الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحرار قبل يوليو1952

طلعت رضوان

2017 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



دورالعلمانيين والليبراليين المصريين الذى بدأ منذ بداية القرن العشرين، أخذ فى التطورلدرجة أنه ظهرتْ فى مصرمع بداية الأربعينيات جماعة أطلقتْ على نفسها اسم (جماعة التطور) وكان أنوركامل من بين أعضائها فكتب أنّ التقدم هوالطريق الذى اختاره الغرب (فحقق الحرية والتنمية والعدالة) وهذا الطريق هوطريق العلمانية. وهوالذى يحمى الناس من المقاييس الأخلاقية المتوارثة التى انتقلتْ إليهم متأثرة بكلام رجال الدين الفاسدة، والتى لاتمت إلى العقل أوالمنطق، ولاتمت بصلة إلى طبيعة الإنسان. وبالتالى فإنّ (العلمانية) ليست منهجـًـا (فقط) بل ضرورة لإبعاد الدين عن حياة الإنسان الخاصة وعن السياسة. وضرورة موضوعية لفصل الدين عن الدولة، كما جاء فى برنامج هذه الجماعة (مجلة التطور- مارس1940)
وبالرجوع إلى الوراء للتأكيد على الارهاصات التى بشـّـربها الجيل الرائد فإنه عندما هاجم الأصوليون بطرس باشا غالى واعترضوا على تعيينه رئيسًا للحكومة، فإنّ أحمد لطفى السيد كتب أنّ الأمة المصرية ((قد عرفتْ كفاءته وشهرته بالسياسة والحيلة العقلية. وهى بجميع عناصرها تستقبل منه الرجل الذى تربطه (بالأمة) الآمال الكبيرة، ولئن ظن البعض أنّ المسلمين قد يمتعضون من أنْ يكون رئيس الوزراء مسيحيـًـا، فإننا نقول إنّ هذا ظنٌ فاسد وزعمٌ باطل، لأنّ المسلمين مع وجود الأكفاء منهم لرئاسة النظار، لايعرفون معنى التفريق بين بطرس باشا وبين أقرانه من المسلمين، بل هم- على العكس من ذلك- تستريح نفوسهم لأنْ يضربوا لجميع عناصرالأمة أكبرالأمثلة على تسامح المسلمين وإبعادهم الاعتبارات الدينية عن السياسة، ويـُـقـدّرون قيمة الرجل بعمله وإخلاصه لابدينه ومذهبه)) (صحيفة الجريدة12نوفمبر 1908) مع ملاحظة أنّ المناخ العام كان ضد بطرس باشا لأنه كان ممثل الإدعاء فى أحداث دنشواى1906 بصفته وزيرالحقانية. واشتدّ الهجوم عليه (بصفة خاصة) من مصطفى كامل وصحيفة اللواء الإسلامية.
وكتب توفيق دوس أنه لايجوزأنْ يـُـحرم المصرى الكفء من تولى الوظائف العمومية، لأّنّ له مذهبـًـا دينيـًـا خاصًا، أوعقيدة خاصة تــُـخالف اعتقاد باقى المصريين. فليس من شأن وظيفتى أنْ أكون مسيحيـًـا أومسلمًأ أويهوديـًا، بل كل شئون وظيفتى مدنية محضة، لايوجد عليها أقل مسحة من الدين، فلماذا يكون الدين مانعـًـا من الحصول عليها؟ (صابرنايل- العلمانية فى مصر- ص143) وفى مقال طويل لتوفيق حنين حول اختصاصات الاكليروس المسيحى ذكرأنه (لاشىء لرجال الدين غيرإقامة شعائرالدين) (ص144)
وواصل توفيق حنين رسالته التنويرية فكتب ((انتقلتْ الديانة المسيحية البريئة إلى شركة تجارية، جعلتْ للكنائس والبطريكخانات أدوارًا لها)) وكتب ((من العبث أنْ يخرج رجال الدين عن دائرة أعمالهم، ويتفانوا فى حب المال وجمعه والاستئثاربالسلطة، تاركين واجباتهم الدينية التى من أجلها وُجدوا، حتى أصبحتْ معرفة الواحد منهم بأسعارالبورصة تزيد عن معرفته بواجباته الدينية، وقد ظهرللقاصى والدانى ما عليه الاكليروس المسيحى من الانحطاط)) (جريدة مصر- 24ديسمبر1908- المصدرالسابق- ص145)
ورغم أنّ دستورسنة1923 به العديد من المواد التى رسّـختْ لبعض مظاهرالدولة المدنية الحديثة مثل المادة رقم (1) التى نصّـتْ على أنّ ((مصردولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة)) والمادة رقم (3) التى نصّـتْ على ((المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى التمتع بالحقوق الدنية والسياسية، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لاتمييزفى ذلك بسبب الأصل أوالدين أواللغة)) والمادة رقم (12) التى نصّـتْ على ((حرية الاعتقاد مطلقة)) والمادة رقم (23) التى نصّـتْ على ((جميع السلطات مصدرها الأمة)) (نص الدستور: عبدالرحمن الرافعى- فى أعقاب الثورة المصرية- ج1- مكتبة النهضة المصرية- عام1947- من ص310- 327) رغم هذه المواد الصريحة التى تــُـرسّـخ دعائم دولة عصرية، فإنّ الليبراليين المصريين انتقدوا اللجنة التى كتبتْ الدستور، لما فيه من عيوب ونقص وتناقض، وركزوا هجومهم على المادة رقم (149) التى نصّـتْ على أنّ ((الإسلام دين الدولة)) فكتب محمود عزمى مقالافى (جريدة الاستقلال- عدد22سبتمر1922) أى قبل صدورالدستور، ولايزال مجرد (مشروع) وكان عنوان مقاله (العقيدة الدينية فى لجنة الدستور) قال فيه ((إنّ ذلك النص المُـقررللدولة دينــًـا رسميًـا، هوذلك الذى يريد أنْ يستغله أصحاب الآراء العتيقة. وهوالذى سيجرعلى البلاد ارتباكــًـا قد ينقلب إلى شرمستطير)) وشارك محمود عزمى فى الهجوم على اللجنة التى صاغتْ تلك المادة مفكرون كثيرون كان فى مقدمتهم عميد الثقافة المصرية (طه حسين) فكتب دراسة طويلة فى (مجلة الحديث- فبراير1927) ومن بين ماذكره أنّ النص فى الدستورعلى أنّ الإسلام دين الدولة ((مصدرفرقة، لانقول بين المسلمين وغيرالمسلمين (فقط) وإنما نقول إنه مصدرفرقة بين المسلمين أنفسهم، فهم لم يفهموه على وجه واحد. وأنّ النص على دين للدولة يتناقض مع حرية الاعتقاد))
كما تعرّض محمود عزمى للأسباب التى جعلتْ صياغة الدستوربها الكثيرمن التناقص، فبدا مثل المسخ فكتب: إنّ ما فى الدستورمن عيوب يرجع إلى سببيْن أولهما: تعدد الأيدى التى عملتْ فيه وتنوع الروح التى استوحتها تلك الأيدى. وثانيهما: أنّ جميع من عملوا فى الدستورلم يعنوا بنصوص الدساتيرالأجنبية التى استأنسوا بها، دون أنْ يـُـفكروا فى مصيربعض النصوص، وتأثيرالعمل البرلمانى فيها حتى أصبح بعضها غيرمعمول به. وأصبح البعض محل تحايل من جانب البرلمانات للهروب من مفعوله)) (جريدة الاستقلال- 19 أغسطس1922) ولذلك كان من رأيه أنّ الدستورمثل المسخ حيث جمع بين الشىء ونقيضه، فالأمة مصدرالسلطات، ومع ذلك فالملك له الحق مع المجلس النيابى فى التشريع، ويـُـوازن بين سلطة الملك الأوتوقراطية، وبين سلطة الأمة ذات المضمون الديمقراطى، وينص على حرية الاعتقاد مطلقة، وفى نفس الوقت الإسلام هوالدين الرسمى للدولة. وهكذا أصبحتْ البلاد فى مفترق الطرق. وأصبح الدستورثوبًـا فضفاضًـا.. وأنّ النص فى الدستور أنْ يكون للدولة (دين) ونحن فى القرن العشرين، فسوف نجد من يـُـطالبون بقطع الأيدى والأرجل من خلاف، ومن يـُـطالب بتطبيق الرجم بالحجارة، وتطبيق العين بالعين والسن بالسن.. نحن نلفت النظر، وسنستمرعلى لفت النظرإلى الخطرالمُـحدق الذى يجيىء عن طريق ذلك النص (الاستقلال- 22سبتمبر1922) أى قبل صدورالدستور.
فى اليوم التالى (23سبتمبر22) واصل محمود عزمى رسالته التنويرية فكتب مقالابعنوان (الدين والدولة) أكــّـد فيه رفضه أنْ يـُـنص فى الدستورعلى أنْ يكون للدولة (دين) وأنّ هذا الدين (هوالإسلام) وهوالاتجاه الذى تزعمه الشيخ شاكر. وإذا قلنا الشيخ شاكرفإنما نقصد كثيرين على شاكلته. وهاهى الزميلة صحيفة الوطن تتساءل: هل المسيحية والإسلام ديانتان أم (دولتان)؟ وقد تركتْ الصحيفة الإجابة لفطنة ((كل عاقل)) بالنسبة للمسيحية، أما بالنسبة للإسلام فقد تركتْ الجواب عنه لأقلام العقلاء من المفكرين المسلمين.
ورغم أنّ عميد الثقافة المصرية (طه حسين) لازالت آثارجروحه النفسية عالقة بوجدانه بسبب معركة كتابه (فى الشعرالجاهلى) عام1926، فإنّ دوره التنويرى استمر، وخاض معركة جديدة ضد الأصوليين الإسلاميين على صفحات مجلة الحديث (فبراير27) فكتب أنّ النص فى الدستورعلى أنّ دين الدولة الإسلام، فمعنى ذلك أنّ الدولة مُـكلفة بحكم الدستوربحماية الإسلام من كل ما يمسه أويـُـعرّضه للخطر، وبمعنى أنّ الدولة مُـكلفة أنْ تضرب على أيدى الملحدين وتحول بينهم وبين الإلحاد، ومعنى ذلك أنّ الدولة مُـكلفة أنْ تمحوحرية الرأى محوًا.. ومعنى ذلك أنّ الدولة عليها (بحكم الدستور) أنْ تسمع ما يقوله الشيوخ، فإذا أعلن أحد رأيـًـا أوأصدركتابًـا..إلخ ورأى الشيوخ أنّ هذا مخالف للإسلام، ونبهوا الحكومة إلى ذلك، فعلى الحكومة (بحكم الدستور) أنْ تسمع لهم وتـُـعاقب من يخالف الدين أويمسه، بالطرد من وظيفته أوتقديمه للقضاء، كما حدث مع كتاب (الإسلام وأصول الحكم) لصاحبه الشيخ على عبدالرازق، الذى انتهى إلى فصله من الأزهر(بمحكمة أزهرية) وهكذا رغم أنّ تاريخ مصرالحديث لم يعرف شيئــًـا من اضطهاد حرية الرأى باسم السياسة والدين قبل صدوردستور1923.
وختم عميد الثقافة المصرية (طه حسين) دراسته بتأكيده على أنّ النص فى الدستورعلى أنّ يكون للدولة (دين) فمعنى ذلك أنه فرّق بين المصريين. وأنشأ فى مصرقوة سياسية دينية منظمة، أوكالمنظمة، تؤيد الرجعية وتجرمصرجرًا عنيفــًـا إلى الوراء. وركــّـزهجومه على الأصوليين الذين كتبوا وطالبوا بعدم صدورالدستور. وكانت حجتهم أنّ ((مصرليست فى حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله)) ووصل الشطط من بعضهم بأنْ طلب من لجنة الدستورأنْ تنص على أنّ المسلم لايـُـكلف بالقيام بالواجبات الوطنية، إذا كانت هذه الواجبات تتعارض مع الإسلام، وفسّروا ذلك بأنّ المسلم يجب أنْ يكون فى حلٍ من رفض الخدمة العسكرية، حين يـُـكلف بالوقوف فى وجه دولة مسلمة، كالدولة التركية مثلا (مجلة الحديث- فبراير27- وأعاد طه حسين نشره فى كتابه "من بعيد" الصادرعن الشركة العربية للطباعة والنشر- ط2- نوفمبر1958- ص222وما بعدها)
نشرتْ (صحيفة السياسة- 6سبتمبر1925) مقالاجاء به أنّ الدستور((يكفل للناس حرية الاعتقاد ويـُـبيح لهم بذلك أنْ يرتدوا عن الإسلام من غيرأنْ يكون عليهم فى ردتهم حرج)) فاهتاج الأصوليون واعتبروا أنّ هذا الكلام سيؤدى إلى (سقوط الإسلام) وكان من بينهم الشيخ بخيت الذى اعتبرأنّ ما كتبته صحيفة السياسة ((هوإلحاد وخروج عن الدين)) ولكن صحيفة السياسة لم تستلم ولم ترتعب فردّتْ عليه بما ورد فى الدستورحيث نصّـتْ المادة الثانية عشرالذى اشتركتَ أنت (يامولانا) فى وضعه تقول "حرية الاعتقاد مطلقة" ومعنى الاطلاق يا مولانا عدم التحديد بشىء وعدم التقييد، فاطلاق حرية الاعتقاد معناه أنّ الدستورلايـُـقيد الاعتقاد بشىء، ولايتعرّض لمن يختط لاعتقاده سبيلا يراه لنفسه، سواء رضيت فضيلتكم عن خط هذا الاعتقاد أولم ترض، خرج صاحبه عن الإسلام إلى المسيحية أواليهودية أوإلى عمايات الشيطان، أوخرج من أديان الله جميعـًـا إلى نظريات الفلاسفة المجردة، ذلك بأنّ مصرفيها دستوريقول بحرية الاعتقاد وأنها حرية مطلقة، وتــُـتيح للناس حرية الارتداد عن الإسلام من غيرأنْ يكون عليهم حرج ولاينالهم عقاب فى دنياهم.. أليس هذا واضح يا مولانا (السياسة12سبتمبر25)
وهكذا أثبت المناخ الثقافى قبل يوليو1952، أنه كان يسيرفى الطريق الصحيح نحوترسيخ أسس العلمانية، والتمهيد لفصل كافة المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والتشريعية..إلخ.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الظلم والعدوان الحقيقيان ليسا في القدس
معلق قديم ( 2017 / 12 / 22 - 16:01 )
أين ما حدث في أطفيح اليوم وهو مكرر مئات المرات ...من نطاعة العائلات الفلسطينية الهائجة التي تصدر بناتها للطم جنود مدججين بالسلاح والبثق عليهم ثم تستغرب من حتجازهم...ضربني وبكي

من الجبان هنا؟ الجندي الذي يسيطر على غضبه أمام البصاق أم تلك الفالتات سيئات التربية؟
الجبان هو من يصدر النساء والأطفال للهجوم
على ما هاج هؤلاء الفلسطينيون؟ لم يهاجمهم أحد من الاسرائيليين لكنهم اهتاجوا وثاروا ضد رئيس أمريكا من يطعمهم ويقيهم من الجوع ويتبرع مع شعبه بمليارات الدولارات لتعليمهم!

في المقابل خرجت اليوم بعد صلاة الجمعة جحافل المؤمنين لتخريب وهدم كنيسة والاعتداء على من فيها





اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446