالها في مجالات لا علاقة لها بها كالعلوم مثلا . وأقول "شوفينية" لأنها كذلك و"عرقية" أيضا فهذا يدعي أننا "عرب" ( فقط ) وهذا يدعي أننا "سريان" و "أكراد" و"كلدان" و "آشوريين" و "مصريين" و "أمازيغ" و .. ( فقط ) , في حين أن العالم المتحضر تجاوز كل هذا الهراء , لكنه تجاوزه بدول "وطنية" تحفظ كرامة الجميع دون تمييز وليس كما يوجد في بلدانا "العربية" , في هذه الدول الوطنية لا يمكن أن تُوجد ثقافة الأعراق البائسة كما عندنا "عربي / كردي / سرياني .." بل ثقافة الإنتماء للوطن ( فقط ) "سوري / عراقي / أردني .." وشتّان .

كان هذا إطلالة "سريعة" على وهم كبير , نعم للعلمانية كخيار "وحيد" لنرتقي , نعم لإبعاد الدين عن السياسة نعم لتطويره وعلمنته ليحترم العصرَ وقيمه , لا لكل القوميات ! , نعم للوطنية : وطنية ( حقيقية ) يمكن أن نكون فيها "مواطنين" ولن يكون ذلك بـ "العلمانية العربية العنصرية" التي يُسوق لها أغلب من يتكلمون في بلداننا بل بـ "علمانية وطنية" تعترف بكل لحظة في تاريخ شعوبنا وتعتز بثقافاتنا الأصلية دون تعصب وشوفينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطأ في العنوان ..
هيام محمود ( 2017 / 12 / 19 - 00:43 )
تأملات .. 9 .. عن ( العلمانية العربية العنصرية ) و ( العلمانية الوطنية ) ..

الـ 8 .. تخص المسيحية التي سأعود إليها قريبا ..


2 - أُحييك على صوتك الهادر
البابلي ( 2017 / 12 / 19 - 03:43 )
نعم رياح الصحراء القاحلة هجمت بعنف على بوادينا الخضر من خلال ملئ الجيوب بالدولار النفطي المقيت رغم إمتلاء بواطن ربوعنا الخضر بكنوز إلأرض تفتقر صحاريهم لسنبلة من سنابلنا التي تتمايل مع الريح تتنفسه ولا يكسرها ...حضاراتنا فرعونية وآشورية وسومرية تناطح السحاب ...فما عندهم ؟ ...لا شئ في خيامهم ..نهب سلب اغتصاب أبي ،هذا كل الذي عندهم ...فهل مثل هذا يعطي أو يمنح ...لا ..لكن أصوات ألمآذن والشيوخ ألمأفونة تسكنها الخيانة والغدر الموروث من الخيام المهترئة هي التي تسكن ارواح شعوبنا اليوم ..ولن يخلصنا من هذا الكابوس إلا اقلامكم الهادرة ...أحييك !


3 - معاداة العرب عنصرية مقيتة
متابع ( 2017 / 12 / 19 - 18:55 )
دأب بعض كتاب الحوار المتمدن على شتم العرب وتاريخ العرب ولغة العرب ولاكانهم من مجتمعات العالم الثالث المتخلفة
يجب ان تفهموا ان العلة في اندثار بعض ثقافات الشرق الاوسط انما يعود الى هشاشة تلك الثقافات
على عكس ثقافة الاسبان والهند
التي صمدت عبر القرون
يجب ان تتعلموا منطق التطور التاريخي للحضارات وان حضارات ماتت لاسبيل لاحيائها وان ثقافات راهنة قابلة للتطور اذا ارادت التكيف مع العصر الحديث
يجب ان لا تخلطوا بين الثقافة والسياسة
تعلموا العلم بدلا من الشتائم


4 - لا يقبل التطوير
أنور نور ( 2017 / 12 / 19 - 21:42 )
التطوير يجيز الاضافة والحذف والتصحيح
والشيء المقدس لا يقبل التطوير , فهو في راي أهله منزه عن كل عيب
والمقدس ليس مجرد نصوص عذراء , لم يطمثها أحد .. كلا
بل النصوص المقدسة دخلت دنيا الممارسة , وسجلها التاريخ بكل افاعيلها, واية جراحة تجميلية لها هي تزوير للتاريخ ( الذي دونه اهلها بانفسهم ) .. ويجب ان تظل كما هي , ليبقي حالها : شاهداً عليها
ومسيرة الدول التي تقدمت بعد طول معاناة .. انتهت بطرد المقدس خارج السياسة , والي خارج حياة الانسان .. فالحكم ديموقراطية - لا شوري - والزواج مدني , ولا يعترف بغيره .. والعلاج : بالعقاقير الطبية الحديثة , أوبالجراحة الحديثة , او بالليزر وبالنانو-تكنولوجي ..ولا قبول للطب البدائي ولا مكان للعلاج بالرقية الشرعية , ولا بشرب نوع من البول الحيواني , ولا علاج بالدعاء , ولا اعتراف بعلاج بالتلاوة من نصوص مقدسة . بل بوسائل علم الطب الحديثة
العلم يطور - ويصحح - نفسه بنفسه
اما المقدس : فنصوصه وحراسه , يحرموا الدعوات للتطوير , ويجرموا أصحابها ويتربصون بهم


5 - شكرا لكم ..
هيام محمود ( 2017 / 12 / 20 - 16:15 )
الأساتذة البابلي وأنور نور : شكرا لمروركما ..

السيد متابع : تدّعي إندثار ثقافات لو دقّقتَ في لغتكَ التي تتكلّمها وفي مأكلك وعادات ناسك لوجدتها , خدعوك فقالوا ما قلتَ : هي لم تندثر لكن ( عُرِّبتْ ) ككل شيء سطا عليه العرب ونسبوه لأنفسهم .. أنصحك بفهم المقال جيدا وموقفي واضح فيه وليس كما زعمتَ ( وليلاحظ القارئ جيدا أني أقف في الوسط بين الإسلاميين واليساريين والقوميين , القوميين لا أقصد بهم العروبيين بل القوميات -الأصلية- ) ..المقال كما قلتُ ( إطلالة -سريعة- على وهم كبير ) وسيأتي التفصيل في المستقبل فلتتابع .

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa