الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين التصور الإيماني للتاريخ ، وتصور المعرفة العلمية من فوارق

بشير بن شيخة

2017 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يزال المسلم الى اليوم يخلط بين معطيات العلم الحديثة، القائمة على الاستقراء وبناء الأدلة العقلية المحسوسة والقرائن الثابتة، وبين تلك الأخبار والرؤى والروايات التي تعج بها النصوص الدينية، تلك التي تحكي له تاريخ النجاة لفئة المؤمنين عبر العصور، والتي ترتكز على التاريخ الرمزي والحنيني والبطولي، وذلك لأجل التعزي والتواصل الروحي الحميد بين أجيال المؤمنين. لذلك لا يمكن أن نتكلم مثلا عن شخصية غابرة في التاريخ البشري مثل شخصية موسى أو ابراهيم أو زراديشت أو فرعون او ملحمة غلغامش أو الاسكندر المقدوني( ذي القرنين) أو غيره من الشخصيات المحورية في التاريخ القديم، مستدلين عليها وموثقين لها معرفيا وعلميا بالكتب المقدسة وحدها، غير مبالين بما تقدمه العلوم الحديثة من نتائج وأبحاث دقيقة حول ثقافة الشرق الأوسط القديمة، تلك التي تعتمد على مناهج البحث التاريخي الحديثة، من علم الحفريات (الأركيولوجيا) وتاريخ الأديان المقارن، والفيلولوجيا (علم اللغات المقارن) والايتيمولوجيا (تتبع جذور الألفاظ)وعلم الانثربولوجيا الدينية والانثربولوجيا الثقافية وغير ذلك، وذلك لأن الكتب المقدسة لا تقدم في كل الأحوال المادة التاريخية الموثقة كما حدثت فعلا في التاريخ الأرض المحسوس، لأنها غير مكلفة بذلك في منهجها الرسالي الدعوي، وإنما هي تقدمها أي المادة التاريخية مختلطة ومشبعة بقيمها الرمزية والايمانية والاسكاطالوجيا( مشاهد الآخرة )، والقصصية الوعظية، وذلك حتى تشبعها وتلبسها بالكائنات الروحية والميتافيزيقية والسماوية، كنطق النمل والهدعد وتدخل الملائكة في التاريخ الأرضي بالنصرة أو بالعذاب، وتسخير الجن والعفاريت ...الخ وهي كلها خطابات موجهة عن قصد لخدمة الإيمان والرؤية الرمزية الإيمانية للوجود والإنسان، وكذا تاريخ البدايات التأسيسية الأولى، والمصير البشري المستقبلي..الخ، مما يجعلها متعالية عن التاريخ الأرضي المحسوس، وغير مبالية به، لأنها في الأصل هي جاءت لتوظفه خدمة للوعي الإيماني لا لتوثقه، أو تدل عليه تاريخيا وجغرافيا.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نراها أي النصوص الدينية، في أغلب الأحيان تستبطن نفس الثقافة المتوارثة عن تلك الشخصيات في بيئتها التي ظهرت فيها، معيدة ومكررة وخرجة لها في قالب جديد وفق رؤيتها الايمانية والرمزية، ولا تذهب في كل الأحوال بعيدا فوق ما هو متواتر في محيطها، وإن ابتعدت قليلا فلن تتعدى ثقافة الشرق الأوسط القديمة، أين انبثقت وتنزّلت تلك النصوص. لذلك لا نجد في نصوصها مثلا أخبارا عن ثقافة الصين والهند، وأديانهم الهندوسية والبوذية والطاوية العظيمة، ولا عن حضارة الفرس وأديانهم وكتبهم السماوية، ككتاب الأبستاق لزراديشت، ولا عن المسيحية البولسية، ولا عن التاريخ التوراتي العريض الحافل بالكثير من الانبياء والشخصيات المحورية، كشاول وسموئيل الأول والثاني وإرميا وإشعيا ولا حديثا عن السبي البابلي والأشوري، ولا عن قورش الكبير الذي حررهم من السبي ولا عن ..الخ ناهيك عن حضارة الفراعنة الممتدة لثلاثة آلاف سنة، ومثلها الحضارة الميزوبوتامية وحضارة الإنكا والمايا وقرطاج، ولا أخبارا عن العصر الفلسفي الأثيني والاغريقي والروماني، وهو تاريخ طويل مديد غني جدا وحاسم في التاريخ البشري قديما وحديثا، ولا يمكن مقارنته بتاريخ الحجاز والجزيرة العربية (عاد وثمود وقوم صالح ولوط ) وما ذكر من أخبار أخرى عن اليهود...
لذلك لا يتصور أبدا أن أحدا عاقلا يخاطب البشرية جميعا برسالة خاتمة دون أن يتطرق الى هذا التاريخ الحافل والمهيب وشخصياته المحورية الكبيرة، إلا إذا نزّهنا تلك النصوص عن التاريخ الأرضي وأبقيناها في حدود الرمزي والإيماني والاسكاطالوجي، وأعطيناها بعدا هدائي أخلاقي ترعوي وترشيدي..
ومما يلاحظ أيضا داخل تلك النصوص المقدسة أنها أغفلت مثلا العصر الفلسفي ولم تتناوله في نصوصها تعزيزا أو تفنيدا، والجواب على ذلك بسيط، ذلك لأنها لا تقدر بلغتها الوعظية الإيمانية الموجهة للمؤمنين البسطاء من عامة الشعب، على استبطان لغة الفلسفة والمنطق، والقضايا والمسائل الفلسفية العميقة في لغة الوحي، لأن لغة الوحي هي لغة لا تتعدي الأفق المعرفي للمخاطبين به من العرب، ولأفق ثقافتهم البدوية المحدودة جدا، وقبل ذلك علينا أن نتفق أولا حول نظرية الوحي، قبل أن نعتمدها كدليل نتوافق عليه، لأن الوحي شيئ إعتقادي إيماني يخص المؤمن به وحده، ولا يخص الجماعة العلمية، التي هي تشتغل وتبحث وفق براديغم علمي صارم، له أدواته وتقنياته ومناهجه الخاصة جدا جدا، والتي ما فتئت تتطور وتتقدم باستمرار التراكم المعرفي البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز