الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفحة الفتنة الكبرى...متى تطوى؟

أحمد عدلي أحمد

2006 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما حدث يوم الأربعاء 22/02/2006 في سامراء من تفجير لضريح الإمامين العسكريين من نسل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وما لحقه من أحداث دامية راح ضحيتها أكثر من مئة شخص أغلبهم من السنة يكشف عن الحقيقة التي يحاول الكثيرون الهروب منها وهي حالة الانشقاق الحاد بين المسلمين السنة والشيعة ليس في العراق فحسب ، بل في كافة أرجاء العالم الإسلامي بطوله وعرضه ، والحقيقة أن الكثير بات غير واع لعمق الشرخ الذي خلفته الفتنة الكبرى داخل العقل الإسلامي ، فهذا الحدث المأساوي صبغ التاريخ الإسلامي بلون الدم ، وكتب النهاية لمشروع سياسي/اجتماعي إسلامي ينبثق من فكرتي العدل والشورى الإسلاميتين ، وإذا كان المجتمع الإسلامي قد حقق ذروة نجاحاته الفكرية والمادية في وقت تال لهذه الفتنة (في العصر العباسي الأول تحديدا) إلا أنه كان يتحرك كمريض بفيروس HIV المسبب للإيدز فالمريض بهذا الداء يمكن أن يتحرك ويعمل بشكل رائع لسنوات ولكن الفيروس بداخله ، ولحظة النهاية محتومة في زمن قادم أكيد ، ففي اللحظة التي فشل فيها المسلمون في إيجاد آلية لتداول السلطة سوى قتل الخليفة عثمان كانوا يفتتحون بذلك عصرا امتد لقرون كان فيه السيف صاحب الأمر والنهي فيمن يتولى السلطان ، وفي اللحظة التي خرج فيها معاوية ومن قبله طلحة والزبير وعائشة على الإمام "علي" مطالبين بدم "عثمان" بدأت الردة إلى عصر القبيلة وأيام العرب وحرب بعاث حيث كانت العشائر تطلب الثأر بسيوفها ورماحها لا بحكم القضاة وبواسطة السلطة كما يفترض من مواطني دولة ، وفي اللحظة التي قبل فيها "الحسن بن علي" أن يبايع "معاوية" لحقن الدماء فقد كان يضع مبادئ استمرت بعد ذلك في التفكير الإسلامي مثل "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع" و"سد الذرائع" وغيرها من المبادئ التي تعني القبول برهن المجتمع إلى مرحلة الضرورة عوضا عن نقله إلى مرحلة الاختيار، غير أن أفدح ما نجم عن هذه الفتنة وخاصة فصلها الثاني بعد وفاة "معاوية" وتولي"يزيد" والأسلوب الهمجي الذي تعامل به الأخير وولاته (ومنهم من ولاهم أبوه معاوية الذي يرفض جل المسلمين السنة نعته بما يستحق من أوصاف التحقير والذم) مع من رفضوا "هرقلة الحكم الإسلامي" وعلى رأسهم الإمام الحسين" هو الانشقاق تجاه هذه الجريمة الشنعاء بين من صدم وفجع بها لدرجة المغالاة في علي و بنيه بما جعله يدعي لهم حقا إلهيا قي الخلافة ، ويستدل لذلك بقصص خيالية وروايات ضعيفة أو لا سند لها ، وبين من رفض هذا التطرف وما نتج عنه من هجوم على فضلاء الصحابة الذين ادعى الشيعة أنهم أخفوا وصية النبي(صلى الله عليه وسلم ) لعلي بالخلافة ، ولكنهم وقعوا-للمفارقة- في تطرف عكسي بادعاء عدلية جميع الصحابة بدون سند من عقل أو نقل صحيح كما قبل جل فقهائهم مبدأ طاعة السلطان الجائر ، ولم يفرق أكثرهم بين فكرة عدم الخروج على السلطان الجائر وفكرة رفض الظلم والطغيان والتصدي له ، وفهم معظمهم مبدأ الشورى بمعنى أخذ رأي عدد قل أو كثر من الناس بدون أن يقيد ذلك من الطبيعة السلطوية لولي الأمر كما فهموها ، وبسبب انعدام التسامح والتعصب لدى كلا الطرفين ، وبسبب مصالح الحكام والسلاطين أيضا في استصدار فتاوى تبيح لهم قتل معارضيهم ساد العداء شكل العلاقة بين الطرفين بشكل عام ، وعبر تاريخ طويل من العداء والانطباعات السلبية وسوء الفهم والكذب والتضليل المتعمد والشائعات وسيطرة المتطرفين صار العداء مستحكما والشرخ عميقا والجرح مستعص على الاندمال ، وإذا كان التطرف السني تجاه الشيعة قد وصل إلى استباحة البعض لدمائهم وأموالهم مثلما أفتى بذلك "ابن تيمية" وتبعه جل الوهابيين بشقهم السلمي المسمى"السلفية" والعنيف وهم القاعدة وأذيالها ، فإن التطرف الشيعي تجاه السنة واقع ملموس أيضا ، فجل المرجعيات لا تبيح إعطاء زكاة المال لغير الشيعة وتفتي بعدم قبول خبر غير الشيعي في الدين ورغم أنهم لا يصرحون بكفره إلا أنهم بذلك يسوون بينه وبين غير المسلم في هذه الأحكام ، وطوال القرن العشرين كانت هناك محاولات لتقريب بين المذاهب الإسلامية اتسمت بالكثير من التفاؤل ، والقليل من الفهم العميق لأصول الخلاف وجوهريته ، وفي لحظات بدا وكأن الهدف قريب فمع الانجذاب الجماهيري السني لتجربة الثورة الإيرانية في أواخر السبعينيات ثم مع الالتفاف حول مهمة حزب الله التحريرية في الجنوب حتى العام 2000 ظن الكثير أن لحظة الوحدة الإسلامية المنتظرة منذ سنة 35 هجريا قد جاءت ، ولكن الأحداث التالية بينت أن ذلك لم يكن سوى سراب كبير ، والآن فإن العلاقات السنية-الشيعية في أدنى مستوياتها ، وحالة عدم الثقة بلغت مدى أصبح فيه الطرف غير المسلم في بعض الأحيان أقرب لكل طائفة من الطائفة الأخرى ، ففي لبنان تحالف بين حزب الله والتيار العوني الماروني في مواجهة تحالف بين لقاء قرنة شهوان الماروني وتيار المستقبل السني ، وفي العراق يبدو الأمريكيون أقرب للشيعة من السنة إليهم ، ووسط كل هذه الحالة من العداء وعدم الثقة يسقط المئات كل شهر تقريبا في حرب طائفية تمتد من لبنان إلى باكستان ، وتحت السطح غيوم تتجمع في مناطق أخرى كالسعودية والكويت تنتظر اللحظة المناسبة لحدوث الفيضان ..الخلاصة أن إسلام بداية القرن العشرين أصبح ذا وجه تعيس جدا بعد أن تجمعت في اللحظة التاريخية الراهنة كافة أدران التاريخ الإسلامي وأمراضه ، وغابت جل مميزاته وملامح عظمته وأضيف إلى ذلك انحرافات جديدة كتفسير القاعدة للجهاد والهجمة الوهابية على العقل المسلم وانتشار الخرافة وأنماط التدين غير السوي ، وبتعبير صريح فإن الدين الإسلامي في صورته السائدة حاليا قد فقد قدرته على إلهام المسلمين للسعي من أجل حياة أفضل ، وأصبح معادلا للانتحار والقتل والتخريب وفي أحسن الأحوال الكسل العقلي والقبول بالطغيان والمذلة داخليا ودوليا ، ولقد آن الأوان لإنتاج فكر إسلامي جديد يتجاوز التصنيفات والعداوات التاريخية ، ويتحرر من أسر الخوف المرضي من الفتنة...يستوعب التجارب التاريخية والمعاصرة للأمم المختلفة بعيدا عن الطريقة التلفيقية الأثيرة لدينا ...يؤمن بالتسامح والحوار والحق في الاختلاف قدر ابتعاده عن الأيدولوجيا والحمية ، ولكن الأهم أن يؤمن بقيمة الحياة ويكتشف معنى الاستخلاف والاستعمار اللذين ينص عليهما القرآن باعتبارهما من مهام الإنسان على الأرض ، ويكون ملهما للمسلمين ليكافحوا من أجل حياة أفضل ، لأن الله خلقنا لكي نعمر هذا الكوكب وليس صحيحا أننا نولد لكي نموت فقط
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر